ينتظر مليونا فلسطيني في قطاع غزة، المحاصر منذ عشر سنوات، تحسن أوضاعهم، بعد الوعود المتكررة التي أطلقها قياديون شاركوا في حوارات مع السلطات المصرية أخيراً نتج عنها حديث مطول عن تسهيلات وانفراجات في الأزمات، وحل مشكلة السفر ومعبر رفح المغلق والمعبر التجاري.
وباتت الأوضاع الاقتصادية ومعها الاجتماعية والنفسية لسكان غزة المحاصرين، غاية في الصعوبة، وارتفعت نسبة البطالة لما يقارب 45 في المائة في مجتمع نسبة الشباب فيه مرتفعة، وبات الحصول فيه على وظيفة أقصى أمنية في ظل تخرج آلاف الشباب سنوياً من الجامعات، والذين يتم ضمهم قسراً لطوابير العاطلين عن العمل.
ويُعدّ الوضع في عيد الأضحى هذا العام، الأسوأ منذ فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع قبل أكثر من عشر سنوات، وفق مسؤولين محليين. ويقول هؤلاء إن الأوضاع الاقتصادية فرضت نفسها على سكان غزة الذين يعانون الأمرّين من حصار إسرائيلي، وإجراءات تقوم بها السلطة الفلسطينية، وإطباق حركة "حماس" السيطرة على القطاع، وإغلاق مصري لبوابتهم مع العالم الخارجي ما يؤدي لتقييد حريتهم.
ومنذ الحوار الذي أطلقه قائد حركة "حماس" الجديد في غزة يحيى السنوار مع السلطات المصرية وتيار القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، تسربت معلومات كثيرة عن انفراجات في الأوضاع المعيشية وحلول لأزمات الاقتصاد والكهرباء والمعبر المغلق. لكن السنوار، القادم من اعتقال لمدة 25 عاماً في سجون الاحتلال، أقر بأنّ مصر ستفتح المعبر على أوقات متقاربة وليس بشكل منتظم، عكس ما قاله القيادي البارز في "حماس" محمود الزهار الذي أعلن مراراً أنّ المعبر سيُفتح بشكل واسع عقب عيد الأضحى.
وكانت "حماس" منذ بداية التفاهمات، حريصة على ألا تعطي انطباعاً واسعاً بالأمل، عكس تيار دحلان الذي انبرى قياديوه إلى إعلان انفراجات متوقعة وقريبة. الحركة، وفق قياديين فيها، كانت تخشى من انتكاسة التفاهمات أو تعطّلها، وهو ما جرى فعلياً.
وبدأت مصر عقب اللقاءات ضخ كميات من السولار الصناعي والتجاري لقطاع غزة، لكن الكميات التي تصل إلى محطة توليد الكهرباء لا تفي بالغرض، ويتعطل توريدها في بعض الوقت نتيجة الظروف الأمنية في سيناء، إضافة إلى عدم قدرة السلطات في غزة على شراء كميات أكبر نتيجة ضعف التحصيل من المواطنين.
ولم تتحسن الكهرباء في غزة عقب ضخ الوقود المصري، ولا زال جدول التوزيع كما هو قبل الأزمة، وكلما تحسن يعود لوضعه الأول وأسوأ، إذ يصل للمواطنين 4 ساعات تغذية كهربائية كل 16 ساعة كمتوسط، خصوصاً مع تقليص سلطات الاحتلال الكهرباء الآتية إلى القطاع بناء على رفض السلطة الفلسطينية دفع ثمنه كما كانت في السابق.
أما معبر رفح، وهو البوابة الخارجية الأهم للسفر بالنسبة لأكثر من 95 في المائة من سكان غزة الممنوعين من السفر عبر حاجز بيت حانون (إيرز) شمالاً، والذي يفصل القطاع عن الأراضي المحتلة، فهو مغلق ولا دلائل على فتح قريب له، على الرغم من التبشير المتكرر من أنه سيعمل بشكل منتظم بعد عيد الأضحى. ويُعدّ المعبر، وفتحه بشكل أفضل، الدليل الذي تنتظره "حماس" وينتظره سكان غزة على صدق النوايا المصرية تجاه تخفيف الحصار. وسافر 5 في المائة فقط من المسجلين للسفر لدى وزارة الداخلية في القطاع خلال أيام فتح المعبر الأخيرة، وهو رقم صغير للغاية مقابل الحاجات الإنسانية المتزايدة للسكان.
وتُجري مصر أعمال صيانة في صالة المغادرين في المعبر، وأضافت مسجداً وفندقاً صغيراً فيه، لكن الصور التي نشرها حجاج غزة خلال خروجهم للديار الحجازية أظهرت أعمال الصيانة بشكل بدائي، إضافة إلى أنها بطيئة للغاية، وليست كما قيل بأنها تجري بوتيرة سريعة ومتطورة.
