معارضون مصريون: تعديلات الدستور تُهدّد كيان الدولة والأحزاب مُحاصرة

27 مارس 2019
الداخلية رفضت طلب الحركة المدنية تنظيم مظاهرة غداً(فرانس برس)
+ الخط -
أرسلت وزارة الداخلية المصرية ردّاً إلى الأحزاب المنضوية تحت لواء "الحركة المدنية الديمقراطية"، اليوم الأربعاء، تخطرها فيه برفضها الطلب المقدم منها بتنظيم وقفة احتجاجية، ظهر غد الخميس، أمام مقرّ مجلس النواب، للإعلان عن رفضها التعديلات الدستورية، وللمطالبة بوقف حملات القبض والاعتقال على المعارضين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين على ذمة قضايا تتعلق بالاعتراض على الدستور.

وألغى قاضي الأمور الوقتية بمحكمة القاهرة للأمور المستعجلة، المستشار علي شرف الدين، الوقفة الاحتجاجية، مستنداً في قراره إلى "تهديدها للأمن العام والسلم، وفق ما ورد بطلب مساعد وزير الداخلية لشؤون أمن القاهرة لإلغائها"، و"مخالفة قرار محافظ القاهرة بتحديد المنطقة الجنوبية لحديقة الفسطاط كمنطقة تباح فيها التظاهرات السلمية والاجتماعات العامة والمواكب".

وحسب القرار، فإن "هناك إمكانية لاندساس العناصر الإرهابية ضمن التظاهرة، مستهدفة العناصر الأمنية التي تتولى تأمين الوقفة، أو اندساس العناصر التي تعمل ضد الدولة خلال التظاهرة، واعتدائها على المشاركين في الوقفة، حتى توحي للرأي العام بأن أجهزة الأمن هي التي تعتدي على المشاركين، بمخالفة للحقيقة، وهو ما يؤثر على السلم والأمن العام".
إلى ذلك، قال المتحدث باسم "الحركة المدنية" مجدي عبد الحميد، إن "زيادة مدد الرئاسة في التعديلات المطروحة أمام البرلمان (محظورة) بموجب المادة (226) من الدستور"، مشدداً على رفض الحركة للتعديلات برمتها، خصوصاً المتعلقة منها بزيادة مدة الرئاسة إلى 6 سنوات، وضمان حفاظ القوات المسلحة على "مدنية الدولة"، وتولي رئيس الجمهورية رئاسة المجلس الأعلى للهيئات القضائية.

وأضاف عبد الحميد، في مؤتمر صحافي للحركة، أنها ترفض التعديلات الدستورية كاملة منذ اليوم الأول لطرحها في البرلمان، لأنها تُهدد كيان الدولة المصرية، مشيراً إلى أنها "تتبع سياسة النفس الطويل، وترى ضرورة إجراء حوار وطني حقيقي حول التعديلات، شريطة أن يكون مرهوناً بتجميد حالة الطوارئ، والإفراج عن المحتجزين، وإعطاء مساحات متساوية للمعارضين للدستور".

ودعا عبد الحميد إلى تمكين الشعب المصري من الحوار السلمي حول الدستور، ووضع ضمانات لنزاهة الاستفتاء الشعبي المرتقب على التعديلات، وعدم تدخل الدولة (النظام) في عملية التصويت، لافتاً إلى أن الدولة خيبت آمالهم، ولم تترك لهم سبيلاً سوى رفض التعديلات الرامية لهدم الدولة المدنية، والتي تجرى في طقوس تغيب عنها النزاهة.

من جهته، قال رئيس الحزب المصري الديمقراطي، فريد زهران، إنه تلقى دعوة لحضور جلسة الحوار المجتمعي الرابعة لمجلس النواب حول تعديلات الدستور، مستطرداً "الدعوة تضمنت مشاركة نحو مائتين من رؤساء وقيادات الأحزاب والقوى السياسية... كيف يمكن أن يكون هناك حوار في جلسة مدتها ساعتان أو ثلاث ساعات، وأن يتحدث خلالها مائتا شخص".

