اغتيال هشام بركات يهزّ مصر...فرضيات قتل "نائب عام العسكر"

30 يونيو 2015
بركات أحد أهم أذرع النظام (فرانس برس)
+ الخط -
يمثل اغتيال النائب العام المصري، المستشار هشام بركات (65 عاماً) أمس الإثنين، عبر التفجير الذي استهدف موكبه في حي مصر الجديدة في القاهرة، اغتيالاً لأرفع شخصية سياسية في عملية غير مسبوقة منذ عقود. وأعلنت السلطات المصرية، وفاة بركات، "نائب عام العسكر" كما كان يلقبه كثيرون نتيجة الدور الذي أداه طوال السنوات الأخيرة، بعدما فشلت كافة محاولات إنقاذه، بعد إصابته بتهتك في الرئة والكبد والطحال والأنف وحروق وكسور بأنحاء متفرقة من جسده. كما أفاد المتحدث باسم وزارة الصحة، حسام عبد الغفار، إن تسعة آخرين أصيبوا في الهجوم، ونقلوا إلى مستشفيين للعلاج.

ولم تعلن جهة مسؤوليتها عن اغتيال بركات، الذي سيشيع اليوم الثلاثاء في جنازة عسكرية، سوى حركة شبابية، وسط تشكيك خبراء أمنيين في تورط الحركة، وترجيح وقوف تنظيم "ولاية سيناء" خلف العملية.
كما لم يتم حسم كيفية استهداف الموكب في ظل فرضيتين، الأولى أشارت إلى سيارة مفخخة والثانية عبوة ناسفة. وحده توقيت الاغتيال كان واضحاً إذ قبل يوم واحد من إحياء تلك الذكرى التي أعلنت الرئاسة المصرية إلغاء أي مظاهر للاحتفال.

