تركيا وأميركا وأوروبا: فصول علاقة تحالف من طرف واحد

04 ابريل 2016
خلال افتتاح أردوغان مسجداً في ولاية ماريلاند الأميركية(سامويل كوروم/الأناضول)
+ الخط -
لم تشهد العلاقات التركية ـ الأميركية هذا القدر من التوتر منذ 13 عاماً، عندما رفض البرلمان التركي تحويل الأراضي والقواعد التركية إلى نقاط انطلاق في الغزو الأميركي للعراق عام 2003. ووصلت العلاقات إلى أسوء مراحلها في يوليو/تموز 2003، عندما قامت القوات الأميركية باعتقال عدد من الجنود الأتراك شمال العراق بطريقة مهينة، لتعود اليوم وتتضارب السياسات في ما يخص الملف السوري، الذي تحوّل إلى أزمة كبيرة بين واشنطن وأنقرة.

وكما أثار الرئيس الأميركي باراك أوباما غضب حلفاء واشنطن التقليديين جميعهم في الشرق الأوسط، عبر الخطوات الانسحابية من المنطقة، والتي توّجها بالاتفاق النووي مع طهران، يبدو أن حليف الشمال الأطلسي، أي تركيا، ليس بمنأى عن هذا الانسحاب. بل ووجدت أنقرة نفسها ليست وحيدة فقط كباقي حلفاء واشنطن في المنطقة، لكن أيضاً في مواجهة مع إدارة أوباما التي لا تزال تصر على التحالف مع قوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" (الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني) في محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بكل ما يمثله ذلك من خطوط حمراء بالنسبة للأمن القومي التركي.

ووجّه أوباما، في مؤتمر صحافي، عقده، إثر ختام قمة الأمن النووي، التي جرت في واشنطن، أخيراً، انتقادات شديدة للحكومة التركية، لم يلامس في أي منها أصل الخلاف بين الطرفَين، قائلاً إن "انزعاجي من بعض توجهات الحكومة التركية ليس بسرّ. بالنسبة لي، فإن حرية الصحافة وحرية التدين والديمقراطية والحقوق، هي أمور أؤمن بها بشدة". ليرد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على ذلك، خلال حديثه مع الصحافيين الذين رافقوه في الزيارة التي قام بها إلى واشنطن، قائلاً: "حزنت لتصريحات أوباما التي قيلت في غيابي، لأنه لم نتحدث بهذه المواضيع خلال اللقاء الذي جمعنا"، مشدداً على أن الاتفاق بين الجانبَين خلال المحادثات الهاتفية بينهما، قام على أساس تجنب استخدام الإعلام لإيصال الرسائل.

كعادة الإدارات الأميركية المتوالية، غلّف أوباما توتر العلاقات بين الجانبَين بالحديث عن ميول أردوغان الشمولية والحدّ من حرية الإعلام والصحافة في تركيا. وإنْ كان معارضو الرئيس التركي يجدون أن هذه الاتهامات حقيقية في جانب كبير منها، لكن الإدارة الأميركية ذاتها تقف صامتة عن توجيه أي انتقاد لتحركات حكومات أوروبية أخرى مماثلة في حلف "الأطلسي"، وبالذات من قبل اليمين البولندي ودول أوروبا الشرقية، سواء في ما يخص حرية التعبير أو السيطرة على الإعلام وصولاً إلى تبني تلك الحكومات خطاباً فاشياً معاديا لجميع المعايير التي يؤمن بها أوباما أيضاً.

وتستمر الإدارة الأميركية في تقديم الدعم لهذه الدول في مواجهة "العدوانية الروسية"، كما لم تفعل مع تركيا، التي لم تتلق بدورها سوى النزر اليسير الذي يحفظ ماء وجه حلف "الأطلسي"، عند اندلاع الأزمة الروسية ـ التركية على خلفية قيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. أمر يعترف به رئيس قسم المخاطر في مجموعة يوروآسيا البحثية، إيان بريمر، قائلاً إن "الأتراك أعضاء في الحلف الأطلسي، وتم انتهاك سيادتهم بشكل متكرر من قبل الروس، لكنهم لم يتلقوا شيئاً من الدعم الذي تلقته دول مثل بولندا وباقي دول البلطيق".

أكثر من ذلك، بدأت الإدارة الأميركية حملة إعلامية شرسة ضد أنقرة، لم يكن أقلها دعوة سفراء أميركيين سابقين لأردوغان للاستقالة، بل وتحويل الرئيس التركي وليس السوري بشار الأسد إلى سبب رئيسي في بقاء "داعش"، وتهديد أردوغان بانقلاب عسكري آخر، كما جاء في مقال المسؤول السابق في البنتاغون، مايكل روبين تحت عنوان، "من المستحيل هزيمة داعش طالما أن أردوغان في السلطة".