وأضاف زهران: "سأحضر جلسة الحوار على الرغم من كونها إجراءً شكلياً، لأن الحركة ستستجيب لأي دعوة للحوار والتواصل، لكن كل المؤشرات تقول إن الأطراف الأخرى لا تريد حواراً حقيقياً، بل تريد إجراءات شكلية.. والمناخ العام يشهد تضييقاً لا مثيل له، فهناك حالة الطوارئ المعلنة، ولدينا سجناء للرأي، وغياب تام للمعارضة في الإعلام".


وتابع: "من الصعب القيام بأي حوار مجتمعي في هذا المناخ، والأحزاب المدنية مُحاصرة، وليست لديها أي أدوات للتواصل مع الإعلام، وذلك يخلق حالة من الإحباط لدى الشباب... وأدعو الشباب المحبط إلى الانضمام إلينا في المعركة، بالأدوات المتاحة لنا، من توقيع على عريضة رفض التعديلات التي نجحنا في جمع عشرات الآلاف من التواقيع عليها، والتصويت برفض تعديلات الدستور".

من جهته، قال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، مدحت الزاهد، إن "الحركة المدنية الديمقراطية رفضت من حيث المبدأ العبث بدستور البلاد، لأن الأولوية لتفعيل مواد الدستور، عوضاً عن تعديله"، متابعاً "الدستور في كثير من جوانبه كان معطلاً بحكم فرض حالة الطوارئ".

وقال رئيس حزب الكرامة، محمد سامي، إن "الدستور لم يكتب بليل كما يُشاع، أو تحت تأثير تيارات بعينها، بل إن لجنة العشرة التي أعدت مسودة الدستور الحالي، هي التي أوصت بإلغاء مجلس الشورى (الغرفة الثانية للبرلمان)، والاكتفاء بمدة أربع سنوات لفترة الرئاسة، وكان رئيس مجلس النواب الحالي، علي عبد العال، أحد أعضاء تلك اللجنة".

وأضاف سامي أن "لجنة الخمسين التي وضعت دستور 2014 عقدت جلسات استماع لجميع فئات المجتمع، وأدارت حواراً وطنياً واسعاً أثناء كتابة الدستور"، مستدركاً "التعديلات المطروحة حالياً تسمح للرئيس الحالي بالبقاء في الحكم حتى يبلغ سنه 80 عاماً، هل هو على استعداد لأن يعيش ما يعايشه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الآن!".

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، مصطفى كامل السيد، إن "التعديلات الدستورية تقدم في وسائل الإعلام باعتبارها لصالح تمثيل المرأة في مجلس النواب، ولكنها في الحقيقة تستهدف على وجه أخص مدة بقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي في موقعه، والتوسع في اختصاصاته، فضلاً عن تدخل المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية، والمساس باستقلال القضاء".



جلسة الحوار المجتمعي

وخلال جلسة الحوار المجتمعي، التي خصصها مجلس النواب للقوى السياسية، أعلن عدد من رؤساء الأحزاب المصرية رفضهم للتعديلات الدستورية، مسجلين اعتراضهم على مد فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، وكذلك استمرار الرئيس عبد الفتاح السيسي في الحكم حتى عام 2034، وتوليه رئاسة المجلس الأعلى للهيئات القضائية، وفق التعديلات.

وقال رئيس الحزب المصري الديمقراطي إن نواب البرلمان لا يملكون حق إدخال مثل هذه التعديلات على الدستور، والتي تتطلب تشكيل سلطة تأسيسية تعبر عن المجتمع بكل مكوناته، متابعاً "أياً كانت أغلبية البرلمان، فهي لا تملك هذا الحق، لأن تعديل الدستور يعبر عن لحظة سياسية معينة، من دون اعتبار لمنطق الأغلبية والأقلية".


