مجزرة بئر العبد تجدد غضب أبناء سيناء من نظام السيسي

14 أكتوبر 2019
كثّف الجيش إجراءاته بمحيط بئر العبد (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

مرة أخرى، يرتكب الجيش المصري مجزرةً بحق المدنيين في محافظة شمال سيناء، راحت ضحيتها عائلة بأكملها مكونة من الأب والأم والأبناء، أثناء عودتهم من رحلة قطف الزيتون في ريف مدينة بئر العبد، بعدما تعرضت سيارتهم لصاروخٍ من طائرة حربية مصرية، في إطار قصف جوي استهدف محيط المدينة في أعقاب هجوم تعرضت له قوات الجيش في أحد الكمائن. وجاء الرد العسكري ضد المدنيين، بعد تمكن المسلحين من الانسحاب من مكان الهجوم كما جرت العادة، ما دفع الجيش إلى القصف المدفعي والجوي بشكل عشوائي.

وفي التفاصيل، قالت مصادر قبلية لـ"العربي الجديد" إنه بعد هجوم "كمين جعل" عصر أول من أمس السبت، الذي قتل فيه خمسة عسكريين وأصيب عددٌ آخر، شنّ الطيران الحربي المصري غارات عدة في محيط مدينة بئر العبد، أدت إلى وقوع خسائر بشرية ومادية، أبرزها استهداف أسرة بأكملها من عائلة العوايضة من سكان قرية الدراويش، وذلك في محيط منطقة تفاحة التي تعرضت لهجومٍ دموي قبل أكثر من أسبوع. وكانت قوات الأمن، بحسب المصدر، قد شددت من إجراءاتها في أعقاب هجوم "كمين جعل"، وكثفت القصف الجوي، ممهلةً سكان منطقة تفاحة ومحيطها مدة ثلاثة أيام لإخلائها بشكل كامل، تمهيداً لعمليات مداهمة وتفتيش وتجريف للمزارع بحجة وقف العمليات الإرهابية، على الرغم من أن المدنيين هم الأكثر تضرراً في هذه المعركة القائمة بين الجيش والجماعات الإرهابية.


وتحدثت المصادر عن حداد عمّ كافة مناطق محافظة شمال سيناء، حزناً على المجزرة التي وقعت بحق عائلة العوايضة، في ظل الإهمال الرسمي والأمني والإعلامي والشعبي للقضية في باقي مناطق الجمهورية، وكأن المجزرة وقعت في قارة أخرى، علماً أن الاهتمام لا ينصب على سيناء إلا عندما يتعرض العسكريون لهجوم إرهابي. ويأتي هذا التعامل بمكيالين في المحافظة، بين العسكريين والمدنيين، على الرغم من أن المدنيين هم من يدفعون ثمن المعركة التي جلبتها الدولة المصرية في أعقاب الانقلاب العسكري صيف عام 2013. وأشارت المصادر في هذا الإطار إلى أن التخوفات لا تزال تتزايد لدى المواطنين من المخطط الذي بدأ في الانكشاف مع مرور الأيام على صعيد مدينة بئر العبد، التي كانت تعد الأهدأ أمنياً مقارنة بمدن رفح والشيخ زويد والعريش، فيما باتت تعاني من الظروف ذاتها التي مرت بها المدن سابقة الذكر خلال السنوات الماضية.

وبحسب المصادر فإن القتلى هم: رب الأسرة عطية أحميد سالمان (45 عاماً)، وزوجته صالحة سالمان محمد سالم (40 عاماً)، ومحمد عطية أحميد سالمان (16 عاماً) ونجوى عطية أحميد سالمان (18 عاماً)، وعبد الله عطية أحميد سالمان (23 عاماً)، وشيرين عطية أحميد سالمان (20 عاماً)، وسعيد عطية أحميد سالمان (12 عاماً)، وإسراء عطية أحميد سالمان (14 عاماً) ونجلاء عطية أحميد سالمان (10 أعوام)، فيما نجا اثنان من العائلة بينهم طفل رضيع لا يتجاوز عمره السنة الواحدة، لا يزال في المستشفى، برفقة سائق الشاحنة التي كانت تقلهم ومدني آخر.

