مصر: تمهيد للتعديل الدستوري وتنافس حزبي لتأييد السيسي

23 يوليو 2018
محاولات لإظهار تعديل الدستور كمطلب شعبي (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
ظهرت خلال الأيام الأخيرة في بعض المصالح الحكومية بمحافظات الوجه البحري في مصر دعوات للتوقيع الجماعي على استمارات للمطالبة بتعديل الدستور، بما يسمح بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية الحالي عبد الفتاح السيسي مرة أخرى على الأقل بعد نهاية ولايته الثانية عام 2022، وذلك عبر إلغاء القيد الدستوري على الترشح لولاية رئاسية ثالثة، وعدم زيادة مدة الفترة الرئاسية الواحدة على 4 سنوات.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر صوراً مختلفة لتلك الاستمارات، تختلف عن بعضها في التصميم الخارجي، لكنها تتفق في المضمون، ما يعكس تحريك هذه المبادرة –حسب وصف بعض الصفحات المؤيدة للسيسي- بواسطة إدارة موحدة تهدف لإحداث حراك سياسي في اتجاه تأييد السيسي وزيادة شعبيته بعد القرارات الاقتصادية الصعبة التي استهل بها ولايته الثانية، وكذلك لحثّ السلطة التشريعية على دراسة مشروع تعديل الدستور المجمد منذ عام تقريباً، قبل نهاية الفصل التشريعي الحالي عام 2020.



وكشفت مصادر سياسية مطلعة في حزبي "مستقبل وطن" و"المؤتمر، المواليين للسيسي، أن جهاز الأمن الوطني في وزارة الداخلية أصدر تعليماته لأحزاب الأكثرية النيابية "دعم مصر" بإطلاق هذه المبادرة لإشعار الرأي العام بأن التعديل الدستوري ضرورة لاستكمال برامج السيسي ومشروعاته، وكذلك بأن هناك إرادة سياسية وتنفيذية لطرح مشروع التعديل بشكل رسمي على البرلمان قريباً. وجاء ذلك في محاولة لاجترار سيناريوهات جمع التوقيعات التي بدأت منذ ميلاد حركة "تمرد" برعاية أجهزة سيادية لمعارضة الرئيس المعزول محمد مرسي، بهدف إثارة الزخم الإعلامي والاجتماعي وتوجيه الرأي العام.
ووفقاً للمصادر فإن خطة جمع التوقيعات تستهدف أمراً آخر، ربما يكون أكثر أهمية حالياً، وهو اختبار قوة الأحزاب الداعمة للسيسي لاختيار الهياكل والكوادر التي ستبقى في إطار الخطة الجديدة لإنشاء ظهير سياسي واسع للرئيس وتقليص عدد الأحزاب، بهدف حسم المنافسة المستعرة حالياً بين قيادات الأحزاب الصغيرة على المناصب القيادية المنتظرة في الحزب الكبير. وتدور المنافسة بالأساس بين القيادات الذين كانوا يعملون في السابق ضباطاً بالجيش أو الشرطة، بينما يتوارى بصورة ملحوظة رجال الأعمال، خصوصاً الذين كانوا ينتمون للحزب الوطني الحاكم في عهد حسني مبارك. ومن المرجح أن يبتعدوا عن صورة الصف الأول، مع إبقائهم مصدراً أساسياً للدعم المالي والحشد الجماهيري.
وحصلت "العربي الجديد" على نسخة من استمارة تستعد حملة تُدعى "الشعب يطالب بتعديل المادة 140 من الدستور"، للبدء في جمْع توقيعات شعبية عليها، على غرار حملتيْ "عشان تبنيها"، و"من أجل مصر"، اللتين تم إطلاقهما من جانب أجهزة مخابرات وأمن السيسي قبيل الانتخابات الرئاسية، بهدف جمع توقيعات شعبية لحثّ السيسي على الترشح.
