روسيا تُكرّس احتلالها لسورية... والغرب مشغول بالتصريحات والاجتماعات

05 أكتوبر 2016
صدّت المعارضة هجوماً للنظام والمليشيات جنوبي حلب (محمد شيخ/الأناضول)
+ الخط -
ترسّخ روسيا احتلالها لسورية، من خلال خطوات عسكرية وأخرى تشريعية، بينما ينشغل العالم باجتماعات لا تنتهي تبدو نتيجتها أقرب إلى الثرثرة حتى الآن. أما الكلام الروسي عن استعداد واشنطن للتحالف مع "الشيطان" من أجل إسقاط نظام بشار الأسد عسكرياً، فلا تعدو كونها، حتى اللحظة، امتداداً للاستراتيجية الروسية القائمة على التهويل الفارغ من دور أميركي غائب أصلاً، لتبرير مواصلة الإبادة في سورية، على اعتبار أن موسكو تخوض حرباً متوازنة، وكأن واشنطن تدعم بالفعل المعارضة السورية المسلحة المحرومة من التسليح النوعي، بقرار أميركي أساساً. كما رفعت موسكو وتيرة التحدي، لناحية إبداء مجلس الدوما (البرلمان) عزمه على شرعنة الاحتلال العسكري الروسي في سورية بشكل دائم، والوقوف في وجه أي نية دولية لإعادة العمل باتفاق هدنة كانت رتبته موسكو وواشنطن وانهار في 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، فضلاً عن إعلان الروس نشر نظام متطور للدفاع الجوي. واعتبر مسؤولون أميركيون أن النظام الصاروخي الحديث يبدو أنه يهدف لمنع هجمات صاروخية أميركية، لأن التنظيمات المتطرفة في سورية لا تملك صواريخ تماثل الصواريخ الروسية. في ظل هذه الأجواء، لا يتوقع أن يمثل اجتماع مسؤولين كبار من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، اليوم الأربعاء، طوق نجاة للتوصل إلى حل سياسي للقضية السورية. 

في هذا الإطار، جاءت تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، أمس الثلاثاء، مؤكدة تخلّي روسيا والنظام السوري عن العملية السلمية في سورية، في ظلّ سعيهما إلى حسم عسكري، مؤكداً في الوقت ذاته "العمل مع موسكو على إحياء وقف إطلاق النار".

وأشار كيري إلى أنّ "روسيا تجاهلت استخدام النظام السوري للبراميل المتفجرة ضد شعبه"، قائلاً إنّ "الحرب في سورية تسببت في أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية". واعتبر أن "الدول الراغبة في السلام لا تتصرف كما تتصرف روسيا في سورية حالياً". وأوضح "أننا لن نتخلى عن الشعب السوري ولن نتخلى عن السعي وراء السلام. سنستمر في البحث عن وقف دائم وله معنى وواجب النفاذ للاقتتال في أنحاء البلاد. وهذا يتضمن وقف طلعات الطائرات القتالية السورية والروسية في مناطق معينة". في مقابل الثرثرة الأميركية، كانت روسيا تنشر أنظمة دفاع صاروخي في سورية تخرج للمرة الأولى من الأراضي الروسية، في مؤشر على نية موسكو تكثيف عملياتها العسكرية. ونقلت محطة "فوكس نيوز" الأميركية عن مسؤولين في واشنطن أن روسيا نشرت في قاعدة طرطوس أنظمة دفاع صاروخي من طراز SA23 يبلغ مداها 150 ميلاً قادرة على مواجهة أي هجوم أميركي محتمل بالصواريخ بعيدة المدى ضد أهداف في سورية.

وكانت وزارة الخارجية الروسية قد أعربت، أمس، عن "خيبة أملها من قرار واشنطن تعليق قنوات الاتصال مع موسكو، التي تأسست لتثبيت اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية، المبرم في 9 سبتمبر الماضي". وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن "واشنطن مستعدة للتحالف مع الإرهابيين، بل مع الشيطان نفسه، من أجل تغيير النظام في سورية". وألقت باللوم على الولايات المتحدة لعدم صمود اتفاق الهدنة، مشيرة إلى أن "الكرة أصبحت في ملعب واشنطن التي يجب أن تفكر بجدية في المستقبل الذي تريده للشعب السوري". من جهتها، لم تستبعد رئيسة مجلس الاتحاد الروسي فالنتينا ماتفيينكو، ما دعته "رغبة أطراف معينة تقطيع سورية وبلقنتها (نسبة لصراعات منطقة البلقان) في كيانات متفرقة، والإطاحة بالقوة بحكومة الرئيس بشار الأسد".