على المستوى السياسي، يمكن حصر الخلاف بين تركيا والغرب عموماً، بموضوعَين رئيسيَّين: الأول هو الحرب السورية ونتائجها المتعلقة بأزمة اللاجئين، والثاني هو تعامل الغرب مع حزب "العمال الكردستاني". فقد استمر الغرب وبالذات الأميركيون بالتعامل مع الجرائم التي يرتكبها النظام السوري بسياسة "التصريحات الرنانة"، من دون القيام بأي فعل حقيقي ضده، وحتى بعد كسر الأسد خطوط أوباما الحمراء واستخدامه للسلاح الكيماوي. وعندما تحركت الإدارة الأميركية في سورية، كان ذلك لمواجهة خطر "داعش"، وليس ضد أساس المشكلة، كما يعتبرها حلفاء واشنطن مثل تركيا والسعودية ممثلة ببقاء الأسد في السلطة.

كما عملت إدارة أوباما على تجاوز حلفائها، وعوضاً عن التعاون معهم، رفضت تغطية أي تحرك سعودي ـ تركي مشترك في سورية لقتال "داعش". وبدأت بالتعاون مع حليف الإيرانيين والنظام السوري أي (العمال الكردستاني) وجناحه السوري حزب "الاتحاد الديمقراطي"، وقدمت لهما دعماً غير محدود، ومكّنت "الاتحاد الديمقراطي" من السيطرة على مساحات واسعة من الشريط الحدودي التركي ـ السوري، وذلك بحجة فشل برنامج تدريب وتسليح المعارضة السورية التي تسميها معتدلة. وقامت قوات "الاتحاد الديمقراطي" بدعم روسي بتوجيه ضربات كبيرة لفصائل المعارضة السورية التي تتلقى دعماً من جهاز المخابرات الأميركي في شمال حلب من دون أن يقوم الأميركيون بأي خطوة لحمايتهم. ويأتي ذلك، مع اندلاع معارك عنيفة بين التنظيم الأم (العمال الكردستاني) وأنقرة في جنوب شرقي تركيا منذ تموز/يوليو الماضي.

ما كان يسعى إليه أردوغان، خلال زيارته الأخيرة إلى واشنطن لحضور قمة الأمن النووي، هو إقناع الأميركيين بالاعتماد على بعض فصائل المعارضة "المعتدلة" (وفق التوصيف الغربي) التي لا تزال تحارب "داعش" والنظام في ريف حلب الشمالي منذ أكثر من عام، عوضاً عن الاعتماد على "الاتحاد الديمقراطي"، خصوصاً بعد التقارير التي تحدثت عن خطط أميركية للسيطرة على منطقة منبج (غرب حلب) عبر دعم "الاتحاد الديمقراطي".

هذا الأمر أكّده أردوغان خلال إجابته عن أسئلة الصحافيين في مقر السفارة التركية بواشنطن، قائلاً: "لقد حققنا تقدماً في ما يخص حزب الاتحاد الديمقراطي. أكد لنا كل من أوباما، ونائبه جو بايدن، ووزير الخارجية الأميركي جون كيري، خلال اللقاءات، أنّهم لن يسمحوا بسيطرة الاتحاد الديمقراطي على جنوب الحدود التركية. ولقتال داعش قمنا بتقديم 1800 اسم مقاتل للإدارة الأميركية، وسنقوم بتقديم 600 اسم آخرين لذلك، منهم عرب وتركمان، وهم الآن يقومون بقتال داعش أيضاً".

وأضاف أردوغان: "وبالتالي لم يعد أمام الأميركيين أية حجة، ونحن مستعدون لتقديم مختلف أنواع الدعم لهؤلاء المقاتلين في حربهم ضد داعش وضد باقي التنظيمات المتشددة، وهؤلاء هم المعارضة السورية المعتدلة". وأوضح الرئيس التركي أنّه "عندما تحدثنا مع بايدن وكيري، قالا لنا إنهم لن يسمحوا بإقامة دولة للاتحاد الديمقراطي. وعندما يستخدم هذه الكلمات كل من كيري وبايدن فلا يبقى لنا شيء آخر لنقوله. وفي حال وُجد من يحاول أن يفعل شيئاً مختلفاً، فنحن عازمون على منع ذلك".

على الجانب الأوروبي، بالكاد تسمع الإدانات الأوروبية للعمليات الانتحارية التي قادها "العمال الكردستاني" أو حتى "داعش" في المدن التركية. وبينما كانت الحكومة التركية تحاول لملمة نفسها من أثار الهجمات الانتحارية التي قادها "الكردستاني" ضد أهداف مدنية في أنقرة، وتسعى للوصول إلى اتفاق منصف مع الأوروبيين ينهي أزمة اللاجئين، وكذلك التملص الأوروبي من مساعدة تركيا في التعامل مع ما يقارب 3 ملايين لاجئ سوري على أراضيها، كانت خيمة أنصار "الكردستاني" أي عدو أنقرة الأول منتصبة في بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي وحلف "الأطلسي". وعلى الرغم من أن "العمال الكردستاني" موضوع على قائمة التنظيمات الإرهابية في جميع الدول الأوروبية والولايات المتحدة، تعتبر النشاطات والفعاليات التي يقيمها في هذه الدول من أهم مصادر تمويله، وبالذات في كل من بلجيكا وألمانيا.

المساهمون