وتعقيباً على المجزرة، قال باحث في شؤون سيناء لـ"العربي الجديد" إن ما يحصل في مدينة بئر العبد يمثل نموذجاً مكرراً لما حصل في رفح والشيخ زويد وأطراف مدينة العريش خلال السنوات الماضية، والذي يهدف من خلاله الجيش المصري إلى تهجير المدينة أو على الأقل القرى المحيطة بها، مع تجريف كل مظاهر الحياة فيها كالمزارع والمصانع والمحال التجارية وأماكن الثروة الحيوانية والسمكية في المدينة، على غرار ما حصل في بقية مدن المحافظة. وأوضح المصدر كيف أن بئر العبد بقيت وحدها في مشهد أمان طيلة سنوات الحرب على الإرهاب، إلى أن تسلل التنظيم الإرهابي (ولاية سيناء) إليها بعد محاولات الاستخبارات المصرية تجنيد أبناء المدينة وقراها ضمن صفوف المليشيات المدنية التابعة لها، وبذلك بدأ التنظيم هجماته في المدينة بقتل المتعاونين مع الجيش بشكل علني، بعد إقامة عدة وكمائن عدة في المدينة وعلى الطريق الدولية المؤدية إلى مدينة العريش.

ورأى الباحث، الذي فضل عدم الكشف عن هويته لوجوده في سيناء، أن مجزرة أول من أمس تساعد في تنفيذ المخطط المرسوم للمدينة في المرحلة الحالية، من خلال إظهار مشاهد القتل والموت وإعطاء مبرر للجيش في سبيل تمزيق المدينة من خلال تجريف الأراضي الزراعية وكل ما يرتبط بحياة المواطنين فيها، مع تجاهل مسؤوليته عن الجريمة التي وقعت بحق العائلة، واعتبار أن ما حصل مجهولة هوية منفذيه حتى هذه اللحظة، على الرغم من كل التأكيدات بسقوط صاروخ على سيارة العائلة. وأعرب المصدر عن اعتقاده أنه على الرغم من كل الإجراءات المشددة، فإن الأيام المقبلة ستشهد المزيد من هجمات التنظيم، وسيقابلها تصعيد عسكري من قبل الجيش ضد المدنيين في ظلّ عدم قدرته على الوصول إلى المجموعات المسلحة التابعة للتنظيم في محيط مدينة بئر العبد، عدا عن عدم قدرته على الحفاظ على أمن بقية المناطق في المحافظة، على الرغم من عمليات هدم المنازل ومحاولات إخلائها تماماً من السكان.

من جهته، أوضح إبراهيم المنيعي، وهو أحد أبرز مشايخ سيناء، أنها ليست المرة الأولى التي يرتكب فيها الجيش المصري مجازر بحق المدنيين في سيناء. وأعطى مثالاً على ذلك، المجزرة التي استهدفت عائلة أحمد أبو ناصر الفريحات من قرية نجع شيبانه جنوب رفح، والتي راح ضحيتها 14 مدنياً، غالبيتهم من النساء والأطفال، وكذلك مجزرة الهبيدي جنوب الشيخ زويد التي قتل خلالها ثمانية مواطنين، نساء وأطفال، وكذلك مجزرة أبو جهيني أبو مسافر جنوب مدينة رفح وراح ضحيتها ثمانية مدنيين أيضاً، ما يدعو للتساؤل حول مدى احتراف الجيش المصري، وفاعلية عمله الاستخباري، وحول الأسباب التي تؤدي إلى سقوط هذا العدد من الضحايا المدنيين الأبرياء مقابل صفر من المسلحين.

وفي تعليق عبر صفحته على موقع "فيسبوك"، رأى المنيعي أن ما يسمى بالحرب على الإرهاب "هو عار على من يقوم به. إن جل القتلى من المدنيين، صحيح أن منهم يصادف وجوده في مسرح العمليات، لكن ذلك لا يعفي الدولة من المسؤولية، ولذلك نطالب من يدير الحرب التوجه إلى المناطق الخالية من السكان إن كان يستطيع، ونستطيع القول إن مناطق جنوب رفح وجنوب الشيخ زويد خاليه تماماً من السكان، ولا يوجد غير المسلحين، إن استطاع، لكن أشك في ذلك. أنتم تمهدون لشيء ما الله أعلم ما هو. وأخيراً، هذه حقبة سوداء في التاريخ المصري".

المساهمون