تتجه حكومة إلياس الفخفاخ، المعروضة على الجلسة العامة في البرلمان التونسي لنيل الثقة، إلى الحصول على تأييد حزام ضيق من النواب بما يكفي لإنقاذها من السقوط ليس أكثر. وتعتبر هذه الجلسة موعداً لإنقاذ الحكومة والبرلمان معاً، وفق متابعي الشأن السياسي، ما فسر قبول مؤيدي الحكومة ومعارضيها بإنقاذها من السقوط على مضض.
ولم يكن مهماً ما قدمه الفخفاخ من أفكار وبرامج خلال جلسة منح الثقة، فالمواقف محسومة سلفاً. وفي الوقت الذي ركز فيه نواب النهضة والتيار والشعب وتحيا تونس والإصلاح على جوانب تقنية في كلمة رئيس الحكومة، متفادين الخوض في تقييم سياسي لخطابه، فإن معارضيه من كتل قلب تونس وائتلاف الكرامة والدستوري الحر والمستقبل وبعض المستقلين، ارتكزوا على ضبابية رؤية الفخفاخ وغياب المعطيات البيانية الدقيقة في كلمته.
وجاءت أكثر المداخلات حدة على لسان رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي، التي اتهمت الفخفاخ بالفشل في كل المهمات التي تولاها خلال الفترة الماضية، واعتبرت أن المكلف بتشكيل الحكومة جاء لتمرير مشروع السلطة المحلية الذي سيفتت الدولة ويغرق البلاد في المال الأجنبي.
وكشفت جلسة منح الثقة أن كل ما روج سابقاً عن صلابة الحزام السياسي وعن تحصيله ما يقارب المائة وستين صوتاً، لم يكن إلا مجرد بروباغاندا روجت بغاية إظهار الفخفاخ في موقع قوة، خلافاً لسلفه الحبيب الجملي الذي خاض جلسة منح الثقة دون توافقات جدية أدت لسقوط حكومته.
في هذا الصدد، أكد المتحدث الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري، لـ"العربي الجديد"، أن هذا الارتباك الحاصل قبيل التصويت يحيل إلى صواب موقف النهضة التي دعت منذ البداية إلى حكومة وحدة وطنية تجمع أكثر ما أمكن من الأطراف السياسية الوازنة داخل البرلمان صلبها. وتأسف الخميري على عدم وجود مكونات "أصيلة" داخل البرلمان ضمن تركيبة الحكومة.
وتحاول بقية مكونات الائتلاف الحكومي ضبط نوابها للتصويت لفائدة الحكومة؛ فحتى في صفوفها هناك أصوات معارضة لذلك. وسعت هذه الكتل إلى فرض حضور نوابها خلال الجلسة، ومرت إلى السرعة القصوى في ضبط نوابها للالتزام بقرارات الأحزاب أو الطرد منها.
من جانبها، دعت حركة تحيا تونس التي يتزعمها يوسف الشاهد، رئيس الحكومة المنتهية عهدته، أعضاء كتلتها إلى الانضباط لقرار الحزب. ولفت القيادي بالحركة مروان الفلفال، لـ"العربي الجديد"، إلى أن من يخالف قرار مؤسسات الحزب عليه أن يغادره. وأضاف الفلفال أن الوثيقة التعاقدية التي عرضها الفخفاخ ووقعت عليها الأطراف المشاركة في الحكومة تقدم جميع الضمانات المطلوبة لهذه المرحلة وتبرز وعيا بحقيقة الوضع، وأن التصويت لفائدتها يعني الشروع في مرحلة جديدة على أساس الإصلاحات الكبرى ومعالجة الملفات الحارقة.
وكشفت كواليس البرلمان أيضاً عن وجود اتفاق بين النهضة وقلب تونس بهدف "إقراض" الفخفاخ بعض الأصوات حتى تضمن مرور الحكومة ودرءا لأي مفاجأة غير سارة. وفي حين نفى القيادي بقلب تونس أسامة الخليفي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، وجود هذا الاتفاق، فإنه تعلل بالمصلحة الوطنية. وأبرز الخليفي أن الحزب إثر اجتماع مكتبه السياسي كان قد قرر عدم منح ثقته للحكومة المقترحة، ويعتبر نفسه بديلا للحكم في المرحلة المقبلة، بيد أن ذلك لا يعني أن يسمح بـ"الفراغ" في حال أخفقت مكونات الائتلاف الحكومي في تمريرها؛ وسيضطر لمنع هذا السيناريو على ألا يفقد موقعه كأكبر كتلة معارضة.
وتشير سياقات التوافق حول الحكومة ومنحها الثقة إلى أن مرورها أمام البرلمان سيكون على مضض، وتحت وقع الاضطرار، لا سيما بعد أن لوّح رئيس البلاد قيس سعيد بإمكانية استعماله صلاحياته الدستورية وحل البرلمان. وتبقى إمكانية انتهاء صلاحية حكومة الفخفاخ في وقت وجيز قائمة، لا سيما أن حزامه السياسي يؤكد أن الأمر رهين حجم الإنجازات التي سيحققها، وهو رأي تتبناه حركة النهضة أساساً التي أكدت في هذا السياق أن مدة حكم الفخفاخ ترتبط أساساً بمدى حصوله على ثقة التونسيين، ولا يكون الحديث عن استبدالها إلا عندما تفشل وتثبت أنها قاصرة على تلبية احتياجات التونسيين.
وفي ذات الصدد، بيّن القيادي بالتيار الديمقراطي لسعد الحجلاوي، لـ"العربي الجديد"، أن عدم تجانس الحزام السياسي للحكومة وهشاشته لا يعني آليا أنها ستكون الحكومة الأقصر عمراً وقد تسقط في الفترة المقبلة، مذكراً بحكومات نداء تونس التي بنيت على توافقات ثنائية بين كتلتين مثلتا معا ثلاثة أرباع البرلمان بيد أنها لم تنجز شيئا خلال العهدة الماضية. وتابع الحجلاوي أن ما ستقدمه الحكومة في الفترة المقبلة هو المحدد الأساسي.
ويعتبر مراقبو الساحة السياسية أن مكونات الائتلاف الحكومي تمثل بدورها عاملا للارتباك، فبينها الليبرالي والاشتراكي الديمقراطي والاجتماعي والمحافظ، وهو ما ينبئ بصعوبة التوافقات، لا سيما في ظل وجود معارضة وازنة داخل البرلمان. لكن القيادي بـ"التيار" رأى أن الأمر قد يكون عامل قوة لا ضعف، خاصة أن وجود أطراف متضادة في منظومة الحكم سيؤدي لمزيد من الرقابة والحرص على عدم الوقوع في الخطأ.