تغييرات داخل قصر السيسي: إطاحة هادئة برئيس ديوان الرئاسة

04 ديسمبر 2019
شريف (الثالث من اليمين) خلال اجتماع للسيسي (العربي الجديد)
+ الخط -

يمضي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قدماً في تعظيم الاعتماد على القيادات العسكرية المنتمية للحرس الجمهوري في المناصب الحساسة، وآخر حلقات هذا التوسع تعيين قائد الحرس الجمهوري اللواء أحمد علي، في منصب رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، بدلاً من اللواء مصطفى شريف، الذي شغل هذا المنصب منذ مايو/أيار 2015 وحتى الآن. رحيل شريف جاء مفاجئاً وصامتاً، ولم يتم إعلانه رسمياً، على عكس خبر تعيينه الذي كان قد نُشر رسمياً لإعلان دخول ديوان الرئاسة مرحلة إدارة جديدة، رغم كونه أحد المتنافسين المعروفين على ثقة السيسي مع مدير مكتبه آنذاك، اللواء عباس كامل، الذي انتقل العام الماضي لإدارة جهاز المخابرات العامة. ولم يعرف المراقبون للأوضاع داخل النظام نبأ الرحيل إلا بعد غياب شريف في آخر مناسبتين ظهر فيهما السيسي، على عكس وجوده الدائم بجانبه في جميع المناسبات سابقاً، مما أثار علامات استفهام حول مصيره.

ولا توجد معلومة أكيدة في أوساط النظام الحاكم حول سبب رحيل شريف، الذي كان قبل اختياره رئيساً للديوان مساعداً لوزير الدفاع، وقبلها مديراً لإدارة شؤون الضباط، وهو من أهم المناصب الإدارية في الجيش، أدى من خلاله دوراً محورياً في السيطرة على الضباط الذين حاولوا إبداء آراء سياسية ضد سياسات المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي، وأشرف على استيعاب معظمهم وإعادة توجيههم. وقد تولى هذه المناصب كلها بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وقبل ذلك الحين كان شريف قائداً لفرقة في الجيش الثاني الميداني الذي أمضى فيه جل حياته المهنية. وبحسب مصادر مطلعة، فإن شريف عُرف منذ دخوله قصر الرئاسة بالتسلح بالعمل الجاد والمثابرة المستمرة في تنفيذ المهام الموكلة إليه على أكمل وجه، في ظل تعدد الجهات والشخصيات التي يعتمد عليها السيسي في مهام وملفات تتقاطع مع اختصاصاته، وكان من الشائع قبل صعوده للسلطة أن توكل لرئيس ديوان الرئاسة.

ولا يبدو هذا التقاطع والتراكب في الاختصاصات استثنائياً في ظل إحاطة السيسي نفسه بمجموعة من الشخصيات قد لا تكون لها وظيفة معروفة، لكنها تدخل دائرته كشخصيات مقربة ثم تكتسب وظيفتها الرسمية في توقيت لاحق، فهناك عباس كامل ومساعده المقدم أحمد شعبان، ونجل السيسي وكيل المخابرات العقيد محمود السيسي. وهناك أيضاً مدير مكتبه الحالي اللواء محسن عبد النبي الذي تمكن أيضاً من انتزاع بعض الاختصاصات من الآخرين. وإلى جانبهم، يبرز اسم مستشار الشؤون الأمنية الوزير السابق أحمد جمال الدين، وعدد آخر غير معروف من المستشارين المنتظمين وغير المنتظمين الذين جلبهم السيسي من بين الضباط السابقين في المخابرات الحربية.

وفي ظل تعدد تلك الشخصيات ومآربها، كانت الدوائر القريبة من قصر الاتحادية تصلها بين الحين والآخر شائعات كثيرة، ومعلومات موثقة قليلة، عن خلافات بين مصطفى شريف وعباس كامل تحديداً، بسبب توسيع كامل المطرد لصلاحياته واستحواذه حصرياً على بعض المهام التي كانت سابقاً، ووفقاً لطبيعتها الإدارية والبروتوكولية البحتة، تدار بواسطة رئيس ديوان الرئاسة، مثل التنسيق مع الأجهزة المختلفة لتنظيم زيارات السيسي الخارجية، واتخاذ الترتيبات البروتوكولية اللازمة، والتواصل مع الزعماء والسياسيين الأجانب، فضلاً عن ملفات التواصل الإعلامي وتوجيه الصحف والفضائيات وتنسيق المؤتمرات برعاية الرئاسة وحضور السيسي والبرامج والمبادرات الرئاسية، والتي استحوذ عليها كامل ومساعده شعبان منذ اللحظات الأولى لهما في قصر الرئاسة ويحتفظان بها حتى الآن.