اقرأ أيضاً هشام بركات: سنوات في خدمة النظام تنتهي بالاغتيال

بدأ بركات مشواره في "خدمة العسكر" قبل سنوات، وتحديداً بعد الثورة، بعد أن كان قد التحق بالعمل في ديسمبر/كانون الأول من عام 1973 كمعاون بالنيابة العامة، وتدرج في مواقع مختلفة في النيابة، انتقل بعدها للعمل القضائي في المحاكم ليعود بعد ذلك إلى النيابة العامة مجدداً.
ولم يكن أحد في مصر، يتوقع تعيين نائب عام مصري يثير الجدل، أكثر من المستشار عبد المجيد محمود، النائب العام السابق، الذي كان عزله ومحاكمته أحد أهم مطالب ثورة 25 يناير، إلى أن تم تعيين بركات، الذي تمت المطالبة مراراً بعزله ووصل الأمر إلى المطالبة بإعدامه. وتحول بركات لأحد أهم أذرع الانقلاب العسكري الذي يبطش بها بمعارضيه. وشهد عصره منذ توليه منصبه في 2 يوليو/تموز 2013، أكبر عدد من حالات الاعتقال السياسي، تخطت 50 ألف معتقل في السجون.
وبدأ بركات مشواره في "خدمة العسكر" بمذبحة إنسانية فظيعة، إذ أصدر إذناً للقوات المسلحة والشرطة بفض اعتصامي رافضي الانقلاب في رابعة العدوية والنهضة، وبالفعل نفذ الإذن في 14 أغسطس/آب 2013، ونتج عنه أكبر مذبحة في العصر الحديث لمتظاهرين "سلميين"، وصل عدد ضحاياها وفقاً لرصد منظمات حقوقية ومراقبين إلى نحو 3 آلاف وأكثر من 10 آلاف مصاب.
لم يكتف بركات بالتصديق على إذن عملية "الفض"، إذ أحال نحو ألف متظاهر من المعتصمين في الميدانين إلى المحاكمة في قضيتي فض اعتصام رابعة والنهضة. لكن تاريخ بركات في الوقوف إلى جانب النظام المصري، لم يكن حديثاً، إذ إنه كان يتولى في العام 2012 رئاسة المكتب الفني والمتابعة لمحكمة استئناف الإسماعيلية التابع لها محكمة جنايات بورسعيد التي كانت تنظر قضية "مذبحة بورسعيد" التي راح ضحيتها العشرات من رابطة مشجعي النادي الأهلي المعروفة باسم "الألتراس الأهلاوي". ورأى رجال قانون وقضاء أن بركات "أسهم في إفلات كافة القيادات العسكرية وفلول الحزب الوطني المنحل من قبضة العدالة التي وجهت لهم وقتها أصابع الاتهام في تدبير المذبحة".
كما شارك بركات في عملية تقديم الاتهامات للرئيس المصري المعزول محمد مرسي، وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، في قضية هروب المساجين من "وادي النطرون"، عندما كانت تنظر أمام دائرة بمحكمة جنايات الإسماعيلية.
كما يتهم المعارضون بركات بأنه تسبب في وفاة أكثر من 150 معتقلاً في السجون، نتيجة رفضه نقلهم للعلاج في المستشفيات. كما اتهمه هؤلاء بأنه ساعد في إعدام 6 من المتهمين في قضية "عرب شركس" التي قدم إليه بلاغات رسمية عنها من ذوي المنفذ فيهم حكم الإعدام بتواجدهم في المعتقلات قبل تنفيذ الجريمة التي أعدموا بسببها.
وفيما لم تعلن جهة مسؤوليتها عن الحادثة سوى حركة "العقاب الثوري"، إلا أن خبراء يقللون من تورط جماعات العنف الشبابية الجديدة، والتي يثار حولها علامات استفهام، في واقعة استهداف موكب النائب العام.
ويحتل منصب النائب العام بما لديه من صلاحيات وسلطات أهميةً لاستهدافه خلال الفترة الحالية من أطراف عدة.
وفي السياق، يقول خبير في الحركات الإسلامية، إن "هذا الاغتيال خطوة شديدة الخطورة، ولا سيما أنّ الدلتا لم تشهد مثل تلك العمليات الكبيرة منذ شهور". ويضيف الخبير، الذي طلب عدم ذكر اسمه، في حديثه لـ "العربي الجديد"، أن أصابع الاتهام تشير إلى تنظيم "ولاية سيناء"، باعتباره التنظيم الأقوى الذي ظهر على الساحة المصرية حتى قبل عزل مرسي.
ويلفت إلى أنه ما يعزز أن يكون "ولاية سيناء" المسؤول عن الحادث، هو استهدافه سيارة قضاة في العريش منتصف مايو/أيار الماضي، وإصدار التنظيم شريطاً مصوراً حول تنفيذه الواقعة، أمس الإثنين، قبل ساعات من استهداف موكب النائب العام.
على الرغم من ذلك يؤكد الخبير في الحركات الإسلامية أنه لا يمكن لأحد أن يجزم بأن "ولاية سيناء" هي المسؤولة أو غيرها حتى الآن، على الرغم من الحديث عن تبنّي حركة تسمى "المقاومة الشعبية" للحادثة. ويشير الخبير إلى احتمال وجود تنظيم جديد لديه خبرات واسعة أو قدرات هائلة من خلال أفراد شاركوا في حروب عصابات خارج مصر، وعادوا لنقل الخبرات والقيام بعمليات. كما يستبعد الخبير أن يكون أي من حركات العنف الشبابية التي يثار حولها علامات استفهام، متورطة في الواقعة، لأنها أكبر من قدراتها.
من جانبه، يقول الخبير الأمني، حسين حمودة، إن النظام الحالي والأجهزة الأمنية غير قادرة على حماية المسؤولين في الدولة منذ فترة طويلة. ويضيف حمودة لـ "العربي الجديد"، طالما أنهم غير قادرين على حماية المسؤولين "فكيف سيحمون المواطنين لو نزلوا إلى الشوارع في 30 يونيو هذا العام".
ويشير الخبير الأمني، إلى وجود ضعف كبير لدى الأجهزة الأمنية في التعامل مع أخطار الإرهاب، وما يقلق هو العودة لنفس سياسات العقود الماضية في التعامل مع العنف، بيد أنه بات مختلفا الآن تماماً.
خبير أمني آخر، يشدد على أن النظام الحالي بات في مأزق كبير، حيث عدم القدرة على حماية كبار المسؤولين في الدولة، وبهذه الطريقة يمكن أن تمتد سلسلة التفجيرات لمسؤولين آخرين خلال الفترة المقبلة. ويحذر من التهاون مع مواجهة العمليات الإرهابية في الدلتا بعيداً عن سيناء، التي لها طبيعة خاصة في التعامل. كما يرى أنه "بغض النظر عن الجهة التي تقف وراء الاغتيال، فإن استثمار الموقف سيكون في صالح النظام، وليس في صالح معارضيه".
من جهته، يقول الخبير السياسي، محمد عز، إن "النظام الحالي تلقّى صفعة كبيرة جراء هذا التفجير، ولا سيما أنه جاء متزامناً مع ذكرى 30 يونيو؛ والتي كان مقرراً دعوة الناس للنزول إلى الشوارع للمشاركة".

اقرأ أيضاً سياسيون: تفجير موكب بركات قبل 30 يونيو يفيد النظام
دلالات