"المنطقة الآمنة" أول الفائزين: تسريع وتوسيع جغرافي ووظيفي

25 نوفمبر 2015
من أهداف "المنطقة الآمنة" نقل اللاجئين السوريين إليها (الأناضول)
+ الخط -
عاد الحديث عن "المنطقة الآمنة" إلى الواجهة من جديد، أمس الثلاثاء، بعدما كشفت مصادر عربية على صلة بالقيادة التركية لـ"العربي الجديد"، أن "المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لإقامتها في شمال سورية، ستُطبّق خلال أيام". ربما لذلك كثّف النظام السوري، بدعمٍ جوي روسي، محاولاته لإحباط هذا المسعى، بالعمل على تحقيق السيطرة الميدانية في محيط هذه المنطقة، من جهة مطار كويرس شرقاً ومن جهة جبل التركمان في اللاذقية غرباً، فضلا عن استهدافها المستمر بالقصف الجوي الروسي. لكن الردّ التركي، الجدّي، على هذه المحاولات، تجلّى أمس، من خلال إسقاط أول طائرة روسية منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سورية، في 30 سبتمبر/أيلول الماضي. وأظهرت تركيا عن طريق إسقاطها طائرة "سوخوي 24" الروسية، بواسطة مقاتلاتها، مدى جدّيتها بفرض "المنطقة الآمنة".

وبدأت تركيا حراكها، بعد اطمئنانها إلى استقرار الوضع الداخلي سياسياً، لناحية تسمية رئيس البرلمان، يوم الأحد، ولجهة تشكيل حكومة بقيادة حزب "العدالة والتنمية"، أمس بما أن أي تنفيذ عملي للمنطقة الآمنة يتطلب طلباً من حكومة كاملة الصلاحيات (وليس حكومة تصريف أعمال) إلى البرلمان. ويُرجّح أن تشهد المنطقة مزيداً من التصعيد من قبل القوى الداعمة للنظام السوري، خصوصاً من جهة الروس عبر تحقيق تقدّم على حساب المعارضة في شمال وغرب سورية.

وتضع بوادر الصدام التركي الروسي في سورية، مشروع "المنطقة الآمنة"، أمام ثلاثة احتمالات، أضعفها هو تخلّي أنقرة عن المشروع بسبب التدخل الروسي، بينما أقواها أن يتم تسريع تنفيذ المشروع، وربما توسيع نطاقه الجغرافي ليصل إلى الحدود الجنوبية التركية مع محافظة اللاذقية السورية. ويعتبر احتمال أن تؤدي العملية التركية إلى إلغاء مشروع المنطقة الآمنة من الحسابات التركية، ضعيفاً قياساً بالظرف الدولي والظرف التركي الداخلي المناسب نسبياً لإنشاء هذه المنطقة، وقياساً بالإيجابيات الكبيرة التي تجنيها تركيا من وراء قيام المنطقة، سواء على صعيد الحدّ من تدفق اللاجئين وتأمين ملاذ آمن لهم، أو على صعيد تأمين منطقة للدعم اللوجستي للفصائل المسلحة المعارضة.

أما الاحتمال الثاني، فهو إسراع تركيا في خطوات إنشاء هذه المنطقة وتأمين الحماية الجوية لها، وفرضها كأمر واقع على الروس الذين يعارضون إنشاءها، وعلى الولايات المتحدة التي لم تُبدي حماساً حتى الآن لقيامها. وهو الاحتمال الذي يبدو أقرب للتطبيق قياساً بالظروف الحالية.

ويبدو أن هناك احتمالاً ثالثاً، ربما تلجأ إليه أنقرة، وهو توسيع "المنطقة الآمنة"، باتجاه الغرب لتشمل الشريط الحدودي الموازي حتى البحر المتوسط، خصوصاً بعد الاستهداف الكثيف لطيران النظام والطيران الروسي للقرى التركمانية في منطقة جبل التركمان في الساحل السوري. الأمر الذي يخلق ذريعة لدى أنقرة لتوسيع المنطقة، بدعوى حماية الأقليات التركمانية وحماية شريطها الحدودي من التوتر الحاصل من الجانب السوري.

أما النقطة التي من المتوقع أن تكون مثار جدل، فمتعلقة بما إذا كانت هذه المنطقة ستقتصر وظيفتها على استقبال اللاجئين مع الحكومة السورية المؤقتة لرعاية شؤون المواطنين السوريين فيها، أم ستكون أيضاً قاعدة خلفية لفصائل المعارضة السورية من ناحية التدريب والتخطيط، أو منطلقاً لشنّ هجمات ضد قوات النظام، وليس "داعش" فحسب.

في هذا الإطار، يقول اللواء السوري المنشق محمد الحاج في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "هذه المنطقة الممتدة من جرابلس على نهر الفرات إلى مدينة أعزاز، شمالي حلب، بطول يصل إلى 110 كيلومترات وعمق نحو 50 كيلومتراً، تأمل تركيا أن تحدّ من تدفّق اللاجئين السوريين إليها من ناحية، وقطع طريق التواصل الكردي بين عين العرب وعفرين، وحماية حدودها الجنوبية، بالتعاون مع بعض الفصائل المقرّبة من تركيا". ولم يستبعد الحاج أن "تمضي تركيا في خططها لإقامة هذه المنطقة، بعد التوصل إلى تفاهمات معينة مع روسيا، على الرغم من حادثة إسقاط الطائرة الروسية أمس".

