مناورة التهدئة السورية:حسن نية من المعارضة وواشنطن تريدها دائمة

عدنان علي

avata
عدنان علي
07 يوليو 2016
C772DAA9-6530-4EB1-94B1-B8EE259ABE98
+ الخط -
مناورة جديدة لجأ إليها النظام السوري، أمس الأربعاء، مع إعلانه عن "هدنة" مؤقتة في جميع أنحاء سورية لمدة 72 ساعة، سرعان ما سجلت التطورات الميدانية خرقها من جانب قواته، مما يعني أن هذه "الهدنة" ولدت ميتة. مناورة جديدة أراد النظام من خلالها الظهور بمظهر "حسن النية"، وكذلك توجيه رسائل عدة إلى دوائر صنع القرار في الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، والتي لم تنتظر طويلاً حتى تعلن، على لسان وزير خارجيتها، جون كيري، عن ترحيبها بـ"الهدنة" من طرف واحد. هذا الترحيب الأميركي المستعجل بمناورة نظام بشار الأسد، يزيد شكوك كثيرين بشأن نوايا الهدنة، وخصوصاً أنها توحي بأن هذا النظام يريد إعطاء انطباع بأنه يتحكم بمجريات الأمور ولا يزال يمسك بزمام المبادرة، عسكرياً وسياسياً.
من جهته، فقد أعلن الجيش السوري الحر التزامه بوقف إطلاق النار. وجاء في بيان نُشر على حساب القيادي في الجيش السوري الحر محمد علوش، على "تويتر"، وفق وكالة "رويترز": "نعلن نحن الفصائل الثورية المسلحة في سورية، أننا نرحب بأي جهد لوقف إطلاق النار أيام عيد الفطر، وأننا سنلتزم به طالما التزم به الطرف الآخر".
وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" بياناً لجيش النظام، جاء فيه: "أعلنت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة عن تطبيق نظام تهدئة لمدة 72 ساعة في جميع أراضي الجمهورية العربية السورية بدءاً من الساعة الواحدة يوم 6 تموز/ يوليو ولغاية الساعة الـ 24 يوم 8 تموز/ يوليو 2016".
ورحب كيري بإعلان "النظام تهدئة" هذا، لكنه أعلن أنه يعمل مع روسيا وغيرها لتحويله إلى هدنة دائمة. وقال كيري للصحافيين خلال زيارة إلى جورجيا: "نرحب بشدة بإعلان الجيش السوري فترة من الهدوء في الاحتفال بالعيد، ونأمل كثيراً أن يتم احترامها من قبل جميع الاطراف". وأضاف "نحاول جهدنا أن نحوّل المناقشات الحالية إلى وقف للأعمال القتالية بشكل دائم، وقابل للتنفيذ والمحاسبة".

وسبق للنظام السوري أن أعلن عن هدن مماثلة في ما سبق، لكنها المرة الأولى التي يعلن فيها النظام تهدئة تشمل جميع مناطق البلاد. وكانت الهدنة الأبرز في سورية تلك التي أعلنتها موسكو وواشنطن في شباط/ فبراير الماضي، إلا أن قوات النظام خرقتها منذ البداية. وبعدما وصلت إلى درجة كبيرة من الهشاشة، أعلن الجانب الروسي، ما بات يُعرف بـ"نظام التهدئة"، في التاسع والعشرين من إبريل/ نيسان، وشمل حينها مناطق شمالي اللاذقية وريف دمشق، لفترات تراوحت بين 48 و72 ساعة، ثم توسعت لتشمل بقية المناطق.

وكان الإعلان عنها يصدر عادة من قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، والتي يدير منها الجيش الروسي عملياته العسكرية في سورية، وغالباً ما كان يتم ترتيبها بتنسيق روسي-أميركي، وهي دائماً لا تشمل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) ولا "جبهة النصرة". وعلى الرغم من الانتهاكات الواسعة التي تتعرض لها تلك الهدن، إلا أن راعيي الاتفاق لم يعلنا بعد رسمياً انهيار وقف إطلاق النار الذي توصلا إليه في شباط/ فبراير الماضي.


