يواجه حزب العدالة والتنمية في المغرب العديد من التحديات والرهانات، لرئاسته الحكومة منذ سبع سنوات، بعد فوزه في الانتخابات التشريعية مرتين على التوالي، في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني العام 2011 وانتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2016، وترؤس عبد الإله بنكيران الحكومة في النسخة الأولى، وسعد الدين العثماني في الثانية.
واتسمت السنوات الخمس الأولى لقيادة "العدالة والتنمية"، ذي المرجعية الإسلامية، الحكومة المغربية، بكثير من الرهانات السياسية التي واجهت الحزب، خصوصاً أنه حديث العهد بممارسة السلطة، بعد أن قضى سنوات في صفوف المعارضة. وأول التحديات التي واجهت حزب العدالة والتنمية، في بداية عهده بقيادة الحكومة مع مطلع العام 2012، يتمثل في تطبيق البرنامج الانتخابي الطموح الذي وعد به الناخبين على أرض الواقع من خلال سن سياسات حكومية رسمية تترجم وعوده الانتخابية. ووجد "العدالة والتنمية" صعوبة كبيرة في تطبيق وعوده الاقتصادية خصوصاً، وعلى رأسها نسبة النمو التي وعد أن تحققها الحكومة في ولايتها الأولى، عبر خفض نسبة عجز الموازنة إلى 3 في المائة، ورفع معدل النمو إلى 7 في المائة، غير أنه عندما باشر العمل الحكومي لم يحقق سوى 3.5 في المائة في أحسن الأحوال.
وعود أخرى أطلقها حزب العدالة والتنمية كانت بمثابة تحديات رئيسية له على مستوى صون ثقة القاعدة الانتخابية التي يملكها، ومن ذلك "مواصلة بناء دولة المؤسسات والديمقراطية"، في محاولة لإثبات أن مرجعيته الإسلامية لن تمنع من مواصلة ما تحقق من مكتسبات سابقة للدولة المغربية. وخاض الحزب في سنواته الأولى ما سمّاه محللون معركة "إثبات الهوية وحسن النية" حيال ناخبيه، ولكن أيضاً إزاء الدولة وصناع القرار، من خلال العمل على تطبيق بعض وعوده الاجتماعية، من قبيل بناء مجتمع متماسك وتجديد نظام القيم المغربية، لا سيما تحقيق شعاره المركزي "محاربة الفساد". ويبدو أن حزب العدالة والتنمية "اقتبس" شعار حركة 20 فبراير التي خرجت في احتجاجات عارمة في 2011، بموازاة تحولات الربيع العربي في عدد من البلدان، إذ دخل في بداية رئاسته الحكومة بنفَس إصلاحي، حاول من خلاله "النبش" في ملفات راكدة كانت تعتبر "تابوهات" (محرّمات) إلى وقت قريب، وعلى رأسها مواجهة استشراء سياسة الريع في البلاد. وكانت أولى محاولات الحزب تطبيق شعاراته ووعوده الانتخابية عبر قرار نشر قوائم المستفيدين من تراخيص نقل المسافرين، وضمنها شخصيات معروفة، وهو ما جعل البعض يعتقد أنها بداية لمحاربة الفساد والريع، غير أن متضررين من هذه "المبادرة" شرعوا في وضع العصي في عجلات الحكومة، الأمر الذي أدى إلى نوع من التراجع عن الاستمرار في كشف مظاهر الريع.
