تشهد الساحة اليمنية حراكاً سياسياً صامتاً في الغالب، مع محاولات جديدة للحكومة الشرعية، بسحب ورقة البرلمان من تحالف الانقلاب في صنعاء ممثلاً بجماعة أنصار الله (الحوثيين) وحزب المؤتمر الذي يترأسه علي عبدالله صالح، في ظل الانسداد الحاصل بالمسار السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة في البلاد.
وأفادت مصادر سياسية يمنية، تحدثت مع "العربي الجديد"، بأن حركة اتصالات وجهوداً سياسية تجري حالياً مع أعضاء مجلس النواب اليمني المتواجدين خارج البلاد أو في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية والتحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في الجنوب والشرق، بغية عقد اجتماع برلماني برعاية الحكومة الشرعية في مدينة عدن، جنوبي البلاد.
ووفقاً للمصادر، فإن الاجتماع الذي يتمتع بدعم من السعودية للانعقاد في عدن، يسعى لإقرار ترتيبات مهمة متعلقة بالأزمة اليمنية تحت رعاية الشرعية، بعد أن كان مجلس النواب الذي يتمتع حزب صالح بالغالبية من أعضائه، ورقة تفتقدها الشرعية، خصوصاً منذ عودة جلساته في صنعاء عقب الاتفاق الذي وقعه الحوثيون وحزب صالح في يوليو/ تموز العام الماضي، وعلى ضوئه عاد البرلمان ليعقد جلساته بعد أن كان الحوثيون قاموا بحله عبر ما سُمي بـ"الإعلان الدستوري"، في فبراير/ شباط 2015.
وتقول المصادر إن جهود الحكومة الشرعية في سياق محاولتها عقد جلسة للبرلمان في عدن خلال الأسابيع المقبلة تسير في اتجاهين؛ الأول عبر اتصالات مع أعضاء البرلمان المتواجدين خارج البلاد من مؤيدين للشرعية أو ممن وقفوا على الحياد خلال الحرب، والآخر هو استدعاء أعضاء برلمانيين من مناطق سيطرة الشرعية ومحاولة استمالة آخرين من المحسوبين على فريق صالح داخل حزب المؤتمر.
وليست المرة الأولى التي تسعى فيها الحكومة الشرعية لعقد جلسة برلمانية في عدن، لكن الإصرار هذه المرة، كما يظهر من خلال تسريبات وتصريحات لعدد من المسؤولين، يبدو أكبر، الأمر الذي يبدو انعكاساً للانسداد السياسي الحاصل على صعيد جهود الأمم المتحدة، بالإضافة إلى ترتيبات في إطار الشرعية، لم تتضح معالمها حتى اليوم، وما إذا كان من الممكن حصول تغيير في إطار الحكومة الشرعية، أو على الأقل، ممارسة ضغوط على تحالف الحوثيين وصالح وتشديد الحصار.
وتواجه هذه الجهود تحديات محورية، إذ إن انعقاد البرلمان يتطلب بحسب اللائحة الداخلية حضور نصف الأعضاء كنصاب لعقد أي جلسة، وعلى الرغم من الانقسام والانشقاقات، تمكن حزب صالح من إعادة جلسات مجلس النواب بما يقارب نصف الأعضاء، وهو ما يعني أن إحضار الشرعية للنصف الآخر، أمر ليس من السهل أن يتم، في ظل وجود أعضاء يقفون في المنتصف، أو يتعذر حضورهم إلى عدن.
ويتألف البرلمان اليمني من 301 عضو، وهو أطول برلمان عمراً، إذ انتُخب أعضاؤه في عام 2003، وكان من المقرر أن تنتهي فترته الانتخابية عام 2009، إلا أن الأحزاب السياسية مددت للبرلمان باتفاق سياسي جرى تجديده من خلال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية الأممية عام 2011، وجرى الاتفاق على أن تكون قراراته توافقية بين الكتل الرئيسية خلال المرحلة الانتقالية.
في فبراير/ شباط 2015، أصدر الحوثيون ما سموه "الإعلان الدستوري"، الذي بموجبه قاموا بحل مؤسسات الدولة الدستورية بما فيها الرئاسة والحكومة والبرلمان، إلا أن حزب صالح، صاحب الأغلبية في البرلمان، والمتحالف مع الحوثيين خلال الحرب، تمكن من إبرام اتفاق مع الحوثيين في يوليو/ تموز 2016، بموجبه جرى تشكيل "المجلس السياسي الأعلى"، المؤلف بالمناصفة بين الجماعة والحزب، وسمح الاتفاق الذي ينص على "إدارة البلاد وفقاً للدستور"، بعودة البرلمان.
ومنذ عودة جلساته في أغسطس/ آب العام الماضي، فشل البرلمان في الحصول على اعتراف ودعم دولي لخطواته التي اعتبرت وجود سلطة هادي بحكم العدم. في المقابل، عجزت الحكومة الشرعية عن أن تحتال على شرعية البرلمان، الذي لا يعطي الدستور اليمني للرئيس حق حله إلا بعد استفتاء الشعب والدعوة لانتخابات خلال 60 يوماً، لتجد الشرعية اليمنية ذاتها أمام قلق وجود برلمان في صنعاء تحت سلطة الانقلابيين.
وفي إطار التنازع على البرلمان وفي ظل القيود التي تمنعه من حلهِ، لجأ الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، في يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، إلى إصدار قرار يتضمن نقل مقر البرلمان من صنعاء إلى عدن، واتهام قيادته بصنعاء بمخالفة الدستور، لكن القرار أيضاً خفت الحديث عنه مع عجز الشرعية عن إحضار نصف الأعضاء إلى عدن، فضلاً عن وجود معوقات قانونية، إذ تنص اللوائح على أن مجلس النواب ينعقد في صنعاء وبالحالات الطارئة خارجها بدعوة من رئيس الجمهورية.
وتأتي عودة "الأزمة" حول البرلمان، مجدداً، لتبدو مؤشراً مهماً يعتمد على ما بعده. ففي حال كانت الشرعية مصرة ووصلت إلى تأمين عقد الاجتماع، فإن ذلك مؤشر على سعيها لاتخاذ قرارات تتطلب مشروعية برلمانية، وإذا ما فشلت الجهود، فإنها ستكون انعكاساً لاستمرار التعقيدات الدستورية والقانونية التي اصطدمت بها منذ ما يقرب من عام.