العتبة الانتخابية... سجال انتخابي جديد بين الأحزاب المغربية

01 مايو 2016
تشهد الساحة المغربية سجالاً انتخابياً باكراً (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -
تتصاعد حدّة النقاشات السياسية والحزبية في المغرب على الرغم من المدّة الزمنية التي تفصل البلاد عن موعد تنظيم الانتخابات التشريعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ولعل آخر هذه التباينات ما أثاره موضوع "العتبة الانتخابية" من سجالات وتجاذبات بين العديد من الأحزاب. و"العتبة الانتخابية" البالغة حالياً 6 في المئة، هي الحد الأدنى من الأصوات المحصّل عليها في الانتخابات البرلمانية، وهو ما يشترطه القانون على كل حزب لتأمينه حتى يتمكّن من الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في أي دائرة انتخابية. وبالتالي، فإنّ الحزب الذي يحصل على أقل من هذه "العتبة"، لا يُسمح لمرشحيه دخول المنافسة للفوز بالمقاعد.

وتباينت مواقف الأحزاب السياسية بالمغرب حيال موضوع "العتبة الانتخابية"، إذ طالبت الأحزاب الكبيرة برفع العتبة الانتخابية لتصل إلى 8 في المائة من الأصوات المضمونة، على اعتبار أنّ ذلك سيمنع ما تسميه هذه الأحزاب "توسيع رقعة المشهد السياسي" في البلاد. في المقابل، اعتبرت أحزاب صغيرة أن تخفيض أو إلغاء "العتبة الانتخابية" يعدّ مطلباً ضرورياً وملحّاً، لأن ذلك من صلب الديمقراطية الحزبية في البلاد، التي تتيح لجميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات البرلمانية من دون سقف محدد أو عتبة تضع شروطاً للمشاركة وقبول الأصوات.

ودافع حزب "العدالة والتنمية" الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي عن إبقاء العتبة الانتخابية في حدود 6 في المائة أو رفع هذه النسبة، بدعوى أنّ تخفيضها أو التراجع عنها يؤدي إلى التقسيم والغموض داخل المشهد الحزبي والسياسي بالبلاد. فيما اقترح حزب "الاستقلال" المعارض رفع العتبة الانتخابية إلى 10 في المائة، بينما دعا حزب "التقدم والاشتراكية"، المشارك في الحكومة، إلى تخفيض العتبة لحدود 3 في المائة. وطالب كل من حزب "الاتحاد الاشتراكي" المعارض، و"اليسار الاشتراكي الموحد"، غير الممثل في البرلمان، إلى إلغاء "العتبة". أمّا وزارة الداخلية المغربية قرّرت تخفيض العتبة الانتخابية من 6 إلى 3 في المائة.

في هذا السياق، يرى مراقبون أنّ تخفيض "العتبة الانتخابية" قد لا يكون لصالح الأحزاب الكبيرة، مثل "العدالة والتنمية"، و"الاستقلال"، و"الأصالة والمعاصرة"، مشيراً إلى أنّه قد يؤدي ذلك إلى تشتيت للأصوات. وبالتالي، سيصل إلى البرلمان أكبر عدد من الأحزاب، وقد يفضي كل هذا إلى تعقيد التحالفات الحكومية، ويفرز أغلبية حكومية غير مريحة تفتقد للانسجام، وفقاً لهؤلاء المراقبين.



ويؤكد رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية، محمد بودن، أنّ موضوع "العتبة" يرتبط بالسلوك التشريعي والمناخ السياسي، وبعض التوازنات السياسية والحزبية، مبرزاً أن "العتبة تكون دائماً متمّما ومعدِّلا للتشريع الانتخابي". ويوضح أن "التعديل المتعلق بالعتبة التي يتضمنها مشروع القانون التنظيمي 20/16 الذي سيعدل ويتمم القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب 27/11، سيفسح المجال أمام فاعلين حزبيين جدد للوصول إلى مجلس النواب". ويرى بودن أنّ هذه العملية ستؤثر على عدد الأحزاب الممثلة بمجلس النواب التي قد تتجاوز الـ20 حزباً، كما ستساهم في رسم نتائج متقاربة على مستوى الصدارة من دون مفاجآت أو فوارق كبيرة".

ويعتبر المحلل السياسي ذاته، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تخفيض العتبة إلى 3 في المائة، هو من جهة عامل سيعرض المشهد السياسي لتوسيع رقعة الممارسة أو ما يسميه البعض "البلقنة"، وهذا المعطى يؤثر على التجانس والتضامن، لكنه يضمن، في الوقت عينه، نصف حل لعدم هيمنة الأحزاب الكبرى التي ظلت متشبّثة بنسبة 10 في المائة. وحتى على مستوى اللائحة الوطنية، يضيف بودن، فإن "تخفيض العتبة الانتخابية سيتجاوز إشكالية إعطاء الأفضلية لنساء وشباب في الأحزاب الكبرى والمتوسطة، وبالتالي لن يكون المقعد في اللائحة الوطنية رهيناً بالحصول على ما يزيد عن 400 ألف صوت".

ويشير إلى أن "هذه العتبة الانتخابية المضمونة في مشروع القانون التنظيمي للانتخابات، لن تسمح ببناء أقطاب سياسية، بل ستحيي أمل أحزاب ظلّت غائبة مدة طويلة عن المشهد السياسي في البلاد". ويوضح أنّ "أي مطلب مرتبط بالعتبة، في هذه الآونة، سيعكس موقع أي حزب في المشهد السياسي، ومؤشرات المصلحة"، مضيفاً أنّ "هذا المؤشر الجديد القديم المتعلق بالعتبة سيفتح المجال أمام تركيبة اجتماعية ـ مهنية، ويقسّم أصوات الدوائر التي يظهر أنها محسومة سلفاً".