وتنص المادة 140 من الدستور على أنه "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة. وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوماً على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوماً على الأقل. ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أي منصب حزبي طوال مدة الرئاسة".
وبحسب مصادر سياسية مصرية، تحدثت مع "العربي الجديد"، فإن "حملة الشعب يريد تعديل المادة 140 من الدستور" ليست الوحيدة في هذا السياق، قائلة إن "هناك العديد من الحملات لها الهدف نفسه يجري في الوقت الراهن الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على هيكلها، وسيتم الإعلان عنها تباعاً عبر وسائل الإعلام". وأوضحت المصادر أن "السنة الأولى للولاية الثانية للسيسي ستكون عام التمهيد، وتهيئة الشارع للتعديل المرتقب، مع الدفع بعدد من المواد الأخرى في الدستور. و رجحت أن يأتي التعديل في السنة الثانية من ولاية الرئيس، وبالتحديد مع اقتراب انتهاء مدة مجلس النواب المقدرة بخمس سنوات بدأت في 2015. ووفقاً للمصادر فإن "المطروح على المواطن المصري، في ذلك السياق ستتنوع أشكاله، بين من يدعو لزيادة عدد سنوات مدة الولاية الوحدة، وزيادة عدد المدد المسموح بالترشح خلالها، ولكن الهدف النهائي هو فتح الباب بشكل عام أمام تعديل المادة 140". وقالت المصادر إنه "فترة ما قبل انتهاء مدة مجلس النواب هي الأنسب لتمرير تلك التعديلات، خصوصاً أن الغالبية العظمى من النواب ستسعى لتقديم فروض الولاء والطاعة لإعادة انتخابها مرة أخرى". مع العلم أن البرلمان المصري الحالي تم تشكيله عبر الأجهزة السيادية، وفي مقدمتها المخابرات العامة والمخابرات الحربية، والأمن الوطني. وأشرفت تلك الأجهزة على إدارة العملية الانتخابية منذ بدايتها، وهو ما كشفه أكثر من نائب وشخصية سياسية في تصريحات خلال الانتخابات.
ومنذ اليوم التالي لفوز السيسي بولاية ثانية، أخذت أصوات إعلامية شديدة القرب من دوائر صناعة القرار، وبالتحديد مدير جهاز المخابرات العامة الحالي اللواء عباس كامل، والمعروف إعلاميّاً بمحرّك الأذرع الإعلامية، ببدء عملية التمهيد لتعديل دستوري يشمل السماح للسيسي بالاستمرار في حكم البلاد، كان آخر تلك الأصوات، خالد صلاح رئيس تحرير موقع وصحيفة اليوم السابع، التابعة لمجموعة "إيجل كابيتال" المملوكة لجهاز المخابرات العامة. ودعا صلاح مطلع الأسبوع في مقال له للبدء في حوار مجتمعي من أجل تعديل عدد من مواد الدستور، قائلاً "الدستور المصري يحتاج لإعادة نظر بكل تأكيد، والمشرّعون البرلمانيون حالياً يعرفون ذلك عن ظهر قلب، وممارسو العمل العام والقيادات التنفيذية يعرفون كذلك أن بعض المواد خرجت بشغف وحماس، دون إدراك لأثرها السياسي والاقتصادي، أو مدى ملاءمتها للواقع في مصر". وأضاف الكاتب الصحافي، صاحب التاريخ الطويل في تغيير مواقفه وفقاً لاتجاهات ساكن قصر الاتحادية، "لا ينبغي أن نخجل من ذلك، أو يرهبنا رد الفعل إلى الحد الذي نلتزم فيه الصمت أمام استمرار نصوص لا تحقق المصلحة العليا للبلد، ولا ينبغي أن نؤجل الأمر أكثر من ذلك". واعتبر أن "تأخير طرح التفكير في التعديلات المطلوبة قد يؤدي إلى أزمات أعمق في المستقبل، قد لا نستطيع معها تصويب ما جرى، وتصحيح ما يجب تصحيحه. لا يوجد نص مقدس إلى الأبد إلا كتاب الله تعالى، وهناك من يعيد تفسير الأحكام في الإسلام لتتوافق مع المصالح المرسلة للمسلمين". واستطرد "ما الذي يجعل نصا وضعيا أكثر قداسة وغير قابل للتعديل أو التجديد؟ وما الذي يجعل خوفنا من "القيل والقال" سبباً في أن يستمر الارتباك والخطأ، ويتراجع الصواب والتصحيح؟ ما الذي يجعلنا نخشى الأشقياء من الناس".