ويرى مراقبون أن النظام السوري يحاول بهذا الإعلان تسويق نفسه كصاحب قرار مستقل في الوضع العسكري، وأنه يمكنه فرض تهدئة أو إلغاؤها في الوقت الذي يريد. ويقول المحلل العسكري، العميد أحمد رحال، لـ"العربي الجديد" إن النظام أراد إعطاء انطباع أيضا بأنه يراعي الأعياد وسلامة المواطنين، لكن في الحقيقة هو يسعى من جهة أخرى إلى وقف انهيار جبهاته في حلب واللاذقية، حيث تعرض هناك لهزائم متلاحقة منذ أسابيع، وسط خلافات في المحور الداعم له والذي يضم روسيا وإيران ومليشياتها التي أرسلتها إلى سورية. ويتوقع رحال ألا يكون مصير هذه الهدنة أفضل من الهدن التي سبقتها، حتى وإنْ كان من المحتمل أن تخف وتيرة القصف الجوي من جانب طائرات النظام.

ويرى أن المغزى السياسي للإعلان يتمثل بأن النظام يريد إعطاء انطباع بأنه لا يزال يمتلك زمام المبادرة وله قرار مستقل، وذلك عقب تزايد اهتزاز صورته في الآونة الأخيرة بنظر أنصاره، وفي عيون المجتمع الدولي، بعد تعمد كل من روسيا وإيران إعطاء تلميحات وأحياناً تصريحات بأن لهما الكلمة الفصل حول ما يجري في سورية، وأن النظام مجرد تابع لأحدهما أو كليهما.

من جانبه، يقول عضو الأمانة العامة في "المجلس الوطني السوري"، عبد الرحمن الحاج، إن ما أعلنه النظام ليس سوى مجرد "دعاية ترويجية، لا قيمة لها لأنه لن يلتزم بها كما لم يلتزم في السابق بوقف قصف المدنيين". ويضيف الحاج في حديث لـ"العربي الجديد"، أن النظام يريد أيضاً "ترك انطباع بأنه يقف مع الشعب السوري في المناسبات والأعياد، على الرغم من أنه هو نفسه من أوقع السوريين بكل هذه النكبات ويعتبر أن غالبية الشعب من الإرهابيين"، مشيراً إلى أن "رسالة النظام من إعلان التهدئة لن تغير شيئاً على الأرض، لأن القوى المؤثرة خارجية بالدرجة الأولى".

وعلى الرغم من هذا الإعلان، إلا أن قوات النظام استهدفت بالقصف الجوي والمدفعي عشرات الأحياء والمناطق في أنحاء البلاد خاصة في حلب وريفها. وواصلت قوات النظام والطائرات الحربية الروسية، أمس الأربعاء، استهداف مناطق تسيطر عليها المعارضة السورية، إذ سقط قتلى وجرحى في حلب بقصف مدفعي، وتعرضت مناطق أخرى بالمحافظة لهجمات جوية. وأكدت مصادر محلية هناك لـ"العربي الجديد"، أن "عدد قتلى القصف المدفعي الذي استهدف حي المشهد صباح (أمس الأربعاء)، ارتفع إلى أربعة مدنيين، فيما أصيب نحو ثلاثين آخرين"، وجاء هذا الاستهداف، بالتزامن مع "إقامة صلاة عيد الفطر في مساجد حلب".

