ريبة ليبية من عودة النشاط الأوروبي... وترقب للمسار العسكري في جنيف

18 فبراير 2020
لم يخفِ قادة ريبتهم من عودة النشاط الأوروبي (Getty)
+ الخط -
لا تزال الأمم المتحدة ماضية في مسارات حلّ الأزمة الليبية الثلاثة، والتي أفرزتها قمة برلين التي انعقدت في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث تستأنف اللجنة العسكرية 5 + 5 جلساتها في جنيف، اليوم الثلاثاء، وبينما استضافت القاهرة جولة من المسار الاقتصادي، لا يزال المصير السياسي غامضاً حتى الآن، لكن قادة ليبيين لم يخفوا ريبتهم من عودة النشاط الأوروبي بشأن ليبيا في هذا التوقيت.
ويبدو أن نتائج الجولة الثانية من اجتماعات اللجنة العسكرية لم تكن أكثر حظاً من الأولى، على الرغم من تأكيد رئيس المجلس الرئاسي لحكومة "الوفاق" فايز السراج أنّ "الجولة المقبلة ستكون حاسمة"، بحسب خطاب له، السبت الماضي، إذ قال مصدر دبلوماسي ليبي مطلع إن ممثلي الحكومة العسكريين لن يبادروا إلى تقديم أي مقترح جديد في الجولة المقبلة كما حدث في الجولة الماضية، مشيراً، في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، إلى أن الوفد الحكومي العسكري سيكتفي بالإصرار على مطلب انسحاب قوات اللواء المتقاعد خلفية حفتر من أحياء جنوب العاصمة، كشرط أوّل لاستمرار المحادثات.
كما أكد الدبلوماسي أنّ "الحكومة أبلغت جهات دولية على صلة بمسارات برلين الثلاثة، بأنّ استمرارها متوقف على توصل المحادثات العسكرية المقبلة إلى نتائج نهائية ومحددة بشأن انسحاب قوات حفتر من جنوب طرابلس بشكل نهائي"، لافتاً إلى أن الحكومة تنازلت عن شرط عودة قوات حفتر إلى مواقعها ما قبل يوم 4 إبريل/ نيسان في هذه المرحلة، مقابل أن تنسحب إلى مواقع خارج طرابلس.
وتُناط باللجنة العسكرية مهمة التوصل إلى تثبيت وقف إطلاق النار، الذي أكده مجلس الأمن، يوم الأربعاء الماضي، لكن المصدر الدبلوماسي ذاته أشار إلى عدم تفاؤل دول أوروبية عدة بشأن نتائج الجولات الجارية في جنيف، قائلاً إن "استمرار تدفق السلاح إلى طرفَي النزاع، يراه الأوروبيون دليلاً على إمكانية راجحة لعودة القتال وبشكل أكثر عنفاً". ويرجع الدبلوماسي أسباب عودة النشاط الأوروبي في ليبيا إلى هذه الأسباب، لكن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وصف قرار الاتحاد الأوروبي بـ"المريب"، لافتاً إلى أن تشديده على الجانب العسكري "يستهدف بالأساس اتفاقية حكومة الوفاق مع تركيا".
وأعرب المشري في لقائه مع قناة "تي أر تي عربي" التركية، عن توجسه من قرارات الاتحاد الأوروبي، مضيفاً أن القرار "جاء بعد امتلاء مخازن حفتر بالسلاح في ليبيا".
وكان وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، قد أوضح في تصريحات صحافية، أمس الاثنين، أن "الاتحاد الأوروبي ملتزم بمهمة جوية وبحرية، وهناك جزء منها على الأرض، لحظر دخول الأسلحة إلى ليبيا"، مضيفاً أن المهمة ليست إحياء للعملية "صوفيا"، وأن الدول الأعضاء في الاتحاد على استعداد لتقديم سبع طائرات وسبعة زوارق للمهمة في حال توفرها.
واستضافت ألمانيا في مدينة ميونخ، قبل اجتماع بروكسل، على مدار يومَي الأحد والاثنين، اجتماعات للجنة مراقبة تنفيذ مخرجات قمة برلين، التي يرى الأكاديمي الليبي خليفة الحداد، أنها لم تفضِ إلى شيء حتى الآن، وأنه "لا يمكن للمشاركين في القمة السماح بتنفيذ كل مخرجاتها التي تعارض بعضها مصالحها".

