أعادت الأحزاب التونسية الممثلة في البرلمان ترشيح أغلب نوابها لعضوية مجلس النواب، ليبلغ عدد النواب الطامحين للعودة عبر الانتخابات التشريعية المقبلة المقررة في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل أكثر من الثلث، من دون اعتبار ترشح العشرات على رأس قوائم مستقلة. وكشفت الهيئة العليا المستقلة عن القوائم الانتخابية المقبولة لخوض الانتخابات التشريعية، وبدأت في قبول الطعون حول القوائم المرفوضة لفترة تمتد على 22 يوماً، على أن يتم الإعلان عن القوائم التشريعية المقبولة بشكل نهائي في 30 أغسطس/آب الحالي، وذلك قبل انطلاق فترة الحملة الانتخابية في 12 سبتمبر/أيلول في الخارج و14 سبتمبر داخل البلاد، لتتزامن بذلك مع يوم الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المبكرة في 15 سبتمبر.
ويحق لأكثر من نحو 7 ملايين و66 ألف تونسي وتونسية مسجلين على دفاتر الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، التوجه للإدلاء بأصواتهم واختيار ممثليهم وعددهم 217 عضواً في مجلس النواب، في ثالث انتخابات تشريعية حرة وتعددية بعد الثورة (2011 و2014 و2019). وسينتخب التونسيون نوابهم في 33 دائرة انتخابية داخل تونس وخارجها، لولاية تمتد على خمس سنوات. ويبلغ عدد النواب الذين جددوا ترشحهم ما يناهز 80 نائباً، أعادت الأحزاب ترشيحهم على رأس قوائمها أو ضمن الأسماء الثلاثة الأولى، من دون الأخذ بالاعتبار النواب الذين تقدّموا على رأس قوائم مستقلة. وجددت حركة "النهضة" الثقة في 36 نائباً من 68 عضواً في الكتلة البرلمانية الحالية منهم 18 رئيس قائمة، فيما رشح حزب "نداء تونس" 3 نواب فقط على رأس قوائمه.
وجدد حزب "تحيا تونس" لـ14 نائباً فقط من 45 عضواً في كتلته، أما الائتلاف الوطني فاختار منهم 9 نواب فقط على رأس قوائمه، فيما جدد حزب "الأمل" الذي تتزعمه سلمى اللومي لتسعة نواب كانوا منتمين إلى "نداء تونس"، وجدد حزب "قلب تونس" بقيادة نبيل القروي لـ4 نواب أتوا من "نداء تونس" ومنحهم رئاسة القوائم. ورشح حزب "الجبهة التيار" بقيادة مرشح الرئاسة منجي الرحوي 9 نواب على رأس قوائمه، بينما جدد ائتلاف "الجبهة الشعبية" بزعامة حمة الهمامي لـ6 نواب. أما حزب "التيار الديمقراطي" بقيادة محمد عبو فقد جدّد لـ3 نواب، فيما رشح حزب "مشروع تونس" برئاسة محسن مرزوق 3 نواب، وجددت "حركة الشعب" الثقة لثلاثة نواب، وجدد حزب "آفاق تونس" لنائب وحيد كما رشحت قوائم "جمعية عيش تونسي" لنائب وحيد.
ورأى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية خالد قزمير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن إعادة ترشيح الأحزاب البرلمانية لنوابها لا يعني ضرورة نجاحها لاعتبارات انتخابية، مشيراً إلى أن الأقرب لعضوية البرلمان المقبل هم رؤساء القوائم من الناحية النظرية. ومن الناحية العملية فإن المخاض الانتخابي والسباق الميداني قد يبعد عدداً كبيراً من النواب عن العودة، بسبب ردة فعل الناخبين وغضب المتابعين لولاية مجلس النواب المنتهية بسبب أداء النواب، إلى جانب عوامل أخرى كعزوف الناخبين وحضور الأحزاب والقوائم وقدرتها على الإقناع. ولفت قزمير إلى أن إعادة مجموعة من النواب من منطلق التجربة البرلمانية والأعراف سيسهل انطلاقة عمل هياكل المجلس المنتخب حديثاً، وحتى لا يجد النواب الجدد أنفسهم أمام مؤسسة لا يعرفون سبل عملها واليات نشاطها التشريعي والرقابي.
من جهته، قال عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سفيان العبيدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مجلس الهيئة نظر في جملة القوائم الانتخابية المتقدمة للانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 6 أكتوبر المقبل وعددها 1581 قائمة وقرر قبول 1503 قوائم (1405 داخل البلاد و176 خارجها) بشكل أولي، 673 منها حزبية (590 داخل البلاد و83 خارجها) و312 ائتلافية (281 داخل البلاد و81 خارجها) و518 قائمة مستقلة (469 داخل البلاد و49 خارجها)، فيما قرر مجلس الهيئة رفض 78 قائمة (65 داخل البلاد و13 خارجها) بإمكان أصحابها الطعن لدى الهيئة.
