فرضت الانتهاكات المتزايدة، للقوات التابعة إلى اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر، نفسها على العلاقة بين القاهرة وحفتر، والتي لا يبدو أنها ستتغير في المستقبل القريب، بسبب عدم وجود بديل آخر يقود القوات الموالية لمعسكر برلمان طبرق. وفتحت واقعة نبش موالين لقائد القوات الموالية لمعسكر برلمان طبرق، خليفة حفتر، لعدد من القبور، والتمثيل ببعض الجثث، الباب واسعاً أمام الحديث عن الانتهاكات والتجاوزات التي تقوم بها قوات حفتر. ووجّهت القيادة المصرية انتقادات شديدة لحفتر، وذلك خلال اتصال مع رئيس أركان الجيش المصري المكلف بمتابعة الملف الليبي، الفريق محمود حجازي، خصوصاً مع حدوث ضجة دولية وإقليمية تجاه هذه التصرفات. وتسود حالة من التوتر بين القاهرة وحفتر، على خلفية رفضه لقاء رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، فائز السراج، في فبراير/شباط الماضي.
وكشفت مصادر خاصة أن حجازي تلقى ملفاً كاملاً عن تجاوزات وانتهاكات قوات حفتر في ليبيا خلال الفترة الماضية. وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الضجة، الدولية والإعلامية، التي صاحبت نبش القبور دفعت بالقيادة المصرية إلى فتح هذا الملف بشكل موسع خلال الفترة المقبلة. وأضافت أن الملف يتضمن تجاوزات كبيرة، ليس فقط لناحية نبش القبور وهي أقلها، لكن هناك انتهاكات تتعلق بالمدنيين، والتي تضمنت عمليات اعتقال عشوائية وتعذيب مدنيين، وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في عمليات القصف الجوي على مناطق خارج سيطرة قوات حفتر. ولفتت إلى أنه سيتم فتح هذا الملف بالكامل مع حفتر خلال الفترة المقبلة. وأشارت إلى أن القيادة المصرية ترى أن حفتر غير قادر على السيطرة على القوات الموالية له، فضلاً عن أنه يوافق على هذه الممارسات التي تدخل في إطار المكايدات التي لا طائل منها مطلقاً، سوى ضياع جهود مصر في سبيل دعمه وإنهاء الأزمات هناك.
وفي وقت سابق، قال حجازي، إنه ناقش مع حفتر، على مدار يومين، إقناعه بضرورة الاعتذار والتبرؤ من عمليات نبش القبور التي قام بها أتباعه في بنغازي. وأضاف حجازي، في تصريحات لفضائية "أون تي في"، الإثنين الماضي، "أخبرنا حفتر بأن عدم التبرؤ من الفاعلين سيجعله في موقف ضعف، وسيسيء إلى صورته داخلياً، وسيقلل من وزنه في الحوار الليبي". وتابع "كما سيظهر أن الجيش (قوات حفتر) مشابه للتنظيمات الإرهابية التي يسوّق بأنه يحاربها"، مضيفاً إن المجتمع الدولي يتابع باستياء ما يحدث، وعدم التبرؤ من تلك الأفعال سيضيع فرصة حصوله على أي مكاسب في المستقبل. وأشار رئيس الأركان المصري إلى أن دولاً غربية، منها بريطانيا، تواصلت مع مصر فور تسريب الصور ومقاطع الفيديو إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وأبدت غضبها الشديد من تفاخر قيادة الجيش الليبي وقنواته الإعلامية بما حصل من تنكيل وحرق وتعدٍ على النساء، مؤكداً أن حفتر بدأ أخيراً بالتجاوب وفهم عواقب تلك الأمور.
وتصاعدت حدة الخلافات بين النظام المصري، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحفتر، الذي يحصل على دعم عسكري وسياسي من القاهرة، في محاولة لتمكينه من تولي وزارة الدفاع في أي حكومة ليبية مستقبلاً. ولا تتعلق الخلافات فقط بإحراج حفتر للقاهرة، بعد رفضه لقاء السراج، في فبراير/شباط، لكن لاستمراره في العناد وعدم الانصياع للتوجيهات المصرية، وخسارة منطقة الهلال النفطي، وأخيراً تلويحه، في اتصالاته مع المسؤولين المصريين، بالدعم الروسي له. ورغم ذلك، يظل حفتر خيار النظام المصري في ليبيا حتى الآن، لعدم وجود بديل آخر يقود القوات الموالية لمعسكر برلمان طبرق.