اقــرأ أيضاً
لكن بالنسبة للسكان المكتوين بنار الحصار والعوز والفقر، فإنّ استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، لن يكون بشرى خير وسيدفعهم للتفكير بحلول مختلفة، لأنّ الأزمات المستفحلة هذه المرة طاولت كل شيء في القطاع الساحلي، حتى أنّ كبار تجار القطاع، والذين لهم وضع مالي جيد، باتوا عرضة للسجن بسبب نقص السيولة لديهم وإرجاع شيكاتهم نتيجة قلة البيع والأزمات المتلاحقة، وهو ما جعل خبراء الاقتصاد يؤكدون أنّ "اقتصاد غزة دخل مرحلة الموت السريري فعلياً".
وبرز أخيراً إلى السطح تفكير "كتائب القسام"، الذراع العسكرية لحركة "حماس"، الذي نُقل على هيئة مقترح، بإحداث فراغين أمني وسياسي في القطاع. وعلى الرغم من محاولة البعض التقليل من أهمية المقترح، إلا أنّ الواقع يقول إن "حماس" قد تلجأ إلى مثل هذا الخيار إذا استمر التنكر للتفاهمات معها وبقي الوضع في غزة على ما هو عليه من صعوبة وقسوة.
ووسط السواد القاتم الذي يعيشه سكان غزة، ستبدأ إسرائيل في وقت قريب في بناء جدار على الحدود مع القطاع في محاولة لإنهاء ظاهرة الأنفاق وهو ما تطلق عليه "الجدار المضاد للأنفاق"، وهو ما يُخشى أنه سيقرب المواجهة العسكرية مع غزة. في دولة الاحتلال، يعرف السياسيون أنّ الأنفاق سلاح "حماس" الاستراتيجي في أي معركة مع غزة، ولذلك فإنّ تسارع عمليات البناء وتواجد الآلات الضخمة والعمال على الحدود لبناء الجدار تحت الأرض، سيدفع الحركة الإسلامية للتفكير في تغيير المعادلة. وتنبّه الإسرائيليون لذلك، فخصص جيش الاحتلال وحدات مقاتلة لحماية العمال والمهندسين الذين سيعملون على طول الحدود مع القطاع خلال الأسابيع المقبلة في بناء الجدار، بالإضافة لتنسيق مع وحدات المظليين وسلاح الجو تحسباً لأي طارئ.
ويراهن الإسرائيليون على حرب مقبلة، إذ إنّ السنوار، القيادي القوي في "حماس"، لن يسمح أنّ تنهار إحدى أهم منظومات المقاومة الدفاعية والهجومية من دون تحرك، وفق ما يقول إعلام الاحتلال. وكان السنوار قد قال في لقاء مع صحافيين أخيراً، إن المقاومة جهزت نفسها جيداً للمعركة، وإنها لا تريد الحرب، لكنها جاهزة للتعامل مع أي معطيات على أرض الواقع بشكل سريع. غير أنّ خيار الحرب بالنسبة لـ"حماس" التي باتت تعاني من غياب الظهير العربي لها، صعب ومكلف، وتحاول تحاشيه، لكن تسارع العمل في الجدار قد يدفع إلى ما لا تريده وما لا يريده سكان غزة، الذين لم ينسوا بعد حرب الـ51 يوماً التي ضربت صيف العام 2014.
اقــرأ أيضاً
وباتت الأوضاع الاقتصادية ومعها الاجتماعية والنفسية لسكان غزة المحاصرين، غاية في الصعوبة، وارتفعت نسبة البطالة لما يقارب 45 في المائة في مجتمع نسبة الشباب فيه مرتفعة، وبات الحصول فيه على وظيفة أقصى أمنية في ظل تخرج آلاف الشباب سنوياً من الجامعات، والذين يتم ضمهم قسراً لطوابير العاطلين عن العمل.
ويُعدّ الوضع في عيد الأضحى هذا العام، الأسوأ منذ فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع قبل أكثر من عشر سنوات، وفق مسؤولين محليين. ويقول هؤلاء إن الأوضاع الاقتصادية فرضت نفسها على سكان غزة الذين يعانون الأمرّين من حصار إسرائيلي، وإجراءات تقوم بها السلطة الفلسطينية، وإطباق حركة "حماس" السيطرة على القطاع، وإغلاق مصري لبوابتهم مع العالم الخارجي ما يؤدي لتقييد حريتهم.
وكانت "حماس" منذ بداية التفاهمات، حريصة على ألا تعطي انطباعاً واسعاً بالأمل، عكس تيار دحلان الذي انبرى قياديوه إلى إعلان انفراجات متوقعة وقريبة. الحركة، وفق قياديين فيها، كانت تخشى من انتكاسة التفاهمات أو تعطّلها، وهو ما جرى فعلياً.