وأضاف زهران: "التعديلات مست جوهر الدستور، كونها أعطت الحق لرئيس الجمهورية لرئاسة المجلس الأعلى للقضاء، وتعيين رؤساء الهيئات القضائية، بما يشكل إهداراً لمبدأ الفصل بين السلطات، ويتعارض مع مقومات الدستور الأساسية"، مستطرداً "التعديلات خالفت المادة (226) من الدستور مرتين، الأول بمد فترة د الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، والثانية بوضع نص انتقالي لشخص بعينه، لأول مرة في تاريخ مصر".

وتابع: "تخصيص كوتة المرأة بواقع ربع مقاعد مجلس النواب، يتعارض مع المادة الدستورية المتعلقة بالحق في اختيار النظام الانتخابي، لأنه يدفع المشرع لاختيار نظام القائمة المطلقة (المغلقة)، ويحرمه من اختيار نظام انتخابي آخر، بحجة ضمان نسبة المرأة، فضلاً عن تعارضه مع مبدأ عدم التمييز بين المواطنين، الذي نص عليه الدستور في المادة (53) منه".

وتساءل زهران: "هل يمكن إدارة حوار مجتمعي في ظل الحظر الإعلامي على معارضي التعديلات الدستورية، والتضييق على المجال العام... لا يوجد حوار مجتمعي حقيقي، والحركة المدنية (تكتل يجمع أحزاباً معارضة) حريصة على المشاركة في العملية السياسية، وتطالب بتجميد حالة الطوارئ، والإفراج عن كل المحبوسين في قضايا الرأي، وتوفير مناخ ديمقراطي من شأنه الرقابة على عملية الاستفتاء، من دون ضغوط أو حشد من الدولة لتزييف إرادة المصريين".

بدوره، قال رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، إن جلسات "الحوار المجتمعي" تهدف إلى إضفاء شرعية على التعديلات الدستورية، وإشغال الساحة السياسية حول المواد المطروحة للتعديل، مشيراً إلى حرصه على مشاركة المصريين في الاستفتاء على الدستور، ويقر في ذاته بصحة إجراءات تعديل الدستور حسب الدستور واللائحة من حيث الشكل.

ودعا السادات إلى توسيع دائرة مشاركة المواطنين المخاطبين في النقاشات التي تدور حول تعديلات الدستور، لأن أغلبهم في المنازل لا يعرفون الكثير عن المواد المطروحة للتعديل، في ظل مصادرة وسائل الإعلام على حق معارضي التعديلات في إبداء وجهات نظرهم، وقصر الظهور الإعلامي على المؤيدين لها.

وتساءل: "ما هي الضرورات الملحة التي دعت إلى طلب تعديل الدستور، وفلسفة التعديل، في ظل وجود تحديدات اقتصادية مستمرة؟"، مبيناً أن تجميل التعديلات ببعض المكاسب مثل عودة مجلس الشيوخ، أو تخصيص "كوتة" للمرأة، لن يجد نفعاً، لأن الأصل هو وضع نظام انتخابي يضمن تفعيل دور الأحزاب، وليس التمهيد لقوائم مغلقة لا تخلق نواباً يستطيعون ممارسة دورهم الحقيقي".

وتابع: "هذه التعديلات تذكرنا بتعديلات عام 1980، والتي مثلت سبباً في بقاء الرئيس المخلوع حسني مبارك في السلطة لمدة ثلاثين عاماً، والرئيس السيسي نفسه قال إنه يحترم الدستور، ويحترم المدد الرئاسية، ولن يترشح بعد انتهاء ولايته الحالية... كما أن رئيس مجلس النواب قال إن موضوع مدد الرئاسة مقطوع به، ولن يتم إدخال تعديلات عليه، وهو مثبت في مضابط المجلس (البرلمان)".

