وبحسب المصادر التي تحدثت مع "العربي الجديد"، فإنّ بعض الشخصيات القريبة من السيسي، وعلى رأسهم الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا، مستشارته للأمن القومي، تدفع بشدة في اتجاه اتخاذ بعض الإجراءات لتخفيف وقع القرارات الاقتصادية السابق اتخاذها منذ عام 2016، بدءاَ من تعويم الجنيه، على المواطنين البسطاء. ووفق المصادر، فإنّ ذلك يأتي إيماناً من هذه الشخصيات بأنّ الانتفاضة الشعبية التي بدأت في 20 سبتمبر/أيلول الماضي وما زالت تلقي بظلالها على المشهد السياسي والميداني حالياً، قد "أنهت أسطورة أنّ الشعب سيتحمّل للأبد الأوضاع المعيشية الصعبة"، والتي ترتبت على قرارات السيسي واقتراضه المستمر، خصوصاً في ظلّ انتشار المعلومات عن الفساد المالي الكبير في مشاريع الرئاسة والجيش، والرفاهية التي يتمتع بها الرئيس الحالي وأفراد أسرته، منذ انتشار فيديوهات المقاول والممثل محمد علي مطلع شهر سبتمبر الماضي.
وتتبنى هذه الشخصيات المقربة من السيسي رؤية مفادها بأنّ دلالات أعمار ومهن والحالة الاجتماعية للمواطنين الذين تم اعتقالهم في الانتفاضة الأخيرة، وانتشار مقاطع الفيديو المحرضة على التظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تؤكّد أنّ الشرائح الاقتصادية الأدنى التي كان السيسي يراهن على عدم تحركها، أصبحت أكثر قابلية للاشتعال والحراك ضده من الطبقة الوسطى بشرائحها المختلفة، والتي كانت في طليعة الحراك الثوري ضدّ الرئيس المخلوع حسني مبارك في يناير/كانون الثاني 2011.
وأوضحت المصادر أنّ هناك نقاشات في الدائرة المصغرة للسيسي داخل القصر الرئاسي حول ضرورة الانطلاق نحو قرارات اقتصادية جديدة، تخفف الأعباء عن المواطنين، وعدم الاكتفاء بالآليات الحالية التي بدأ النظام استخدامها، كتخفيض أسعار البنزين والغاز بواسطة آلية التسعير التلقائي، وإعادة قيد مليون و800 ألف مواطن في منظومة التموين الجديدة، وضم نحو 270 قرية لنطاق مبادرة "حياة كريمة" لإصلاح المرافق، وزيادة المشمولين بمعاش "تكافل وكرامة".
وتتجه هذه النقاشات نحو ضرورة اتخاذ "إجراءات حماية اجتماعية أكثر مؤسسية واستمرارية، مع تحقيق التوازن بينها وبين الأعباء المترتبة على الدولة جراء الاقتراض"، إذ يرى أصحاب هذه الرؤية، وكذلك السيسي، أنّ الحكومة الحالية تفشل في تقديم حلول جذرية لتخفيف الضغط على النظام، وعلى حد تعبير المصادر "لا تتمتع بالخيال الكافي لاستحداث حلول من خارج الصندوق".
ومن توابع الحراك الشعبي الأخير أيضاً، ظهور رؤية في دائرة السيسي بضرورة "إبطاء" البرنامج الحكومي المعلن لتقليص عدد العاملين بالدولة، مع إعادة النظر في المعاشات المبكرة للعاملين بشركات قطاع الأعمال العام، والتركيز في الإعلام على المشاريع الخاصة بالصحة والتعليم بدلاً من مشاريع الطرق والنقل والعاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة التي لا يشعر المواطنون بآثارها "الإيجابية"، حسب وصف المصادر.
وكشفت المصادر أنّ هناك أسماء مطروحة بالفعل أمام السيسي لاختيار بعضها والتواصل معها وعرض رئاسة الحكومة عليها، موضحةً أن بعض هذه الأسماء كانت تتولى حقائب وزارية ووظائف قيادية كبرى في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى جانب بعض محافظي البنك المركزي السابقين، فيما يبرز من الوزراء الحاليين فقط اسم وزيرة التخطيط هالة السعيد.
كذلك، ذكرت المصادر أنّ بعض هذه الأسماء تمّ التواصل معها سابقاً، في عهد السيسي، لتقديم خدمات استشارية لمؤسسات حكومية مختلفة، منها رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، لكن السيسي ودائرته لم يفكروا من قبل في إسناد حقائب وزارية لها نتيجة عدم الثقة فيها بصورة كاملة على المستوى السياسي، الأمر الذي يبدو قيد التغيير الآن.
يذكر أنّ بعض المقربين من السيسي نصحوه بعدم التعجل في إجراء التعديل الوزاري حتى لا يظهر وكأنه يتصرّف تحت الضغط، انطلاقاً من نفس فكرة من يقنعونه بعدم اتخاذ أي خطوات لتحقيق انفتاح في المجال السياسي. لكن ما أدى إلى انزواء هذه الرؤية، أنّ السيسي نفسه كان يرغب في إجراء التعديل منذ مايو/أيار الماضي، نتيجة غضبه من سوء أداء الوزراء وخروج بعضهم بتصريحات اعتبرها "غير مقبولة" عن انخفاض التمويل الحكومي لمشروعات تطوير التعليم والصحة، وتكليفه المخابرات العامة والرقابة الإدارية منذ ذلك الوقت برفع تقارير كل أسبوعين للرئاسة عن أداء الوزراء. وهي الأزمة التي لا تزال نتائجها بادية في عدم نشر وسائل الإعلام المحلية الموالية للسيسي أسماء وصور جميع الوزراء كقاعدة عامة، عدا رئيس الحكومة ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، كنوع من التأديب لهم على التجرؤ بالتصريح من دون استشارة دائرته مسبقاً، ولمنع حصول الوزراء على أي قدر من الشعبية.