وبحسب المصادر، فإن شريف كان يرفض دائماً أن يتحول لمجرد مسؤول بروتوكولي محدود الصلاحيات، فأشاع في فترة، عبر مقرّبين منه، وبالتزامن مع رحيل عباس كامل عن الرئاسة نظرياً وإسناد إدارة مكتب السيسي إلى محسن عبد النبي، بأنه كان يرغب في التقاعد وأن السيسي رفض ذلك لتمسّكه به إلى جانبه. ثم أشيع بعد أشهر عدة أنه بات على وفاق مع عبد النبي وأنهما يتصدّيان لتدخلات كامل وشعبان في بعض الملفات. لكن المصادر توضح أن شريف لم يكن شخصية تصادمية في أي مرحلة، رغم ما تحمله ملامحه من الصرامة والحسم.

وتذكر المصادر أيضاً أن شريف كان له موقف مساند لعبد النبي في النزاع الذي دار بينه وبين شعبان، بعد إدارة الأخير لمشهد استقبال السيسي عند عودته من اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر/أيلول الماضي، التي سبق أن أشار إليها مصدر سياسي برلماني موال للسيسي في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" عن خلفيات محاولة شخصيات عدة إزاحة شعبان، سواء من داخل الرئاسة أو الجيش أو بالمجال الإعلامي ممن يحاولون التقرب من السيسي وطرح أفكارهم عليه. وتقول المصادر إنه بعيداً عن تلك الخلافات، فإن هناك احتمالاً بأن يكون رحيل مصطفى شريف سببه صحي بحت، لتعرّضه مطلع العام الحالي لوعكة صحية أبعدته عن العمل أسابيع عدة، وخضع لفترات متقطعة للعلاج، وتم خلالها تعيين نائب له هو اللواء طيار أشرف الداودي، الذي كان محافظاً لقنا. ووفقا للمصادر، فإن إدارة مراسم حلف اليمين الدستورية للمحافظين ونوابهم، الأربعاء الماضي، كانت المهمة الأخيرة لمصطفى شريف، وفي اليوم التالي تسلّم قائد الحرس الجمهوري اللواء أحمد علي المسؤولية، وتم تعيين نائب له أيضاً، بينما تم تعيين اللواء مصطفى شوكت، قائد وحدات الصاعقة، في منصب قائد قوات الحرس الجمهوري.

وليس من باب المصادفة أن يعتمد السيسي على قائد الحرس الجمهوري السابق كرئيس لديوانه، بعد اختياره قائد الحرس السابق محمد زكي وزيراً للدفاع في يونيو/حزيران 2018، إذ تكشف المصادر أن السيسي وزكي منذ قبل اختياره لخلافة الفريق صدقي صبحي في القيادة العامة للجيش، قد أعدا خطة لإعادة هيكلة الحرس الجمهوري ورفع كفاءته مع تشديد إجراءات التأكد من الولاء للقيادة، وتم نقل نخبة من ضباط القيادات الوسطى إليه، مع منحهم مزايا مالية ووظيفية استثنائية، مما يحول الحرس الجمهوري إلى مفرزة لتصعيد قيادات بارزة على مستوى الجيش والسلطة التنفيذية.

وكان الرئيس المخلوع حسني مبارك قد بدأ نهج تصعيد قيادات الحرس الجمهوري في بداية التسعينيات من القرن الماضي، عندما صعّد حسين طنطاوي لرئاسة هيئة العمليات ثم اختاره وزيراً للدفاع عام 1991، ثم اختار مجدي حتاتة ليصبح رئيساً لأركان القوات المسلحة عام 1995، وكذلك فعل مع حمدي وهيبة الذي صعّده كقائد للجيش الثاني ثم رئيساً للأركان عام 2001، لكنه لم يكرر هذا في العقد الأخير من حكمه. ووصل محمد زكي لقيادة الحرس الجمهوري في أغسطس/آب 2012 بقرار من الرئيس المعزول محمد مرسي ليبقى فيه 6 سنوات حتى اختياره وزيراً للدفاع.