لبنان: عودة النظام الأمني

07 أكتوبر 2015
ترتفع حدة قبضة الأجهزة الأمنية تدريجياً (حسين بيضون)
+ الخط -
لم يكن لبنان يوماً دولة أمنيّة بالشكل الذي ساد في المحيط العربي، لكن أجهزتها الأمنية حملت دوماً هذا الإرث، وطمحت لأن تؤدي هذا الدور. ولطالما عملت هذه الأجهزة على صناعة صورة "البطل" لرئيس الجهاز. استفادت من علاقات واسعة مع الصحافيين، ومع المجتمع السياسي والمالي، وهي الوصفة التي تستخدمها جميع الأجهزة الأمنية التي تنهج هذا النهج.

يحفظ اللبنانيون سير هذه الأجهزة ورؤسائها في لحظات التجلي الأمني (بمعناه القمعي). من المكتب الثاني إلى الضباط الأربعة وقائدهم اللواء جميل السيّد، مروراً بأجهزة أمن المليشيات التي حكمت البلاد خلال فترة الحرب، ولم تتخل عن الكثير في فترة السلم.

ساد الظن، بعد انتهاء مرحلة الاحتلال السوري، والتي كانت تُعدّ جنة بالنسبة للجهاز الأمني اللبناني ــ السوري، أنّ النظام الأمني انتهى. لكن الضربة التي تعرّض لها هذا النظام الأمني لم تكن قاتلة، لأن النظام لم يتغيّر. أُضعفت أجهزة أمنية لصالح أجهزة أمنية أخرى، التي تصرفت بذكاء أكبر، من دون أن يعني هذا الأمر أن تكون الأولوية لاحترام القانون.

لكن، منذ انطلاق الثورة السورية، وتعرّض اللواء وسام الحسن للاغتيال، وهو الذي كان أهم رجل أمني رسمي في البلاد بعد انسحاب الجيش السوري، عادت الأجهزة الأمنيّة للعب في الساحة التي بدأت تهيأ تدريجياً. فالانسحاب السياسي، لصالح الأمني، في إدارة ملف اللاجئين السوريين، سمح لجهاز الأمن العام اللبناني بأن يستعيد الكثير مما خسره بعد انسحاب الجيش السوري، وسجن رئيس هذا الجهاز لسنوات بتهمة التورط باغتيال الرئيس رفيق الحريري. كما استفاد الأمن العام من اغتيال الحسن، عبر استعادة دورٍ أساسي في التنسيق مع الأجهزة الأمنية الغربية لكشف "الخلايا الإرهابية" بعدما كانت هذه المعلومات تصب بمعظمها لدى فرع المعلومات. واستفاد أكثر من انقطاع التواصل الرسمي مع النظام السوري، فلعب مدير عام الأمن العام عباس إبراهيم هذا الدور، واستطاع الأمن العام من تحقيق نتائج جيدة على صعيد "مكافحة الإرهاب". لكن الدور الأكبر له، هو في مواجهة أي عمليّة "هجرة" للاجئين السوريين من لبنان إلى أوروبا. كل هذا، خلق حصانة للأمن العام، تُضاف لدوره كـ"شرطي الأخلاق" الذي يقرر ما هو ممنوع على اللبنانيين من قراءات وأفلام ومسرحيات.

جاء توقيف ميشال الدويهي وإحالته إلى القضاء بتهم جنائيّة، يصل الحكم فيها لسنوات ثلاث، بسبب انتقاده للأمن العام عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، وتزامن هذا الأمر مع توزيع صور لإبراهيم في شوارع بيروت بعد لقاء مع البابا فرنسيس. في هذا الوقت، كانت رقابة الأمن العام على الصحافيين والناشطين تزداد. يبدو أن زمن النظام الأمني، يعود... وبقوة.
دلالات