مصر: "الاستخبارات الحربية" هددت البرادعي ومحسوب

23 نوفمبر 2016
من فضّ اعتصامات ميادين مصر عام 2014 (مصعب الشامي/Getty)
+ الخط -

في القاهرة أحاديث عدة عن "جهة رسمية" تعمل على محاصرة كل من يخرج عن النظام المصري. وقد قيل الكثير في هذا الصدد، ومنها على لسان نائب رئيس الجمهورية السابق محمد البرادعي، الذي كشف في شهادة أخيرة أن "جهة رسمية ما"، رفض التصريح باسمها، هددت بتدميره إبان فترة تولّيه المنصب عقب انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، حين أبدى اعتراضاً على استخدام القوة في فض اعتصامي أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، بميداني رابعة العدوية ونهضة مصر.

كما أنه في إشارة قريبة لما صرح به البرادعي، تحدث وزير الدولة المصري لشؤون المجالس النيابية والقانونية، محمد محسوب، في عهد مرسي، عن تلقيه تهديدات خلال تواجده باعتصام رابعة العدوية، الذي قامت قوات مصرية بفضه في 14 أغسطس/آب 2013، من "جهةٍ ما"، رفض أيضاً الإفصاح عن هويتها، مؤكداً أن "من قام بفضّ الاعتصام ليست قوات تابعة للجيش المصري بشكل مباشر".

عن تلك الـ"جهة رسمية ما" أكد مصدر سياسي بارز لـ"العربي الجديد"، أن "الجهة التي أشار لها كل من البرادعي ومحسوب، هي جهاز الاستخبارات الحربية، الذي كان يرأسه عبد الفتاح السيسي قبل توليه منصب وزير الدفاع في عهد مرسي. بعدها استمر السيسي مشرفاً على الجهاز، بعدما كلف صهره اللواء محمود حجازي، بتولي الجهاز".

وكشف المصدر أن "ما يؤكد وقوف جهاز الاستخبارات الحربية وراء كثير من الأحداث التي شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير 2011، هو عدد من الوقائع، وفي مقدمتها الواقعة المعروفة بفيلا الزمالك، وهي بناية سكنية بمنطقة الزمالك كان يستخدمها جهاز أمن الدولة التابع لوزارة الداخلية، الذي تحول اسمه بعد الثورة إلى الأمن الوطني، في التنصت والتسجيل كل محادثات الشخصيات العامة في مصر".

واستطرد المصدر قائلاً إن "هذه الفيلا كانت المكان الأساسي بالقاهرة الكبرى، التي كان يتم خلالها تسجيل كل أقوال المسؤولين والمعارضين، وقيادات الجيش وقتها. وفور وقوع أحداث الثورة، تحديداً بعد جمعة الغضب، توجّهت قوة تابعة للاستخبارات الحربية، وفرضت سيطرتها على الفيلا، بكل ما تحتويه من أجهزة تنصّت وتسجيلات. وباتت تابعة لها منذ ذلك الحين".

وأضاف أنه "من يومها والجهة التي تشرف على التسجيلات والتنصت على النشطاء والسياسيين هي الاستخبارات الحربية، وهي من قامت بتسريب مكالمات البرادعي التي أذاعها الإعلامي عبد الرحيم علي في برنامجه السابق بفضائية القاهرة والناس، المملوكة لرجل الأعمال طارق نور، الذي كان يقدمه باسم (الصندوق الأسود)".



واقعة أخرى كان طرفَ الخيط فيها تصريح قديم للنائب السابق، عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد البلتاجي، حين أفاد في تصريحات إعلامية له قبل انقلاب الثالث من يوليو، أن "لواءً في الاستخبارات الحربية قَدِم إلى ميدان التحرير، قبل موقعة الجمل بساعات قليلة في 2 فبراير/شباط 2011، وطلب منهم إخلاء الميدان لأن بلطجية قادمون وقد تحدث مجزرة، وأنهم سيتكفلون بتأمين المعتصمين بالميدان خلال إخلائه. وهو ما رفضته القيادات السياسية للميدان خلال تلك الفترة، مؤكدين استمرار الاعتصام حتى رحيل (الرئيس المخلوع حسني) مبارك، لتنطلق بعدها بساعات قليلة جحافل البلطجية من كل حدب وصوب نحو الميدان".

مصدر قريب من لجنة تقصي الحقائق التي أشرفت على إعادة التحقيق في قضية قتل متظاهري 25 يناير كشف أن "التحقيقات التي لم يُقدّر لها أن ترى النور وجاء الانقلاب العسكري ليقوم بدفنها، كانت تحمل كشف كثير من الأسرار. وفي مقدمتها مشاركة الاستخبارات الحربية في مشهد موقعة الجمل، وما تلاه من مشاهد عدة سُفكت خلالها الكثير من الدماء. وكانت توجه فيها أصابع الاتهام لما تعارف عليه وقتها بالطرف الثالث".