وأبدى السادات تخوّفه من تغول السلطة التنفيذية على القضائية بموجب التعديلات، قائلاً "يجب أن يطلع نواب البرلمان على بعض المذكرات الداخلية التي صدرت عن نوادي القضاة، ويرفضون في طياتها التعديلات الواردة على مواد القضاء، لأنهم أدرى بشؤونهم"، مختتماً "الحفاظ على مدنية الدولة هو من المهام الضمنية للجيش، ولا يحتاج إلى نص في الدستور... وهو ما يؤكده ما حدث في عامي 2011 و2013 من انحياز المؤسسة العسكرية للإرادة الشعبية"، على حد تعبيره.

وقال رئيس حزب تيار الكرامة، محمد سامي، إن تعديل الدستور جاء لإضافة 12 عاماً إلى ولاية الرئيس الحالي، حتى يظل على كرسيه حتى عام 2034"، مستطرداً "كان من المقبول زيادة ولاية الرئيس السيسي في الحكم لعامين أو أربعة أعوام إضافية، حتى يكمل الخطط التي يسعى إلى تنفيذها، ولكن ليس منحه حق الترشح لولايتين ثالثة ورابعة!".

وأضاف سامي: "القضاء هو الملاذ من عسف السلطة التنفيذية، وأذكر أن قاضياً مسيحياً لم يعتد بوصف الرئيس الراحل أنور السادات لأحداث عام 1977 بأنها (انتفاضة حرامية)، وقضى ببراءة جميع المتهمين في هذه الأحداث... ويجب ضمان كفالة الحد الأدنى من الاستقلال لمؤسسة القضاء، حيث إن النائب العام هو محام الشعب، ويجب أن يكون من اختيار السلطات القضائية، وليس بقرار من رئيس الدولة، حتى لا يكون ولاؤه للأخير".

وتابع: "القاضي هو الحصن الأخير للدولة، والحديث عن اختيار القضاة بطريقة تفضيلية من جهة رئاسية يجعل هناك اختلالاً في النزاهة، أو شكوكاً حولها... ولا جدال أن مصر في حاجة إلى مجلس للشيوخ، كغرفة تشريعية أخرى للمراقبة على الحكومة، ولكن السؤال: هل هذا هو التوقيت الأنسب لهذا المجلس، في ظل ما تعانيه موازنة الدولة من مشكلات جمة".

وسجل رئيس حزب التحالف الشعبي، اعتراضه على مبدأ تعديل الدستور، على اعتبار أن توازن السلطات هو الضمانة الأهم لتطور المجتمع، وزيادة قدرته على التنمية، ومواجهة الإرهاب"، مستدركاً "نحن لا نقلل من قدر الرئيس أو غيره، ولكن يجب وضع ضمانات تحقق التوازن في عمل مؤسسات الدولة، بحيث يكون رئيس الجمهورية حكماً بين السلطات، وليس رئيساً لكل السلطات!".

من جهته، أبدى ممثل حزب "النور" السلفي، طلعت مرزوق، اعتراضه على الفقرة الأولى من المادة (200) من التعديلات المطروحة، قائلاً "من الصحيح أن الدستور يقرأ كوحدة واحدة، ولكنه نص في ديباجته على مدنية الحكومة، والتي تعني بالضرورة مدنية الدولة... فلماذا النص على ضمان المؤسسة العسكرية لمدنية الدولة في تعديلات الدستور، وفتح باب الاجتهادات حول تفسيرها".

وقال مرزوق: "الملزم هو التفسير المعتمد من المحكمة الدستورية العليا، ونحن نرفض الدولة الدينية بمفهومها الغربي، وكذلك العسكرية، ولكن نتخوف من تفسير لفظة المدنية على أنها علمانية الدولة"، مستطرداً "لماذا نترك للقاضي الدستوري كل هذه الحيرة؟، ونترك للأجيال القادمة معان ملتبسة ومتعددة... والحزب يرى حذف مدنية الدولة من هذه المادة".

المساهمون