وبحسب المصادر نفسها، فقد طاولت الهجمات الجوية، فضلاً عن حي المشهد الذي سقط فيه ضحايا، مناطق أخرى بالمدينة، أبرزها حيا الأشرفية وبني زيد، وطريق الكاستيلو الاستراتيجي، والذي يُعتبر المنفذ الوحيد الرابط بين مناطق سيطرة المعارضة في المدينة وريفها. كما استهدف القصف الجوي بالبراميل بلدة العيس بريف المحافظة الجنوبي، والذي كان تعرض ليلاً لقصف مدفعي استهدف مناطق خلصة، زيتان، خام طومان، والقراصي وغيرها. وذكر مركز حلب الإعلامي أن عدة غارات استهدفت بلدة كفر حمرة وطريق حلب-غازي عينتاب الدولي، كما طاول القصف منطقة الملاح وبلدة عندان بريف حلب الشمالي.

إلى ذلك، ألقى الطيران قنابل عنقودية على منطقة الليرمون بمدينة حلب، في حين قصفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة بلدة اللطامنة بريف حماة الشمالي، فيما أغار الطيران على بلدة منطف بريف إدلب وأطراف مدينة أريحا بريف المحافظة.

وقد ثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان حدوث 204 مجازر في سورية خلال النصف الأول من عام 2016، 33 مجزرة منها حصلت في يونيو/ حزيران الماضي. وأشارت الشبكة في تقرير صادر عنها، يوم الأربعاء، إلى أنها اعتمدت توصيف لفظ "مجزرة" على الحدث الذي يُقتل فيه خمسة أشخاص مسالمين دفعة واحدة. وفصّل التقرير حدوث 105 مجازر على يد القوات الحكومية، و66 على يد قوات يزعم أنها روسية، و15 على يد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، و8 على يد فصائل المعارضة المسلحة، و5 على يد قوات التحالف الدولي، و5 مجازر على يد جهات مجهولة. ونالت محافظة حلب النصيب الأكبر من هذه المجازر بـ 61 مجزرة، تلتها إدلب بـ 33، ثم ريف دمشق بـ 27، ودير الزور بـ 28، وحمص بـ19، والرقة بـ 21، والحسكة بـ 4، وحماة بـ 4، ودرعا بـ 3، واللاذقية بـ 3، وطرطوس بـ 1.
كما وثقت الشبكة مقتل 2376 شخصاً في هذه المجازر، بينهم 654 طفلاً، و423 سيدة، مشيرة إلى أن الاستهداف في معظم تلك المجازر كان بحق السكان المدنيين.
وكانت المحافظات السورية قد شهدت خلال وقف الأعمال العدائية تراجعاً ملحوظاً وجيداً نسبياً في معدلات القتل، مقارنة مع الأشهر السابقة، لكن الخروقات لم تتوقف، وارتكبت بشكل رئيس من قبل النظام السوري، والذي أعاد مع القوات الروسية وتيرة القتل إلى ما كانت عليه قبل توقيع بيان الاتفاق.

ذات صلة

الصورة
لونا الشبل (تويتر)

سياسة

نعت رئاسة النظام السوري المستشارة لونا الشبل التي توفيت اليوم الجمعة بعد أيام من تعرضها لحادث سير نقلت على أثره إلى العناية المركزة
الصورة
مكتب نقابة محامي حلب 1972 (العربي الجديد)

سياسة

نتابع في الحلقة الثانية اعتقال أعضاء في نقابات سورية عام 1980 وجهود الإفراج عنهم حيث تم إطلاق سراح المحامين عام 1987 باستثناء ثلاثة منهم
الصورة
السوري محمد نور .. حياة بنصف ساق تزينها الابتسامة (العربي الجديد)

مجتمع

بساق واحدة، يقود محمد نور سيارته الصغيرة بمهارة عالية بمساعدة عكازه، ليصل بشكل يومي عند الساعة السابعة صباحًا إلى المنطقة الصناعية في مدينة إدلب
الصورة
توزيع أضاحي الهلال الأحمر القطري (العربي الجديد)

مجتمع

نفذ الهلال الأحمر القطري مشروع الأضاحي لمساعدة النازحين في شمال سورية وتخفيف الأعباء الكبيرة التي يواجهونها بعد سنوات من تركهم ديارهم.
المساهمون