ومنذ ذلك الحين، بدأ حزب العدالة والتنمية يستخدم عبارات من قبيل "التماسيح والعفاريت" للتعبير عن عرقلة أفكاره ومبادراته الإصلاحية داخل الحكومة. وكان بنكيران أبرز من يستخدمها، في دلالة على ما يعتبرها قوى نافذة في الدولة تعمل على فرملة مسار الإصلاح الذي أرادته الحكومة بقيادة الحزب الإسلامي. وعند محاولة تجسيد هذه "القوى الرافضة للإصلاح"، كان حزب العدالة والتنمية يشير بالإصبع إلى حزب الأصالة والمعاصرة، خصوصاً زعيمه إلياس العماري، والذي كان يصفه بأنه إحدى الأدوات السياسية لعرقلة الإصلاح، في الوقت الذي كان يخشى معارضو الحزب أن يكسب هذا الأخير مزيداً من الأصوات الانتخابية عندما يُترك وحده يطبق مسار الإصلاح، خصوصاً المبادرات الاجتماعية التي تقربه من الناخبين في الطبقات الفقيرة. هذا التعثر في تطبيق مشاريع الإصلاح بررته قيادات حزب العدالة والتنمية بأنه يعود إلى كون الحزب "لا يمكنه أن يقرر وحده في كل شيء، ولا يمكنه أن يسنّ وحده مختلف القوانين والقرارات، رغم حرصه على محاربة الريع، وسد منافذه وذرائعه القانونية"، وفق تعبير القيادي في الحزب، محمد الإدريسي الأزمي. ويرى مراقبون أن "عجز" حزب العدالة والتنمية عن تحقيق وعوده الانتخابية، عندما وصل إلى الحكومة في ولايتها الأولى يعود إلى أسباب سياسية تحديداً؛ فهو في الحقيقة لم يكن يتوفر على الأدوات السياسية التنفيذية لتحقيق كل ما كان يصبو ويعِد به من شعارات، فهو في الأول والأخير مجرد "حزب ينفذ ما يطلب منه".
ورغم أن بنكيران كان يقر بوجود "التماسيح والعفاريت"، كما أن قادة آخرين من الحزب الأغلبي ذاته كانوا يصفونهم بـ"الدولة العميقة"، فإن الحكومة في ولايتها بين 2012 و2016، تؤكد أنها حققت العديد من المنجزات، منها ما هو اجتماعي، مثل إحداث صناديق تدعم الفئات الفقيرة، كما تم تحسين الخدمات الصحية، وأُجريَت إصلاحات اقتصادية؛ من قبيل رفع الدعم العام عن المحروقات لتخفيض عجز الموازنة، وإصلاح صناديق التقاعد المهددة بالانهيار. وفي وقتٍ عرف حزب العدالة والتنمية، خلال ولاية بنكيران، تحديات يمكن تلخيصها في المرحلة الانتقالية لحزب كان يتنفس من رئة المعارضة إلى ممارسة السلطة، وهو ما لم يُخفه الحزب من كون ممارسة "الحكم" ليست مثل ممارسة المعارضة، فإن الحزب حاول في ولاية العثماني تخطي بعض "مطبات" الولاية الأولى. وإذا كان "العدالة والتنمية"، خلال فترة بنكيران، قد قاد "حرباً" ضد "التماسيح والعفاريت"، ولو عبر واجهة وسائل الإعلام، فإن الحزب نأى بنفسه عن هذه "المعارك"، خصوصاً أن زعيمه العثماني معروف بتأنيه وهدوئه، وعدم تفضيله الدخول في مواجهات ومعارك كلامية. والتزم "العدالة والتنمية"، خلال ولاية العثماني، بشعار "الإنصات والإنجاز"، محاولاً مواصلة العمل الذي أدته الحكومة في ولايتها الأولى، والاستمرار في مسار الإصلاح، غير أنه واجه "عصياً" جديدة في عجلة العمل الحكومي، منها الاتهامات التي واجهها الحزب من طرف حزب الأحرار خصوصاً. ويلاحظ مراقبون أن معركة الحزب، خلال ولاية بنكيران، مع حزب الأصالة والمعاصرة انتقلت في عهد العثماني إلى معركة "مضمرة" مع حزب الأحرار خصوصاً، ومن يدعمه من أحزاب حكومية، وذلك من خلال عدة وقائع أظهرت التنافر بين هذين القطبين، فيما أصر العثماني على إذابة الاختلافات والتمسك بانسجام الأغلبية الحكومية في أكثر من مرة. ويُجمل الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، في تصريحات صحافية، التحديات التي واجهها الحزب خلال فترة قيادته للحكومة، بأنها "تحدي محاولات تحجيمه وعزله، وتحدي صيانة العلاقة مع الشعب"، كما يواجه الحزب "تحدي الجمع بين الدمقرطة وإنجاز الإصلاح في أبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية".