شكك مركز أبحاث إسرائيلي في قدرة مجلس التعاون الخليجي على البقاء، في أعقاب الحصار الذي تفرضه دول عربية بقيادة السعودية على قطر. وقال "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي إن الأزمة التي تعصف بالخليج حاليا ترسم ظلالا من الريبة على فكرة الوحدة الخليجية، مشككا في قدرة الوساطة الكويتية على إنها الخلاف الحالي.
وفي ورقة تقدير موقف نشرها اليوم الأربعاء، نوّه المركز إلى أن حل الأزمة يتطلب تدخلا مباشرا من الولايات المتحدة، بسبب طابع العلاقات الخاصة التي تربط واشنطن بأنظمة الحكم في الدول المحاصرة للدوحة. وأعاد معد الورقة، الباحث يوئيل جوزينسكي، إلى الأذهان حقيقة أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو "الذي منح الضوء الأخضر لكل من السعودية ودولة الإمارات العربية للعمل ضد قطر"، وذلك خلال زيارته الأخيرة للرياض.
وحذّرت الورقة من أن السقف العالي للمطالب الذي تقدمت بها دول المقاطعة لا يسهم فقط في وضع حد للأزمة الحالية "بل يخدم المصالح الإيرانية". ولاحظت الورقة غياب وحدة الموقف الأميركي، منوهة إلى أن إدارة ترامب تتحدث بصوتين، مستهجنة أنه في الوقت الذي يتبنى ترامب الاتهامات الموجهة لقطر بدعم "الإرهاب"، فإنه يسمح بالتوقيع معها على صفقة لتزويدها بطائرات نفاثة حديثة، إلى جانب تنظيم مناورات عسكرية مع القوات القطرية.
وتوقعت الورقة أنه في حال حافظت الإدارة الأميركية على نمط سلوكها الحالي، فإن الأزمة الخليجية ستتعاظم. ودعا المركز إدارة ترامب إلى زيادة دورها في محاولة العثور على حلّ دبلوماسي للأزمة، محذّراً من أنّ عدم تحرك واشنطن السريع والعاجل لحل الأزمة ينذر بانضمام المزيد من الدول لدائرة الصراع القائم في الخليج.
واقترح المركز على الإدارة الأميركية أن تحاول فرض صيغة حل تلبي المصالح الإسرائيلية أيضا. ويقترح المركز أن تخفض الدول المقاطعة سقف المطالب المقدمة للدوحة، مقابل التزامها بتقليص مستوى علاقاتها مع إيران ومع "حركات الإسلام السياسي في المنطقة، وضمنها حركة حماس". وأعاد إلى الأذهان حقيقة أنه على الرغم من أن الدول المحاصرة لقطر تدّعي أن ميل الدوحة لتدشين علاقات خاصة مع طهران يعد أحد الأسباب وراء الحملة على الدوحة، إلا أن هذه الدول في المقابل تتخذ سياسات تجاه طهران أكثر اعتدالا من السياسات التي اتخذتها ضد قطر أخيرا، وذلك بفعل عوامل جيواستراتيجية وديموغرافية.
وأعادت الورقة إلى الأذهان أنه على الرغم من بعض الإنجازات الاقتصادية اللافتة التي حققتها الدول الخليجية من خلال مظلة التعاون التي وفرها مجلس التعاون، إلا أنّها ظلت منقسمة تقريباً حول كل القضايا السياسية التي كانت تُطرح على جدول الأعمال الخليجي.
ورأى جوزينسكي أن المجلس لم يفشل فقط في التدليل على مكانته كمنصة تحقق الوحدة العربية، بل إن مجرد تدشينه وسّع مجالات الخلافات بين أعضائه، بسبب الاختلاف بين وجهات نظر دوله بشأن أهدافه ومبناه التنظيمي وأدواره. ونوه إلى أنه حتى عندما كان قادة الدول الخليجية يحرصون على إظهار التضامن والتعاطف مع بعضهم البعض، فإنّ هذا "التظاهر كان يخفي خلفه مصالح متضاربة وتنافسا، في الوقت الذي كان تحتدم فيه مشاعر انعدام الثقة بين القادة، غذّاها تنافس قبلي وخلافات على الحدود".
واستدركت الورقة أن المجلس تمكّن من مواءمة ذاته مع التحولات الإقليمية في ظل تباين مواقف دوله منها، منوها إلى أن المجلس نجح، أكثر من مرة، في احتواء الصراعات بين دوله. وحسب جوزينسكي، فإن البطء في اتخاذ القرارات الذي يتسم به المجلس والمرونة التي يبديها، مكّنت عددا من دوله من تبني سياسات تتباين مع الإجماع الخليجي. ويرى أن هذا الواقع تحديدا أسهم في إطالة عمر المجلس.
واعتبر أن تجربة مجلس التعاون الخليجي أكثر نجاحا من صيغ وحدوية أخرى خبرها العالم العربي، لاسيما "الجمهورية العربية المتحدة" عام 1958، و"اتحاد المغرب العربي" الذي دشن عام 1989. وقد وصف المركز الأزمة الحالية التي تعصف بالخليج بأنها "الأصعب" التي واجهها مجلس التعاون الخليجي منذ إنشائه عام 1981، حيث أعاد إلى الأذهان حقيقة أن تدشين المجلس مثل تعبيرا عن الرغبة في العثور على صيغة متفق عليها بين الدول الخليجية لضمان تعزيز الأمن الخليجي.
وأشارت الورقة إلى أن تشكيل المجلس جاء انسجاما مع "الطابع الملكي لأنظمة الحكم وارتباطاتها الدينية السنية وانتمائها العربي المشترك"، منوهة إلى أن ميثاق المجلس اعتبر تحقيق التكامل التام بين دول المجلس على رأس أولوياته.