طبول حرب تهدّد الخليج

13 مايو 2019
متظاهرة في بروكسل ضد الحرب (دورسان ايدمير/الأناضول)
+ الخط -
ترتفع حماوة المواجهة الإيرانية الأميركية أكثر فأكثر، سواء على خلفية ما يصدر عن المسؤولين الإيرانيين من تهديدات، أو بسبب التحشيد الأميركي العسكري والدبلوماسي ضد طهران، لدرجة أن الحرب التي كانت مستبعدة حتى وقت قريب، والتي لا يريدها سوى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون وبعض دوائر صنع القرار في السعودية والإمارات، باتت في دائرة الاحتمالات الممكنة. وجاءت تفجيرات الفجيرة، التي استهدفت ناقلات نفط وسفناً تجارية إماراتية وسعودية، ليل السبت الأحد، لترفع حدة التصعيد في المنطقة إلى مستويات خطرة للغاية، وهي قد تشكل منعطفاً فاصلاً في الصراع بين طهران وواشنطن، ما يجعل احتمالات وقوع مواجهة عسكرية، واقعية أكثر من أي وقت مضى. وأتت التفجيرات، التي لا تزال تفاصيلها الكاملة غامضة، بعد أيام معدودة من تحذيرات أميركية من وجود "تهديدات إيرانية" لاستهداف ناقلات نفط في المنطقة، ما اعتبره بعضهم "محاولة أميركية لصياغة مبررات مسبقة" أو "التحضير" للانتقال إلى "مواجهة محدودة" أو حتى "حرب شاملة" مع إيران.

وإذا كانت مجلة "فورين بوليسي" ذهبت في تقديرها إلى أن التوترات المتصاعدة مع طهران تحمل تشابهاً مزعجاً مع التحضير للحرب على العراق عام 2003، وأهمها وجود جون بولتون في الإدارة الأميركية، فإن بعضهم شبّه ما يجري بأجواء حرب الخليج الثانية، تحديداً لجهة كثافة الحشد العسكري الأميركي في الخليج وتركيز المسؤولين الأميركيين على الملف الإيراني، خصوصاً وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو، الذي ألغى زيارتين الأسبوع الماضي في اللحظات الأخيرة، وعزى ذلك إلى مواضيع متعلقة بإيران، إذ عدل عن التوقّف في برلين وتوجه إلى العراق، ثم ألغى زيارة إلى غرينلاند وعاد إلى بلاده من لندن. في المقابل، توجّه بومبيو أمس إلى بروكسل للاجتماع بنظرائه الأوروبيين، ويُنتظر أن يلتقي بومبيو اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره سيرغي لافروف في سوتشي، علماً أنه ألغى زيارة له كانت مقررة أمس إلى موسكو.

وقال بومبيو في مقابلة مع شبكة "سي. إن. بي. سي"، بُثت أمس، إن نشر القوات الأميركية جاء استجابة لمعلومات استخبارية تشير إلى هجمات إيرانية محتملة وبهدف ردعها. وقال: "في حال قررت إيران أن تستهدف مصالح أميركية، سواء كان ذلك في العراق أو أفغانستان أو اليمن أو أي مكان في الشرق الأوسط، فنحن مستعدون للرد بطريقة مناسبة"، مضيفاً أن "هدفنا ليس الحرب".

وتتسارع التطورات المتعلقة بالملف الإيراني الأميركي، منذ إرسال الإدارة الأميركية حاملة الطائرات "أبراهام لنكولن" وقطعات بحرية حربية إلى المنطقة، وتلويحها بالخيار العسكري ضد طهران، مروراً بتهديدات إيرانية باستهداف المصالح الأميركية في المنطقة، ووصولاً إلى تحركات دبلوماسية "لافتة" تجري في الأوساط الدولية في هذا التوقيت الحساس، ومنها اجتماع عقده مجلس شؤون الاتحاد الأوروبي، أمس الإثنين، في بروكسل لبحث ملف إيران والتطورات الجديدة المتعلقة بالاتفاق النووي، وتنقّل بومبيو بين عواصم إقليمية ودولية تحت عنوان "الملف الإيراني".

وما زاد من حدة التوتر، تفجيرات الفجيرة التي استهدفت ناقلات نفط وسفناً تجارية. وفيما لم تتهم الإمارات مباشرة إيران بالوقوف وراء هذه التفجيرات، لكن الإعلام المقرّب منها ومن السعودية، ووسائل إعلام إسرائيلية وغربية، وجّهت أصابع الاتهام إلى طهران. كما أن أوساطاً إقليمية ودولية تنظر إلى الحادث في سياق التصعيد القائم بين واشنطن وطهران، وتستحضر تهديدات الأخيرة بمنع تصدير النفط من المنطقة، في حال مُنعت هي من تصدير نفطها. من جهتها، نفت إيران بطريقتها وبشكل غير مباشر أي دور لها في الحادث، واتهم المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، أمس، "عناصر أجنبية ومتآمرين" بالوقوف وراء التفجيرات، داعياً إلى فتح تحقيق لكشف ملابسات الحادث.

من جهته، وجّه رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه، أصابع الاتهام إلى "أطراف ثالثة تستهدف جر المنطقة إلى حرب"، ليبعد واشنطن عن دائرة الاتهام، معتبراً أن ما حدث يهدف إلى تصعيد التوتر بين إيران الولايات المتحدة وربما وقوع حرب بينهما. وقال في تصريح لوكالة "إرنا" الرسمية إن بلاده "هي الأكثر التزاماً بأمن المنطقة، وأظهرت ذلك من خلال التوقيع على اتفاقيات أمنية مع دولها في تسعينيات القرن الماضي"، مشدداً على "ضرورة أن تكون منطقة الخليج الفارسي آمنة".

