الاتفاق الأميركي-الروسي في الجنوب السوري: هكذا وُلد وهذه احتمالاته

16 يوليو 2017
يتضمن الاتفاق تسليم معبر نصيب للنظام السوري (صلاح ملكاوي/الأناضول)
+ الخط -
أصبح الجنوب السوري عنواناً لمعركة نفوذ حاسمة بين لاعبين محليين وإقليميين ودوليين، في ظل سباق عسكري على مساحة سورية لانتزاع الأراضي، وفرض أمر واقع على أي تسوية سياسية قد تلوح في الأفق. الأيام والأسابيع المقبلة ستختبر، ليس فقط مدى قدرة واشنطن وموسكو على التوافق في سورية، بل أيضاً نفوذ الأردن في الجبهة الجنوبية. بعد شهرين من التفاوض السري في عمّان، توصلت أميركا وروسيا إلى اتفاق هدنة في جنوب غرب سورية، كان المحرك الرئيسي له الهواجس الأردنية - الإسرائيلية من انتشار المليشيات التي تدعمها إيران في المناطق المحاذية للجولان المحتل وقرب الحدود الأردنية. يأتي هذا الاتفاق بعد أشهر سورية صعبة مرت فيها السياسة الأردنية، مع سيطرة "جيش خالد بن الوليد"، الذي يبايع تنظيم "داعش"، على حوض اليرموك في فبراير/ شباط الماضي، وتوسيع المليشيات المدعومة من إيران لأنشطتها العسكرية في الجنوب السوري. بعد زيارة الملك الأردني، عبدالله الثاني، إلى واشنطن في إبريل/ نيسان الماضي، بدأت الاجتماعات السرية الروسية الأميركية في عمّان، على وقع تصعيد المواقف مع النظام السوري الذي شعر أنه خارج هذه الصفقة، وبالتالي سوّق لفكرة أن هناك اجتياحاً أردنياً - أميركياً وشيكاً لتبرير تحركاته العسكرية في الجنوب السوري. مع كل شكوك النظام السوري حيال دور عمّان في النزاع السوري، فإن مزاج النخب السياسية والعسكرية الأردنية يبقى ضد التورط العسكري المباشر في الحرب السورية.

ومع تقدم المحادثات الروسية - الأميركية، نجحت موسكو في استيعاب هذا التصعيد، وبدأت ملامح هذه التسوية الثلاثية التي تزعج كلاً من النظام السوري والمعارضة، إذ اعتبرا أنها تعارض المصالح السورية وأنها بداية لتقسيم بلدهما. عناصر هذه التسوية هي وقف الطلعات الجوية الروسية والسورية فوق جنوب سورية مقابل إبعاد المليشيات المدعومة من إيران نحو 40 كيلومتراً عن الحدود الأردنية. وفي حال صمدت هذه الهدنة، فإن هناك خطوات متوقعة من عمّان، لا سيما ضمان مشاركة "الجبهة الجنوبية" في محادثات أستانة وتسليم معبر نصيب الحدودي للنظام السوري وتسهيل مصالحات بين المعارضة المسلحة والنظام.

تحديات تنفيذ اتفاق الهدنة

من الناحية العملية، الهدنة مشروع تراقب تنفيذه الدول الراعية الثلاث، عبر مركز سيتم إنشاؤه في عمّان مع مراقبين على الأرض وكذلك صور تلتقطها الأقمار الاصطناعية والطائرات من دون طيار. التسرع في إعلان الاتفاق أثناء اللقاء بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، قبل الانتهاء من كل التفاصيل، يجعل هذه الهدنة هشة. فعلى الرغم من أنه تم وقف الطلعات الجوية فوق جنوب سورية، استمرت محاولات الاستيلاء على مناطق في درعا، لا سيما من قبل النظام السوري. ويعود هذا الأمر إلى أن الاتفاق يقتصر على مناطق وقف إطلاق النار التي تمتد من القنيطرة عبر درعا والسويداء وصولاً إلى التنف على طريق دمشق بغداد، لكن الاتفاق لا يزال يحتاج إلى التشاور حول ترسيم حدود انتشار كل من المعارضة والنظام. الأمر الثاني الذي يحتاج إلى توضيح هو إمكانية انتشار الشرطة الروسية في ظل وجود تحفظات أميركية وإسرائيلية، على ما يبدو.