ويصوّت مجلس الدوما (البرلمان)، يوم الجمعة المقبل، على اتفاقية نشر قوات روسية في سورية على "أساس دائم". ونشرت وكالات أنباء روسية أنّ مجلس الدوما الروسي بتشكيلته الجديدة، قد يصادق، يوم الجمعة، على اتفاقية نشر القوات الجوية الروسية في قاعدة حميميم باللاذقية في سورية لأجل غير مسمّى. مع العلم أنه تمّ التوقيع على الاتفاقية بدمشق في أغسطس/ آب 2015. وقال مصدر في مجلس الدوما لوكالة "نوفوستي"، إنّ "المجلس قد يتفاعل مع التصديق على اتفاقية نشر المجموعة في سورية، بعد تعليق الولايات المتحدة مفاوضاتها مع روسيا"، معتبراً أنّ "هذا من شأنه أن يكون أفضل رد".

ويسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تكريس الوجود الروسي في شرق المتوسط، فالوصول إلى "المياه الدافئة" في الشرق الأوسط، لطالما كان حلماً يراود مخيلة المسؤولين الروس منذ أمد بعيد، وهو ما حققه لهم نظام الأسد، مقابل حماية نظامه وإبقائه في السلطة. 

أما المحلل السياسي السوري محمود الحمزة، فاعتبر أن "موسكو تريد من خلال تصويت الجمعة تثبيت الاحتلال الروسي لسورية على مرأى من العالم"، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "التصويت يأتي في سياق الاتفاقية التي وقعها نظام الأسد مع روسيا في أغسطس/ آب 2015".

من جهته، رأى رئيس وفد المعارضة السورية المفاوض، أسعد الزعبي، أن "القوات الروسية في سورية موجودة ولا تحتاج إلى تصويت"، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "تصويت مجلس الدوما هو للتغطية على الجرائم، والمعارضة ترفض وجود أي عنصر غير سوري في البلاد". واعتبر أن "الروس غزاة لسورية". يُذكر أن الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية تعقد اجتماعات في العاصمة السعودية الرياض، غداً الخميس، ويوم الجمعة.

وفي خضمّ التوتر الروسي ـ الأميركي، تعهّد الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، يوم الاثنين، بمواصلة الجهود الرامية لإيجاد حل سياسي في سورية. وأوضح في بيان من جنيف، أنّ "الأمم المتحدة ستواصل الدفع بقوة من أجل التوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع السوري، بغض النظر عن النتائج المخيبة جداً للآمال التي انتهت إليها المناقشات المكثفة والطويلة بين الولايات المتحدة وروسيا".

وشدّد بيان المبعوث الدولي على أنّ فريق العمل الإنساني التابع للأمم المتحدة في سورية، "سيواصل عمله الشاق، من أجل المساعدة في إيصال المساعدات إلى المدنيين العزّل في سورية من دون عوائق"، مؤكداً أنّ "الأمم المتحدة لن تسمح بأن يكون مصير الشعب السوري نزاعاً عنيفاً لا نهاية له".

عدا عن حراك دي ميستورا، فقد بدأ مجلس الأمن الدولي، يوم الاثنين، مداولات بشأن مشروع قرار صاغته فرنسا واسبانيا، يدعو إلى تحقيق هدنة فورية في حلب. ويحث مشروع القرار روسيا والولايات المتحدة على ضمان التنفيذ الفوري لوقف الاقتتال بدءاً من حلب، ووضع نهاية لكل الطلعات العسكرية فوق المدينة، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. غير أن السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين، استبق التصويت على القرار بالقول إن "اتخاذ قرار يستثني الطيران، ويسمح للإرهابيين بأن يفعلوا ما يريدون، لن يكون جذاباً للغاية". في غضون ذلك، التأمت جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، أمس، بناءً على طلب الكويت لبحث الأوضاع الإنسانية في حلب. وأكد المندوب الكويتي في كلمة أمام المجلس أن استمرار الوضع على ما هو عليه في حلب "إعلان فشل للنظام الدولي القائم".

ميدانياً، وعلى الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على القصف الجوي غير المسبوق من قبل الطيران الروسي، وطيران النظام، الذي أدى إلى مقتل وجرح آلاف المدنيين في حلب، لم تحقق قوات النظام والمليشيات المساندة لها تقدماً كبيراً على الأرض، بعد أن صدّت قوات المعارضة هجوماً للمليشيات في جنوب المدينة، وهو ما دفع بالروس والنظام السوري إلى ارتكاب المزيد من الجرائم في حلب، خصوصاً بحي جمعية المهندسين، أمس الثلاثاء. وذكر ناشطون أن الاشتباكات جرت على محاور الشيخ سعيد، وكرم الطراب، وعزيزة، وبستان الباشا، والعويجة، رافقها قصف جوي مكثف من قبل الطيران الروسي وطيران النظام. كما قُتل وأُصيب مدنيون في الأحياء التي يسيطر عليها النظام في حلب بقذائف مجهولة المصدر، ولكن المعارضة اتهمت النظام باستهداف مناطقه من أجل تحشيد الرأي العام في المدينة ضدها.