محطات من الصيف السياسي الأكثر سخونة في واشنطن

21 اغسطس 2018
ترامب يوظف كل أوراقه للاحتفاظ بالأغلبية في مجلس النواب(Getty)
+ الخط -

في العادة، يكون شهر أغسطس/آب فترة بطالة سياسية في واشنطن، فأصحاب القرار، الرئيس والكونغرس وأتباعهم، في إجازة صيفية. لكن الوضع ليس كذلك في أغسطس الحالي، الذي كانت حرارته السياسية أعلى من حرارة طقسه.

لكن تطورات صاخبة في سياق التحقيقات الروسية رفعت من درجة سخونة أغسطس، إذ أوحت إفادات ومحاكمات وتلويحات من قبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ومحاميه رودي جولياني، بقلب الطاولة على اللاعبين والمحققين، باقتراب لحظة عاصفة. وأكثر ما لفت في هذا الخصوص أن البعض من أهل البطانة السابقين والراهنين للرئيس، سارع إلى أخذ الاحتياطات على ما يبدو لحماية نفسه من سيف التحقيقات، لئلا تتمخض عن اتهامات كبيرة. ويشبه ما يحصل حالياً خطوات مشابهة قام بها بعض أعوان الرئيس الراحل، ريتشارد نيكسون، مثل مساعده جون دين، لإنقاذ أنفسهم، عشية انكشاف فضيحة ووترغيت التي أطاحت بالرئيس.

التحقيقات الروسية لم تبلغ هذا المفصل بعد، وقد لا تبلغه. لكن المخاوف التي انطوت عليها تصرفات هذا البعض، تشير إلى أن القادم محفوف بمخاطر جدّية، إذ إن المستشار القانوني في البيت الأبيض، دان ماكغان، عقد ثلاث جلسات، لمدة 30 ساعة، مع المحقق الخاص روبرت مولر، للإدلاء بإفادته ومعلوماته في ما يتعلق بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، ومن دون أن يعلم الرئيس وفريق محاميه ما الذي باح به المستشار للمحقق. وفي هذا السياق، تبدأ بعد أيام محاكمة المحامي السابق للرئيس، مايكل كوهين، الذي قرر على ما يبدو التعاون مع مولر مقابل تخفيف عقوبته أو شطبها كلياً لو أعطى كل ما لديه من معلومات عن القضية أو ما يتصل بها. وفي التقديرات، أنه يملك مخزوناً مهماً من المعلومات التي قد تكون مؤذية للرئيس الذي ربطته بكوهين علاقة طويلة أثناء الانتخابات وقبلها بسنوات، خصوصاً وأنه يشعر بحسب التسريبات المنسوبة إلى محيطه بأن الرئيس "تخلّى عنه" بالرغم من الخدمات التي قدمها له. يضاف إلى ذلك أن هيئة المحلفين قد تصدر حكمها في أي لحظة، وعلى الأرجح قبل نهاية الأسبوع الحالي، بالدعوى المرفوعة على المدير الأول لحملة ترامب، بول مانافورت. وتميل التوقعات القانونية إلى ترجيح كفة إدانته بالتحايل المالي والتهرب من الضرائب، مع ما قد يوفره ذلك من مدخل لمولر يساعده على استبيان أي علاقة مالية ربطت مانافورت بالروس في قضية الانتخابات.


وبالترافق مع ذلك، برزت قصة جديدة تقرب من الفضيحة المربكة لترامب. المساعدة السابقة في البيت الأبيض أوماروسا مانيغولت نيومن، التي جرى تسريحها من عملها في ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشفت في كتابها الجديد، كما في تسجيلاتها التي أجرتها داخل "غرفة العمليات" في البيت الأبيض، عن الفوضى والتنابذ في البيت الرئاسي الملوث "بالكذب" والمناخات "العنصرية" تجاه الأميركيين السود مثلها، والذين يشير إليهم الرئيس بكلمة "العبد" على ذمة نيومن. التسجيل في هذه القاعة التي لا يدخلها هاتف، والتي تعتبر أكثر مكان آمن في أميركا، وثمة من يقول في العالم، فضيحة بحد ذاته. وذكرت نيومن أن زوجة ابن الرئيس حاولت شراء سكوتها، إذ عرضت عليها وظيفة براتب شهري قدره 15 ألف دولار شهرياً، مقابل عدم نشر معلوماتها. ووعدت بالكشف عن المزيد من التسجيلات التي شكلت فضيحة بحد ذاتها. وزاد من نكء الجرح العنصري الملتهب أصلاً، أن الرئيس، في رده عليها، شبهها بـ"الكلبة" من دون ذكر اسمها.

ولم يقف التداعي عند هذا الحد، إذ فجّر الرئيس خلافه مع المسؤولين السابقين عن أجهزة الأمن والاستخبارات، حين سحب "الترخيص الأمني" من المدير السابق لوكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي آيه)، جون برينان، لتماديه في انتقاد ترامب. ولوّح بسحبه من مسؤولين سابقين آخرين محسوبين في خندق خصومه، الأمر الذي استنفر شريحة كبيرة من هذا الصف، رفعت كتاب احتجاج ضد تصرفات الرئيس "الانتقامية". ويبدو أن البيت الأبيض تراجع عن تكرار الإجراء بعد أن أعلنت مجموعة من الجنرالات المتقاعدين تضامنها مع برانن، وشجبت خطوة ترامب ضده، من بينهم الأدميرال وليام ماكرافن الذي أشرف على عملية تصفية زعيم تنظيم "القاعدة"، أسامة بن لادن، والجنرال مارك هارتلينغ الذي شارك في حرب العراق.

واشنطن في الوقت الراهن مشتعلة ومشلولة في آن. الاشتباك متعدد الجبهات، مثل الـ"تويتر" الرئاسي، يتسيد الساحة أكثر من أي وقت مضى، وكله يدور حول موضوع التحقيقات ويتوقف عليها كما على انتخابات الكونغرس. ترامب يقاتل على الجبهتين، يراهن ويوظف كل أوراقه للاحتفاظ بالأغلبية الجمهورية أو بالأحرى "الترامبية"، في مجلس النواب، وفي الوقت ذاته يخوض حرب أعصاب ضد مولر الذي اقترب من اختتام مهمته. الوضع زئبقي ومفتوح على كل الاحتمالات ولو بدرجات مختلفة، لكن الأكيد هو أن الإدارة مضطربة، وهي تجهد على الصعيدين الداخلي والخارجي لتقليل الخسائر. كما أن مساجلات ومطالعات جولياني المتناقضة تنطق بذلك، وبما يساعد على قراءة القادم.

المساهمون