وشدّد المصدر على أن "لواء الاستخبارات الذي قدم إلى الميدان ظهيرة يوم الموقعة، كان اللواء عبد الفتاح السيسي رئيس الجهاز وقتها"، مؤكداً أنه "على الرغم من تدمير محتوى كاميرات المراقبة الخاصة بالميدان والتابعة للكثير من جهات الدولة، إلا أن بعض الكاميرات التي كانت موضوعة فوق بناية (رفض الكشف عن هويتها)، التقطت صوراً لأحد الأشخاص، وهو يقوم بسحب نقود من إحدى آلات الصرافة المجاورة للميدان، وتوزيعها على عدد من البلطجية، وهو الشخص الذي ثبت بعد ذلك أنه ضابط بجهاز الاستخبارات الحربية".

تقاطعت روايات المصادر مع ما كشفته قناة "مكملين" الفضائية، في سلسلة من التسريبات المعروفة بـ"تسريبات مكتب السيسي"، التي كشفت إحداها أن "دولة الإمارات كانت تموّل حساباً مصرفياً لحركة "تمرّد" التي قادت جمع توقيعات للإطاحة بمرسي، والتمهيد للانقلاب عليه. وظهر تسريب صوتي طلب فيه اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي، حين كان وزيراً للدفاع، من كل من رئيس الأركان وقتها الفريق صدقي صبحي، والمشرف على جهاز الاستخبارات الحربية في حينه محمود حجازي، جزءاً من الأموال التي تم تحويلها لحساب الحركة.

الأمر الآخر الذي أوضحته مصادر سياسية شاركت في المشهد السياسي خلال السنوات الخمس الماضية، هو أن "كل رجال السيسي الحقيقيين المسؤولين عن إدارة كافة الملفات الهامة، من الاستخبارات الحربية. وكانوا يعملون تحت إدارته خلال توليه رئاسة الجهاز قبل ثورة 25 يناير. وفي مقدمتهم عباس كامل، الذي ظل رجل الظل الذي يدير ملف الإعلام سواء التلفزيوني أو الورقي أو الإذاعي، وكذلك أحمد علي المتحدث السابق باسم القوات المسلحة، خلال فترة تولي السيسي منصب وزير الدفاع".

وأضافت المصادر أنه "هناك أيضاً الرائد أحمد شعبان مدير مكتب عباس كامل حالياً ومساعده الأبرز. شعبان بات حلقة وصل مع الإعلاميين والصحافيين، ويكتب مقالاً أسبوعياً في صحيفة (اليوم السابع) المقربة من النظام، تحت اسم (ابن الدولة). كذلك عدد كبير من ضباط أمن رئاسة الجمهورية، الذين تم انتدابهم من جهاز الاستخبارات الحربية، للعمل إلى جوار السيسي بقصر الاتحادية".

وأكدت المصادر أن "الجهاز الذي يعدّ كلمة السر في كثير من الأحداث الدموية التي شهدتها البلاد طيلة السنوات الخمس الماضية، أدى دوراً كبيراً في مجزرة استاد بورسعيد ضد شباب رابطة مشجعي النادي الأهلي (الأولترس)، التي راح ضحيتها 74 شخصاً منهم، في مجزرة تعتبر الأكثر دموية في ملاعب كرة القدم. كما ينطبق الأمر عينه على مذبحة العباسية، التي شهدت مقتل عدد من أنصار حازم صلاح أبو إسماعيل".
وشددت المصادر على أن "هناك كثيرين داخل المؤسسة العسكرية من صغار الرتب والضباط يرفضون النهج الذي أديرت به البلاد منذ 25 يناير 2011، وتصدير الجيش في المشهد على أنه هو من يقوم بالتصدي للمتظاهرين. وهو ما يفسر المحاكمات العسكرية التي أحيل إليها العديد من الضباط في سرية تامة وإحالة الكثير من القيادات للتقاعد في فترات مختلفة".

مع العلم أنه صدر حكم عسكري بحق 26 ضابطاً بالجيش المصري، بينهم 4 عقداء متقاعدين، بأحكام بالسجن تراوحت بين 10 سنوات و25 عاماً، بعدما وجهت لهم محكمة عسكرية اتهامات بالتحضير لانقلاب عسكري بناء على تحريات قامت بها الاستخبارات الحربية.


المساهمون