وبدأت مصر عقب اللقاءات ضخ كميات من السولار الصناعي والتجاري لقطاع غزة، لكن الكميات التي تصل إلى محطة توليد الكهرباء لا تفي بالغرض، ويتعطل توريدها في بعض الوقت نتيجة الظروف الأمنية في سيناء، إضافة إلى عدم قدرة السلطات في غزة على شراء كميات أكبر نتيجة ضعف التحصيل من المواطنين.
ولم تتحسن الكهرباء في غزة عقب ضخ الوقود المصري، ولا زال جدول التوزيع كما هو قبل الأزمة، وكلما تحسن يعود لوضعه الأول وأسوأ، إذ يصل للمواطنين 4 ساعات تغذية كهربائية كل 16 ساعة كمتوسط، خصوصاً مع تقليص سلطات الاحتلال الكهرباء الآتية إلى القطاع بناء على رفض السلطة الفلسطينية دفع ثمنه كما كانت في السابق.
أما معبر رفح، وهو البوابة الخارجية الأهم للسفر بالنسبة لأكثر من 95 في المائة من سكان غزة الممنوعين من السفر عبر حاجز بيت حانون (إيرز) شمالاً، والذي يفصل القطاع عن الأراضي المحتلة، فهو مغلق ولا دلائل على فتح قريب له، على الرغم من التبشير المتكرر من أنه سيعمل بشكل منتظم بعد عيد الأضحى. ويُعدّ المعبر، وفتحه بشكل أفضل، الدليل الذي تنتظره "حماس" وينتظره سكان غزة على صدق النوايا المصرية تجاه تخفيف الحصار. وسافر 5 في المائة فقط من المسجلين للسفر لدى وزارة الداخلية في القطاع خلال أيام فتح المعبر الأخيرة، وهو رقم صغير للغاية مقابل الحاجات الإنسانية المتزايدة للسكان.
وتُجري مصر أعمال صيانة في صالة المغادرين في المعبر، وأضافت مسجداً وفندقاً صغيراً فيه، لكن الصور التي نشرها حجاج غزة خلال خروجهم للديار الحجازية أظهرت أعمال الصيانة بشكل بدائي، إضافة إلى أنها بطيئة للغاية، وليست كما قيل بأنها تجري بوتيرة سريعة ومتطورة.
لكن بالنسبة للسكان المكتوين بنار الحصار والعوز والفقر، فإنّ استمرار الوضع الحالي على ما هو عليه، لن يكون بشرى خير وسيدفعهم للتفكير بحلول مختلفة، لأنّ الأزمات المستفحلة هذه المرة طاولت كل شيء في القطاع الساحلي، حتى أنّ كبار تجار القطاع، والذين لهم وضع مالي جيد، باتوا عرضة للسجن بسبب نقص السيولة لديهم وإرجاع شيكاتهم نتيجة قلة البيع والأزمات المتلاحقة، وهو ما جعل خبراء الاقتصاد يؤكدون أنّ "اقتصاد غزة دخل مرحلة الموت السريري فعلياً".
ووسط السواد القاتم الذي يعيشه سكان غزة، ستبدأ إسرائيل في وقت قريب في بناء جدار على الحدود مع القطاع في محاولة لإنهاء ظاهرة الأنفاق وهو ما تطلق عليه "الجدار المضاد للأنفاق"، وهو ما يُخشى أنه سيقرب المواجهة العسكرية مع غزة. في دولة الاحتلال، يعرف السياسيون أنّ الأنفاق سلاح "حماس" الاستراتيجي في أي معركة مع غزة، ولذلك فإنّ تسارع عمليات البناء وتواجد الآلات الضخمة والعمال على الحدود لبناء الجدار تحت الأرض، سيدفع الحركة الإسلامية للتفكير في تغيير المعادلة. وتنبّه الإسرائيليون لذلك، فخصص جيش الاحتلال وحدات مقاتلة لحماية العمال والمهندسين الذين سيعملون على طول الحدود مع القطاع خلال الأسابيع المقبلة في بناء الجدار، بالإضافة لتنسيق مع وحدات المظليين وسلاح الجو تحسباً لأي طارئ.
ويراهن الإسرائيليون على حرب مقبلة، إذ إنّ السنوار، القيادي القوي في "حماس"، لن يسمح أنّ تنهار إحدى أهم منظومات المقاومة الدفاعية والهجومية من دون تحرك، وفق ما يقول إعلام الاحتلال. وكان السنوار قد قال في لقاء مع صحافيين أخيراً، إن المقاومة جهزت نفسها جيداً للمعركة، وإنها لا تريد الحرب، لكنها جاهزة للتعامل مع أي معطيات على أرض الواقع بشكل سريع. غير أنّ خيار الحرب بالنسبة لـ"حماس" التي باتت تعاني من غياب الظهير العربي لها، صعب ومكلف، وتحاول تحاشيه، لكن تسارع العمل في الجدار قد يدفع إلى ما لا تريده وما لا يريده سكان غزة، الذين لم ينسوا بعد حرب الـ51 يوماً التي ضربت صيف العام 2014.