ويلفت الحاج إلى أن "ما بين تركيا وروسيا مصالح كبيرة، ومن المستبعد أن تمضيا في طريق المواجهة حتى نهايته"، مرجّحاً أن "يتم التفاهم بينهما على بعض المسائل، على الرغم من إلغاء زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي كانت مقررة اليوم الأربعاء، إلى تركيا".

ويوضح أن "تركيا لا تستطيع المضي قدماً في مسألة المنطقة الآمنة، من دون غطاء واضح من حلف الأطلسي، التي هي عضو مؤسس فيه، لأنه بحسب الأنظمة المتبعة في الحلف، فإن الأخير مُلزمٌ بالدفاع عن أي دولة عضو فيه، في حال تعرّضت للاعتداء أو في حال أخذت موافقة الحلف مسبقاً على أي عمل تعتزم القيام به. أما في حال تصرّفت بمفردها فهو غير ملزم بمساندتها عسكرياً".

ويُعرب الحاج عن اعتقاده بأن "تركيا لن ترضى بأن تكون المنطقة الآمنة مقتصرة على الأعمال الإنسانية، خصوصاً أن القوى التي ستحميها على الأرض، هي من أهم الفصائل في الشمال السوري، التي تقاتل النظام اليوم، مثل حركة أحرار الشام والجبهة الشامية ولواء السلطان مراد".

اقرأ أيضاً: "#تركيا_تسقط_طيارة_روسيه": "توتر دبلوماسي" على مواقع التواصل أيضاً

ويلفت إلى أنه "في حال أُقيمت هذه المنطقة، فسوف يكون لها من الناحية العسكرية فوائد كثيرة لصالح المعارضة السياسية والعسكرية، وتسمح بتشكيل قاعدة عسكرية آمنة لفصائلها تستطيع أن تكون قاعدة تدريب وإمداد وحشد وانطلاق لمواجهة قوات النظام ومليشياته".

ويُعرب عن اعتقاده بأن "روسيا والنظام السوري لن يحترما هذه المنطقة أبداً، باعتبار أن السبب الرئيس لدخول الجيش الروسي إلى سورية هو قطع الطريق على تركيا لإقامتها. وهو ما سيجعل الأيام المقبلة حبلى بالتطورات على الرغم من التفاهمات المحتملة بين تركيا وروسيا، الهادفة إلى احتواء التصعيد العسكري بين هاتين القوتين الكبيرتين، اللتين تجمعهما مصالح اقتصادية كبيرة، فضلاً عن الحسابات الاستراتيجية التي تجعل كلا منهما في غنى عن أي تصعيد غير محمود العواقب".

وكانت مصادر رسمية تركية، قد كشفت أن إقامة "المنطقة الآمنة" باتت تحظى بدعم فرنسي كبير، مع إمكانية مشاركة فرنسا في تنفيذها بعد هجمات باريس الأخيرة (13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي)"، مشيرة إلى أن محادثات تجري لاستخدام فرنسا قواعد تركيا الجوية، في حين تقوم الولايات المتحدة بإرسال المزيد من الطائرات إلى قاعدة إنجرليك العسكرية. وطبقاً للمصادر التركية، فإن أنقرة لن تقوم بعمليات برية لفرض هذه المنطقة، بل ستقوم بعمليات دعم جوي ومدفعي مكثف لقوات المعارضة من أجل السيطرة على الأراضي المطلوبة لإقامتها.

وبحسب هذه المصادر، فإن هدف المنطقة، المقرّر الإعلان عنها في الأيام القليلة المقبلة، هو حماية اللاجئين السوريين الفارّين من الحرب، سواء من ممارسات نظام الرئيس السوري بشار الأسد أو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وستُعتبر المنطقة ملاذاً آمناً لجميع اللاجئين السوريين من كل المذاهب والأعراق، الأمر الذي يخفف عن تركيا تحمّل أعباء استقبال المزيد من اللاجئين مع إمكانية عودة البعض منهم الموجودين في تركيا، إلى هذه المنطقة، إذا ما توفّر عنصر الأمان وتوفّرت الخدمات الأساسية التي يحتاجون إليها في حياتهم اليومية.

ويرى مراقبون، أن تركيا التي لا تزال تعيش تحت "عقدة" عدم موافقة برلمانها على المشاركة في قوات التحالف الدولي في العراق، حيث ترك هذا البلد فريسة للتدخل الإيراني، لا تريد أن يتكرر الأمر نفسه مع سورية، ما يعزز الخلل الاستراتيجي القائم اليوم في المنطقة لصالح إيران، بعد فشل كل المحاولات التركية اللاحقة لتعويض خسارة العراق.

وبعد التدخل الروسي في سورية الذي فاجأ الجميع، تحديداً تركيا التي كانت تقيم حساباتها على أساس أن القضية السورية متروكة للدول الإقليمية، بات على تركيا الحسم في خياراتها الأساسية والتي تزداد كلفتها كما يبدو مع كل تأخير.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية تسقط مروحية للنظام في ريف اللاذقية

المساهمون