وإذا صمدت الهدنة وتطورت قواعدها، فقد تواجه عمّان تحديات في تنفيذ التزاماتها في الاتفاق الأميركي - الروسي. "الجبهة الجنوبية" رفضت حضور الجولة الأخيرة من محادثات أستانة، وأعلنت أنها غير ملتزمة بقراراتها. الخلافات تتوسع بين فصائل الجبهتين الجنوبية والشمالية، وقد أصدرت الأخيرة بياناً اعتبرت فيه أن هذا "الاتفاق السري" يقر بالنفوذ الإيراني خارج مناطق الهدنة، كما رفضت اقتراح تسليم معبر نصيب للنظام السوري. ولا تبدو فصائل "الجبهة الجنوبية" متحمسة لفكرة السلطات الأردنية تركيز الجهود على "جيش خالد بن وليد" بدل صد هجمات النظام السوري في درعا. وليس واضحاً ما إذا كانت فصائل "الجيش الحر" وقوات النظام ستوافق على التعاون المشترك، أو ما إذا كانت إيران ستقبل بالنفوذ الأردني - الأميركي في الجنوب مقابل شرعنة خط الإمداد من طهران إلى بيروت. فالسلطات الأردنية تصعّد لهجتها ضد إيران، في وقت تترك فيه طهران موقفها مبهماً، وتشير إلى أنها غير مُلزمة باتفاق ليست طرفاً فيه.

الأردن ولحظة الحقيقة في سورية

منذ التدخل العسكري الروسي، في سبتمبر/ أيلول 2015، أعادت عمّان صياغة سياستها السورية لضمان استقرار الجبهة الجنوبية. ويحاول الأردن قدر الإمكان استيعاب التناقضات السورية. تجد في عمّان مركز العمليات العسكرية "الموك"، الذي تقوده الولايات المتحدة، كما أن هناك مركزاً مشتركاً مع موسكو لتنسيق عمليات مكافحة الإرهاب. علاقة الأردن متينة مع "جيش أحرار العشائر" لكن قياداتها العسكرية فتحت خطوط تواصل مع النظام السوري منذ نهاية العام الماضي على الأقل. من هذا المنطلق فإن الاتفاق الروسي - الأميركي يعيد الحياة إلى هذه السياسة الأردنية البالغة التعقيد في جوار يزداد خطورة. انتظرت السلطات الأردنية سنوات لترى فكرة المنطقة العازلة تبصر النور، وهذه الهدنة أول فرصة جدية لتنفيذها عملياً. لكن عمّان تشعر أن الطرف الأميركي ليس منخرطاً ما يكفي في الشأن السوري، فيما الطرف الروسي يتماهى مع المصالح الإيرانية. وفي ظل تركيز مجلس التعاون الخليجي على مشاكله الداخلية، وغياب أي استراتيجية أميركية واضحة لمرحلة ما بعد "داعش"، فإن على الأردن أن يقوم بحساباته الخاصة في سورية.

وفي حال انهيار هذه الهدنة، سيكون من الصعب توسيع وقف إطلاق النار إلى أجزاء أخرى في سورية، ما قد يعرّض كل مسار أستانة لخطر الانهيار أيضاً. لكن في حال نجاح هذه الهدنة، سيكون للأردن على الأرجح دور وساطة في النزاع السوري، كما سيلعب دوراً في إعادة إعمار البنى التحتية في الجنوب السوري. أمام عمّان أيضاً تحدي فتح قنوات تعاون مع النظام السوري من دون تقليص دعمه لفصائل "الجبهة الجنوبية" التي تعتبر أن الاتفاق الروسي - الأميركي لا يأخذ مصالحها بعين الاعتبار. وبالتالي سيتم في المرحلة المقبلة اختبار النفوذ الأميركي - الأردني، الذي يمارس عبر "ألموك"، في القدرة على إقناع الفصائل بالالتزام باتفاق اعتبره البيت الأبيض "أولوية". إن نجاح الاتفاق على المدى الطويل يعتمد على إشراك المعارضة السورية فيه، لا سيما فصائل "الجبهة الجنوبية"، في وقت تحتاج فيه هذه المعارضة إلى التفكير جدياً بخياراتها وبحدود نفوذها الميداني والسياسي. الأردن هو الرابح الأول في نجاح الاتفاق الروسي الأميركي، لكنه سيكون أول الضحايا في حال فشله. التطورات الأخيرة تضع الجبهة الجنوبية أمام نقطة تحول رئيسية، قد تجبر عمّان على التخلي عن سياستها الحالية المتوازنة. الأردن قد يقترب تدريجياً من لحظة الحقيقة في سورية.

المساهمون