حرب بن سلمان في اليمن: خسائر للمملكة بلا نتائج

21 يناير 2018
كارثة إنسانية في اليمن جراء الحرب (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
بعد مرور ما يزيد عن الألف يوم على إطلاق السعودية حربها في اليمن تحت شعار "عاصفة الحزم"، لا تزال المملكة غارقة في المستنقع اليمني، على الرغم من أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي جاءت هذه الحرب كأولى القرارات التي تبنّاها بعد تعيينه وزيراً للدفاع، كان قد توقّع ألا تطول وألا تستمر في أسوأ الأحوال أكثر من 3 أشهر، لكنها لا تزال مستمرة بعد نحو ثلاث سنوات. هذا الأمر جعل البعض في السعودية، تحديداً الذين تخيّم تداعيات الحرب على حياتهم اليومية، يتساءلون حول ما الذي جنته المملكة من إقحام نفسها في هذا الصراع، مع تزايد الخسائر التي مُنيت بها بسبب تلك الحرب.

ويبدو أن تداعيات هذه الحرب على اليمن والسعودية ستظل مستمرة لأمد طويل، في ظل عدم وجود مؤشرات على حل لها، فيما يربط مراقبون خوض المملكة لهذه الحرب، واعتقادها بإنهائها في أمد قصير، بإبراز بن سلمان كـ"بطل" قادر على تحقيق الإنجازات العسكرية، بما يمهد الطريق في ما بعد لوصوله إلى العرش.

وتسبّبت الحرب بآثار سلبية كبيرة، فبعد نحو ثلاث سنوات على انطلاقتها، يعيش اليمن كارثة إنسانية جراء الحصار وإغلاق الموانئ، ما ساهم في تفشي الأوبئة والأمراض كالكوليرا والدفتريا، فضلاً عن تدمير بنية البلاد التحتية ومدن وقرى بأكملها، إضافة إلى خلق حالة من الانقسام القبلي والمجتمعي. ولم تفلح المساعي بترميم صورة بن سلمان عن طريق "مركز الملك سلمان للإغاثة" والذي يتم تصويره من قبل الإعلام الرسمي كمعين لليمنيين المتضررين من الحرب. هذا الوضع جلب الكثير من الانتقادات والاتهامات الدولية للسعودية بالتسبّب في كارثة إنسانية في اليمن، وهو الأمر الذي دفع مسؤولين دوليين للتنديد بذلك وإدانة دور المملكة. وكانت للاتحاد الأوروبي وبرلمانه مطالبات تتضمن وقف بيع الأسلحة للمملكة عقاباً لها، سعياً للحد من أكبر أزمة إنسانية يشهدها العالم.

ولم تتوقف التهديدات على السعودية داخل الأراضي اليمنية، إذ باتت مدن سعودية تحت مرمى صواريخ الحوثيين، الذين استهدفوا بالقصف الأراضي السعودية، وخصوصاً الرياض، ليصبح هذا التهديد مصدر قلق جديد للمواطنين السعوديين. وأظهر القصف قدرة الحوثيين على الوصول إلى أهداف بعيدة نسبياً، كاستهداف الرياض بأكثر من صاروخ. ويخشى المواطنون من أن يستهدف الحوثيون العاصمة الرياض بعدد أكبر من الصواريخ مستقبلاً، وهي المدينة التي يقطنها تسعة ملايين شخص وتمثل عصب المملكة، ومقر الأسرة الحاكمة، ما سينقل المعركة إلى مستوى آخر.

كذلك فإن الاقتصاد السعودي عانى من تداعيات هذه الحرب، التي كلّفت المملكة عشرات مليارات الريالات، على الرغم من التعتيم على الكلفة الفعلية، ما أدى إلى تآكل احتياط السعودية النقدي الذي فَقَد أكثر من 35 في المائة منه منذ بداية الحرب. وهو كان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى عجز كبير في ميزانية الدولة السعودية، لتتبنى السلطات سياسة التقشف التي لم تعهدها سابقاً. ويعتقد اقتصاديون أن الحرب كانت ولا تزال السبب الأساس في وصول المملكة إلى وضعها الاقتصادي الحالي. ولعل فرض الضرائب ورفع أسعار المحروقات كانا نتيجة حتمية لذلك. فضلاً عن إنفاق الرياض عشرات المليارات على صفقات عسكرية جراء الحرب.


كذلك أدت الحرب إلى إرهاق الجيش السعودي الذي لم يعتد حروب الاستنزاف الطويلة. فطبيعة أرض المعركة، حيث التضاريس في جنوب السعودية وشمال اليمن، جعلت من حسم الحرب صعباً للغاية، الأمر الذي تسبّب في حالة ارتباك للجنود وارتفاع عدد القتلى بينهم. وكان نقص المؤونة قد أدى إلى تثبيط معنويات الجيش السعودي الذي عانى من هذه المعضلة لفترات طويلة متواصلة من دون وجود حل لها. وأدى ذلك إلى طلب العديد من الجنود التقاعد المبكر بعد الفترة العصيبة التي مروا بها. ولم يكن الجيش وحده المتضرر من الحرب، إذ أُضعف الحرس الوطني، والذي يفترض أن يكون بمنأى عن الصراعات الإقليمية.

ولم تكن خسائر المملكة مادية فقط، بل إن الحرب أدت إلى سقوط قتلى من جيشها، لم يُعلن رسمياً عن عددهم، فيما سرت أنباء أن عدد القتلى يلامس الخمسة آلاف جندي. وظل الإعلام الرسمي صامتاً حيال الأرقام الحقيقية للقتلى، وبقي الإعلان عن بعض القتلى خجولاً خوفاً من ضرب معنويات الجنود. ولعل انتماء بعض الجنود لقبائل معينة أفسح المجال أمام معرفة تقريبية لأعدادهم، فمن الصعب إخفاء هويات القتلى المنتمين لقبائل معروفة. وتمنع الدولة التطرق إلى أعداد القتلى من قبل الصحافة أو من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وتعاقب من يقوم بذلك.

في موازاة ذلك، لطالما كان للمملكة دور مهم في السياسة اليمنية جراء نسجها تحالفات مع رموزها وقبائلها، الأمر الذي بدأ في التلاشي مع الحرب. وكانت حرب اليمن الشرارة الأولى لضمور دور المملكة إقليمياً لصالح إيران وفي دول أخرى مثل لبنان. وأدت سياسة بن سلمان بافتعال أزمات إلى فقدان دور الرياض الذي لطالما عُرفت به، لا سيما عربياً وإسلامياً.
كل تلك التهديدات التي تعرضت لها المملكة جراء دخولها في الصراع اليمني، أثارت تساؤلات كبيرة في الشارع السعودي حول قدرة بن سلمان على إنهاء هذه الحرب والخروج بأقل الخسائر الممكنة، وما ستكون كلفة ذلك راهناً.