طهران لم تكشف عن هوية "الأطراف الثالثة"، لكن من الواضح أن المقصود هي "مجموعة ب"، التي اتهمها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أكثر من مرة خلال الفترة الأخيرة بالسعي إلى استدراج الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حرب مع بلاده، في إشارة إلى بولتون ونتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان ووولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
وفي السياق، تحدثت تحليلات إيرانية عن أن إسرائيل تجد في ترامب فرصة كبيرة لجرّ واشنطن إلى حرب مع طهران، وهو ما عجزت عنه خلال العقود الماضية.


وسط هذه الأجواء المشحونة، حذرت أوروبا من خطورة الأوضاع الراهنة، ودعت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيدريكا موغريني إلى "تجنّب التصعيد مع طهران". كما أعرب وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، عن قلقه "البالغ من خطر نزاع يندلع عن طريق الخطأ بسبب تصعيد غير مقصود من كلا الطرفين".

أمام هذا الوضع "الخطير" الذي يشبّهه مراقبون ومحللون في المنطقة والعالم بمرحلة ما قبل العدوان على العراق عام 2003، ما زالت طهران متمسكة بقناعتها بأن فرص وقوع حرب معها ضئيلة جداً، إن لم تكن معدومة. مع ذلك وربما في تناقض مع هذه القراءة، ترفع طهران في الوقت نفسه، وبشكل لافت وكبير، نبرة التحدي والتهديد، كأن قلقاً ما يساورها من احتمال اندلاع حرب، هي بغنى عنها. وهدّد قائد القوات البحرية للحرس الثوري الإيراني، علي رضا تنغسيري، أمس، بأنه "في حال ارتكبت واشنطن أي خطأ، ففي اللحظة الأولى سنستهدف كل إمكانياتها في المنطقة". على الرغم من ذلك، استبعد تنغسيري وقوع حرب، واعتبر التصعيد الأميركي "حرباً نفسية"، قائلا إن "أميركا تضغط لجرنا إلى طاولة التفاوض، ولن ندخل مفاوضات تنفع العدو وتضر بنا".

وفي قراءة للأوضاع الراهنة، تبدو بعض الأجواء التي سبقت العدوان الأميركي على العراق قائمة، لكن أخرى غير موجودة، أقله حتى اللحظة. ومن العناصر المتوفرة هي المبررات والمسوغات نفسها التي صاغها المحافظون الجدد آنذاك لغزو العراق، منها أن بغداد "أكبر راعٍ للإرهاب"، وأنها تسعى لامتلاك "قنبلة نووية"، وتعرّض الأمن والاستقرار الإقليميين للخطر. كما أن من تلك العناصر المتوفرة حالياً، وجود فريق متشدد من دعاة الحرب في البيت الأبيض، يمسك بزمام الأمور، وبعض أعضائه هم من مهندسي الحرب على العراق، مثل جون بولتون، الذي كان أحد أركان المخططين لغزو العراق.

لكن المختلف في الوضع الحالي، بالمقارنة مع الذي سبق غزو العراق، هو أن التحضيرات العسكرية الأميركية في المنطقة وعلى الرغم من استدعاء القطعات البحرية الأخيرة، لا تُقارن أبداً بتحضيرات تلك الفترة، الأمر الذي يدفع محللين إيرانيين إلى الإعراب عن قناعتهم بأن احتمال تكرار حرب 2003 مع إيران غير وارد، وخصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق الكبير بين القدرات العسكرية لإيران اليوم مع العراق خلال تلك الفترة. بالإضافة إلى أنه لم يلاحظ خلال الآونة الأخيرة، أي تغيير في تموضع القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، وخصوصاً في العراق. بالتالي، ومع عدم اكتمال أركان حرب مع إيران خلال الفترة القريبة المقبلة، فإن السيناريو المرجح هو وقوع "مواجهة محدودة" مضبوطة الإيقاع بين الطرفين. وفي هذا السياق، لا تستبعد أوساط إيرانية أن تُوجَّه ضربات جوية محدودة لمراكز ومنشآت إيرانية. وكما حذر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في وقت سابق، فمن شأن أي حادث بحري أو بري أن يشعل مثل هذه المواجهة.

لكن لأسباب عديدة، فإن احتمال وقوع حرب شاملة مع إيران ليس وارداً حتى اللحظة، فهي، كما يقول مسؤولون إيرانيون، "لن تتوقف" شرارتها عند طهران، ما يعني أن جبهات متعددة ستشتعل في المنطقة في آن واحد، خصوصاً الجبهات الشمالية والجنوبية لإسرائيل، التي "لن تتحمل" تداعيات أي حرب شاملة مع إيران، بحسب تحليلات إيرانية وغربية.
أما السيناريو الآخر المحتمل أيضاً، هو أن تشهد المرحلة المقبلة "مواجهة عسكرية غير معلنة" بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة من جهة أخرى. فبعد تفجيرات الفجيرة، قد تقع أحداث مماثلة لناقلات النفط والسفن الإيرانية في المياه الإقليمية، من دون يعلن أي طرف مسؤوليته عنها، وخصوصاً أن نتنياهو هدد بذلك، ومعه أوساط أميركية.