ويلفت الحداد في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى موقف الإمارات على سبيل المثال، وهي من الدول المشاركة في قمة برلين، وعضو في لجنة مراقبة تنفيذ مخرجاتها، حيث لا تزال تشرف على جسر جوي ينقل الأسلحة إلى معسكرات حفتر بالأطنان، مشيراً إلى أن "مهمة أوروبا الجديدة في ليبيا، التي قررها الاتحاد الاوروبي بالأمس، هي التفاف على مخرجات برلين، فقد أشار دي مايو في تصريحه إلى أن جزءاً منها سيكون على الأرض بحجة مراقبة تدفق السلاح، وهو أمر منافٍ لما اتُفق عليه بشأن توقف التدخل الخارجي في البلاد"، معتبراً أن المجتمع الدولي، على الرغم من لقائه في برلين، إلا أنه لا يزال منقسماً بشأن ليبيا.
ويدلّل الحداد على رأيه بالموقف الروسي من قرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار، والانقسام الأوروبي الواضح الذي يبرزه لقاءان، الأول في ميونخ تقوده ألمانيا، والآخر في بروكسل.
ويبدو أن مخاوف المشري من أن تستهدف المهمة الأوروبية "اتفاقية حكومة الوفاق مع تركيا" ليست بعيدة عن الواقع، إذ طفى إلى السطح مجدداً، وبشكل مفاجئ، حديث مسؤولين يونانيين عن استعدادهم لنشر مذكرة رسمية تحدّد الإحداثيات الجغرافية بدقة في اتفاقية الحدود البحرية بين أنقرة والوفاق، وتقديمها إلى قسم قانون البحار والمحيطات التابع للأمم المتحدة، ما حدا بتركيا للردّ سريعاً وتأكيد أن نشر الخرائط من قبل الأمم المتحدة سيجعل المذكرة رسمية بشكل أساسي، وسيمهّد الطريق لبدء أنشطة التنقيب الاستكشافي للموارد الطبيعية؛ لكن المحلل السياسي الليبي مروان ذويب يؤكد أن المهمة الأوروبية لن تشكل خطراً كبيراً على تدفق السلاح، فـ"كلا الطرفين تزود بما يكفي لحرب طويلة، ولا يمكن أن يرجح السلاح كفة أي منهما على الآخر".
وبسبب انقساماتها التي لمّحت إليها تصريحات وزير الدفاع الإيطالي لورينزو غويريني، أمس الاثنين، عن عدم تخيله "وجود أي حلّ للأزمة الليبية من دون أن تكون إيطاليا موجودة فيه"، يرى ذويب في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن أوروبا وصلت متأخرة لليبيا فـ"لن تمكنها مهمتها البحرية من تحقيق أي شيء، وستفشل كما فشلت مهمة (صوفيا) سابقاً، وكانت تحمل في بعض مراحلها المهام ذاتها".
وبحسب رأيه، فإنّ "الصراع بعد تكافؤ موازين القوى على الأرض، ذاهب إلى التحول إلى طاولات التفاوض، وامتلاك كل من الطرفين لأوراق ضغط".
وفي وقت شدد فيه السراج على ضرورة إنجاز المسار العسكري قبل المضي في المسارات الأخرى، موكداً أنه "لا معنى للمفاوضات في المسارات الأخرى تحت قصف الطائرات واستمرار نزيف الدماء"، كورقة للضغط من أجل إرغام حفتر على القبول بسحب قواته من جنوب طرابلس، ذهب جانب حفتر إلى الضغط بورقة النفط، التي يبدو أنها أزعجت حكومة الوفاق بشكل كبير لأنها ستفقدها أهم مراكز قوتها لدى المجتمع الدولي.

ولا تزال مؤسسة النفط والبنك المركزي يعلنان بشكل متواصل عن خسائر وقف صادرات وإنتاج النفط، في وقت طالب السراج في الذكرى التاسعة لثورة 17 فبراير/ شباط، المجتمع بالتحرك السريع، معتبراً أن "بيانات الإدانة لا تكفي، فعدم العقاب يشجع على التمادي".
ويتوقع ذويب أن تتوقف مسارات الحل الثلاثة في ليبيا على نتائج المحادثات العسكرية "لأنها تتعلق بالميدان، وهو الأصل الذي قاد الأطراف الليبية والخارجية لبرلين"، مشيراً إلى موقف السراج المتمسك بعدم المضي في المسار السياسي إلا بعد وضوح نتائج المسار العسكري، وموقف مجلس النواب الذي لا يزال يماطل حتى الآن في ترشيح ممثليه في اللجنة السياسية، ويتخوف من نية البعثة الأممية منح صلاحياته لهذه اللجنة.
المساهمون