وتعد دائرة سيدي بوزيد الأولى وطنياً لجهة عدد القوائم المرشحة، إذ أحصت الإدارة الفرعية لهيئة الانتخابات في هذه المنطقة ترشح 75 قائمة، تم قبول 73 منها أولياً ورفض قائمتين، في حين تُعدّ دائرة ألمانيا الأخيرة بعدد الترشحات، إذ أحصت الإدارة الفرعية للهيئة في ألمانيا ترشح 19 قائمة تم قبولها جميعاً أولياً.
ولفت العبيدي إلى أن هناك تحسناً في مستوى إعداد القوائم الانتخابية بما يترجم تطوراً في استعداد الأحزاب والقوائم مقارنة بالانتخابات الماضية، لافتاً إلى أن تراجع نسبة القوائم المرفوضة يؤكد ذلك. وأضاف أن من أسباب رفض القوائم الـ78 وجود أخطاء شكلية، منها غياب صفة الناخب لمرشحين ضمن هذه القوائم أو عدم استكمال الوثائق المطلوبة في ملف الترشيحات، مشيراً إلى أن آجال الطعون في قرار القوائم المقبولة أولياً لخوض الانتخابات التشريعية انطلقت الأربعاء الماضي حتى الإعلان عن القوائم المرشحة للاستحقاق التشريعي نهائياً يوم 30 أغسطس الحالي.
ومع انطلاق السباق الانتخابي الرئاسي، تقلص اهتمام الرأي العام ومتابعة التونسيين لتقدّم مسار الانتخابات التشريعية، لتتجه الأنظار نحو قصر الرئاسة في قرطاج خلال أسبوع تقديم الترشحات. وأرجع الخبير في مراقبة الانتخابات عبد الجواد الحرازي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، سبب تراجع منسوب اهتمام التونسيين بالتشريعية لصالح الاهتمام المتزايد بالمرشحين للرئاسية، للتزامن بين الاستحقاقين التشريعي والرئاسي، والذي فرضه ظرف وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي والدعوة لانتخابات مبكرة وسابقة لأوانها لتلافي الشغور الدستوري في منصب رئيس الدولة بعد 90 يوماً. وأضاف الحرازي أن عاملاً آخر يعود إلى تجذر اهتمام التونسيين بالرئاسة أكثر من البرلمان هو رزوح البلاد لعقود تحت نظام حكم رئاسي، إذ دارت السلطات والهالة حول شخص رئيس الدولة بما صعّب اليوم مع تغير نظام الحكم إلى برلماني معدّل، لتحويل جانب من مركز السلطة ومحور الاهتمام إلى السلطة التشريعية.
وانطلقت القوائم التشريعية في حملة انتخابية مبكرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى جانب استغلالها المنابر الإعلامية، بسبب تزامن الانتخابات وتواجد مرشحين وأحزاب في عمق المحطتين التشريعية والرئاسية، إما بوصفهم مرشحين أو في قيادة أحزابهم عبر تنظيم الاجتماعات الشعبية ونشر البيانات الانتخابية والتسويق في الأحياء والقرى والمدن. وحول مراقبة المرشحين وقوائمهم وأحزابهم، قالت المتحدثة الرسمية باسم هيئة الانتخابات حسناء بن سليمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن القانون الانتخابي يحجر خلال الفترة الانتخابية الإشهار السياسي والدعاية الانتخابية ونشر نتائج سبر الآراء والتعليق عليها، مشيرة إلى أن القانون يسمح لهيئة الانتخابات بفرض غرامات مالية على المخالفين من المرشحين، كما يمكن أن تأخذ الهيئة بعين الاعتبار المخالفات والجرائم الانتخابية التي قامت بها القوائم المرشحة في ما يتعلق بالموانع المنصوص عليها خلال بتها في النتائج النهائية. وأضافت أن القانون الانتخابي ينص على أن الهيئة تتثبت من احترام الفائزين لأحكام الفترة الانتخابية وتمويلها، ويمكن أن تقرر إلغاء نتائج الفائزين إذا تبين لها أن مخالفتهم لهذه الأحكام أثرت على نتائج الانتخابات بصفة جوهرية. ولفتت إلى أن الهيئة تتعاون مع مختلف الأطراف والهياكل لمراقبة نزاهة العملية الانتخابية على غرار هيئة الاتصال السمعي البصري والمحكمة الإدارية ومحكمة المحاسبات وغيرها، بالإضافة إلى مساهمة المجتمع المدني.