في غضون ذلك، كشفت مصادر بوزارة العدل أن قطاع التشريع بالوزارة، بالتعاون مع وزارة الشؤون النيابية، يعكف على إعداد تصور بالمواد الدستورية المرشحة للتعديل، بناء على مطالبات النواب المؤيدين للسيسي من ناحية، وبناء على الصعوبات التي ظهرت للسلطة التنفيذية عند تطبيق بعض المواد من ناحية أخرى.
وأكدت المصادر الحكومية، في حديث مع "العربي الجديد"، أن أي تعديل دستوري لن يقتصر على مد فترة الرئاسة، بل سيمتد أيضاً لإزالة أي عوائق تحول دون ممارسته سلطة مباشرة على جميع سلطات ومرافق الدولة، وأبرزها السلطة القضائية. يُضاف إلى ذلك حذف بعض الضمانات التي يمنحها الدستور الحالي لوسائل الإعلام والصحافيين، وإعادة صياغة المواد المنظمة لميزانية الدولة بما يزيل القيود الدستورية لزيادة نصيب التعليم والصحة منها.
إلى ذلك، أشارت المصادر السياسية المطلعة في حزبي "مستقبل وطن" و"المؤتمر، المواليين للسيسي، التي تحدثت مع "العربي الجديد"، إلى أن بعض الأحزاب، وعلى رأسها "مستقبل وطن"، تحاول الآن العودة للشارع من خلال الإعلان عن تخصيص أكشاك لخدمة المواطنين في الأحياء الفقيرة، وتوظيف مئات الشباب المحليين لمساعدة النواب البرلمانيين، وإقامة دورات رياضية ومسابقات ثقافية ولحفظ القرآن الكريم، وغيرها من الفعاليات التي كادت تختفي في السنوات الأخيرة بسبب الضربات المتتالية التي تعرضت لها الجمعيات الأهلية ذات الاتجاه الإسلامي بصفة عامة والتابعة أو المتعاونة مع جماعة الإخوان بصفة خاصة. وتأتي التحركات الجديدة في إطار تعليمات حكومية بالعمل على ملء الفراغ الاجتماعي الذي خلفه البطش بتلك الجمعيات التي كانت الأقرب للمواطنين في المناطق المهمشة والريفية. وذكرت المصادر أن سعي "مستقبل وطن" وغيره من الأحزاب الداعمة للسيسي لأداء هذا الدور، بما يتوافق مع رغبات الدائرة الاستخباراتية-الرقابية المحيطة بالرئاسة، يأتي في إطار التنافس على قيادة الظهير السياسي المقرر إنشاؤه، لأن خلو تلك الأحزاب من الشخصيات السياسية الشهيرة أو ذات الباع في العمل العام أدى إلى ازدحام بين الراغبين في تولي المناصب القيادية مستقبلاً. وهو ما يستدعي بطبيعة الحال المنافسة الواقعة بينها، لا سيما أن بعض الأحزاب تعتقد أنها تملك رصيداً جماهيرياً أكبر من غيرها وبالتالي لا ترحب بالاندماج معها، مفضلة إقامة حوار جديد مع أحزاب صغيرة أخرى، ما تتداخل معه اعتبارات شخصية وعائلية وقبلية عدة، خصوصاً في محافظات الصعيد.