وظهر التوتر في العلاقات بين الطرفين، مع تصريح رئيس أركان الجيش المصري ورئيس اللجنة الوطنية لمتابعة الملف الليبي، الفريق محمود حجازي، رفضه قيام قوات تابعة لحفتر بنبش القبور، ومطالبته بالتبرؤ من هذه الأفعال التي تفقده وضعه في ليبيا في المستقبل. وقالت مصادر خاصة إن تصريحات حجازي حول حفتر، تعكس التوتر الشديد في العلاقة بين الطرفين خلال الفترة الماضية، بعد ما وصفته بـ"تمرد" الأخير على التوجيهات المصرية له. وأشارت إلى أن القيادة المصرية عنفت حفتر بسبب عدم تقدير المسؤولية بما يتعلق باستمرار السيطرة على منطقة الهلال النفطي، التي تم دعمه فيها بقوة. وأضافت المصادر أن الاتصالات، التي كشف عنها رئيس الأركان المصري مع حفتر، حول ضرورة التبرؤ من نبش القبور، ليست الأولى من نوعها، وسبقتها اتصالات أخرى عقب فقدان قواته سيطرتها على منطقة الهلال النفطي. وأوضحت أن القيادة المصرية ترى أن حفتر غير أمين على الدعم وقيادة نواة جيش وطني في ليبيا، نظراً للانشغال بتحسين وضعه فقط من دون بذل جهود حقيقية. وأكدت المصادر الخاصة أن مصر هي من صنعت حفتر، والآن يحاول التمرد عليها، ملوحاً بالدعم الروسي له ولقواته، وهو أمر أغضب بشدة نظام السيسي. وأشارت إلى وجود أزمة لدى مصر في التعامل مع حفتر، لأنه شعر بقوته في ليبيا، وهي في الأساس ليست قوة حقيقية، لكنها نابعة من دعم مصري إماراتي والترويج المصري له خارجياً. ولفتت إلى أن النظام المصري نبه الإمارات إلى أهمية رؤيته لإدارة الأزمة الليبية، نظراً لأنها تعتمد على تقديرات مواقف عسكرية أولاً. وسبق التحذير من مغبة الدخول في صدامات مسلحة تهدر أي فرصة للدخول في مشاورات لحل سياسي للأزمة.
وكشفت المصادر عن تكرار حفتر التلويح بالدعم الروسي له، معتمداً على الزيارات التي قام بها إلى موسكو، خلال الأشهر القليلة الماضية، وهو ما جعل مصر تفكر في رفع يدها بصورة مؤقتة عن محاولات تجميع الفرقاء مجدداً، لأن حفتر أحرج القاهرة بشدة. ونقلت عن قيادات عسكرية تتابع الملف الليبي، أن عدم وجود بديل عن حفتر يمكن دعمه حالياً، يجعله الخيار الأول هناك، وإلا لتحولت دفة الدعم عنه، ولكن حتى الآن لا يمكن التعويل على أي قيادة عسكرية حقيقية بارزة في معسكر برلمان طبرق. وأشارت إلى أن الأزمة لا تتعلق فقط باختيار مصر بديلاً لحفتر كقائد لنواة جيش وطني ليبي، لكن عدم حسم هذا الأمر لدى الأطراف الداعمة له هناك. وعن سبب تصريحات رئيس الأركان المصري حول نبش القبور في ليبيا، أكدت المصادر أن اللجنة الوطنية لمتابعة الملف الليبي، تدرك تماماً أن حفتر شخصياً يوافق على هذه المسألة، بل وجاءت بتوجيهات منه، لذلك خرج التصريح بهذه الصورة. وفي وقت سابق، استبعد الخبير العسكري، العميد صفوت الزيات، في حديثه لـ"العربي الجديد"، قدرة أي طرف في ليبيا على حسم الخلافات عسكرياً، بعد تلويح حفتر بالحسم العسكري إثر رفضه لقاء السراج في القاهرة. وقال الزيات إن الأوضاع في ليبيا صعبة للغاية، ولن تحل مطلقاً بأي حسم عسكري، وكل الأطراف لديها مليشيات مسلحة، والمعركة متأرجحة بين هنا وهناك. وأضاف أن الحل السياسي للأزمة الليبية، عبر جلوس مختلف الأطراف حول طاولة مفاوضات لوقف الاقتتال، هو الخيار الأمثل.