أفكار أميركية معارضة لمقاربة ترامب حول الأزمة الكورية

15 أكتوبر 2017
خشية من انسحاب ترامب من الاتفاق النووي(منديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -

تتوالى التحذيرات لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من اللجوء للخيار العسكري في الأزمة الراهنة مع كوريا الشمالية،فيما يتصاعد التوتر إزاء البرنامجين النووي والصاروخي لبيونغ يانغ التي يرجّح أنها تستعد لإطلاق صاروخ بالستي قادر على ضرب الأراضي الأميركية، قبيل مناورات بحرية أميركية-كورية جنوبية مشتركة مرتقبة الأسبوع المقبل.

وفي السياق، حذرت مساعدة مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، إفريل هاينس، من مخاطر إقدام الولايات المتحدة على تنفيذ ضربة عسكرية استباقية ضد أهداف محدودة في كوريا الشمالية، لإقناع نظام كيم جونغ أون بأن إدارة ترامب جاهزة للجوء إلى الخيار العسكري في حال استمرت بيونغ يانغ بالقيام بتجارب نووية وبتطوير منظومتها الصاروخية البالستية. ورأت هاينس أن عواقب تنفيذ مثل هذه الضربة ستكون كارثية على شبه الجزيرة الكورية وعلى حلفاء الولايات المتحدة كما على الشعب في كوريا الشمالية.

كلام المسؤولة الأمنية الأميركية السابقة جاء في ختام مؤتمر نظمه معهد بروكينغز للأبحاث في واشنطن، خُصص لبحث الخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة للتعامل مع كوريا الشمالية. وتضمّن خطاب هاينس مجموعة من التوصيات والاقتراحات، تستبعد الخيار العسكري، خرجت بها بعد متابعتها لجلستي نقاش، شارك فيهما مسؤولون أميركيون سابقون وخبراء في الشؤون الآسيوية. تناولت الأولى شخصية الزعيم الكوري كيم جونغ أون والأوضاع الداخلية في كوريا الشمالية، فيما ركزت الجلسة الثانية على كيفية الاستفادة من تجارب أخرى مماثلة للأزمة مع بيونغ يانغ كانت قد واجهتها الإدارات الأميركية السابقة، كأزمة الصواريخ مع كوبا مطلع الستينيات في عهد الرئيس الراحل جون كينيدي، أو المفاوضات حول الملف النووي الإيراني التي بدأت بسرية عام 2011 في سلطنة عمان بين الطرفين الأميركي والإيراني، قبل أن تنتقل إلى فيينا مع جولات التفاوض الماراتونية التي أجراها ممثلون عن الدول الست الكبرى مع الوفد الإيراني.

ومن التوصيات التي اقترحت هاينس أن تقوم بها إدارة ترامب، وقف الحرب الكلامية مع كيم جونغ أون لتجنّب مخاطر سوء الفهم والحسابات الخاطئة التي يمكن أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة في شبه الجزيرة الكورية. كذلك حذرت من الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وقالت إن ذلك سيزيد من صعوبة إقناع النظام الكوري الشمالي بالتفاوض مع الولايات المتحدة، وفي حال موافقته على ذلك سيكون عدم التزام ترامب بالاتفاق مع إيران الذي وقّع عليه أوباما ورقة ابتزاز تفاوضية لصالح الكوريين سيستخدمونها من أجل نيل الاعتراف بهم كقوة نووية ورفض البحث في مسألة تجميد البرنامج الكوري النووي. والأرجح أن موقف روسيا والصين، اللتين ستكونان على طاولة المفاوضات المفترضة، سيدعم موقف كوريا الشمالية لأنهما أيضاً من الموقّعين على الاتفاق النووي مع إيران الذي يبدو أن ترامب متجه لإلغائه.

وأشادت المسؤولة الأمنية في إدارة أوباما بجهود الإدارة الحالية على صعيد تشديد العقوبات المالية، ودعت إلى استمرار هذه الجهود وتنسيقها بالكامل مع الحلفاء في اليابان وكوريا الجنوبية وبالأخص مع الصين، إذ لا ترى هاينس أي إمكانية لحل الأزمة الكورية إلا بمشاركة فعالة من بكين التي باتت تدرك، ربما أكثر من أي وقت مضى، أن إيجاد حل سلمي للأزمة الكورية هو أكثر السيناريوهات انسجاماً مع المصالح الصينية الاستراتيجية. فالصين ستكون أكبر الخاسرين في حال اندلاع مواجهة عسكرية على حدودها مع كوريا الشمالية، من غير المستبعد أن تتحول إلى حرب نووية. كما أن نجاح كوريا الشمالية في امتلاك سلاح نووي وانتزاع اعتراف دولي بها كدولة نووية، سيهدد بالدرجة الأولى الطموحات الصينية الإمبراطورية وحدود زعامتها الآسيوية.
واقترحت هاينس أفكاراً عامة يمكن طرحها على طاولة المفاوضات عند البحث في حل نهائي للأزمة الكورية، ومنها مسألة الوحدة بين الكوريتين ونزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية وتقليص التواجد العسكري الأميركي هناك.


وفي موازاة حملة الضغوط الاقتصادية والحصار المالي المحكم على نظام كيم جونغ أون، اقترحت المسؤولة الأميركية تقديم المساعدات الإنسانية للشعب الذي يعاني من الجوع والقمع، كما طالبت بتسليط الضوء أكثر على انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها النظام الكوري الشمالي ضد شعبه من أجل البقاء في السلطة. ودعت إلى استخدام الإنترنت وتطور تقنيات التواصل الاجتماعي من أجل إطلاع الشعب الكوري، الممنوع من الاتصال بالعالم الخارجي، على حقيقة ما يجري في هذا العالم.

وخلال جلسات المؤتمر، قدّمت الباحثة الأميركية من أصول كورية، المسؤولة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية، جونغ إتش باك، ورقة عن ميثولوجيا الحكم والزعامة في كوريا الشمالية، وأجرت مقارنة بين شخصية الزعيم الشاب كيم جونغ أون، الذي تشرّب الثقافة الغربية واعتاد على نمط الحياة الغربي، وبين جده مؤسس "جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية" (كوريا الشمالية) كيم إيل سونغ. ورأت أن الزعيم الشاب يسابق الزمن من أجل امتلاك السلاح النووي وتحقيق ما فشل أبوه وجده في تحقيقه لإثبات شرعية زعامته وضمان استمرار النظام في العقود المقبلة. وذلك يفسر نزوعه نحو العنف ومسارعته إلى قمع المعارضين والخصوم وخصوصاً أفراد عائلته.

وفي المحور نفسه، قدّمت جين لي، المتخصصة بالشؤون الآسيوية والمديرة السابقة لمكتب "أسوشييتد برس" في بيونغ يانغ، مشاهداتها عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في كوريا الشمالية، فأشارت إلى التفاوت الكبير بين حياة ملايين الكوريين الفقراء الذين يعيشون في الأرياف والمناطق البعيدة عن العاصمة، وبين حياة أقلية من أتباع النظام وأزلامه الذين يقطنون أبنية وأبراجاً حديثة في بيونغ يانغ. لكن الباحثة الكورية الأصل استبعدت قيام "ربيع" لإسقاط نظام كيم جونغ أون، بل أشارت إلى بعض الظواهر في بيونغ يانغ يمكن تسجيلها في رصيده، وهي بالإضافة إلى أحلامه النووية، حماسته لنشر تكنولوجيا المعلومات في أوساط الشباب والأجيال الجديدة من تلامذة المدارس.

من جهته، استعرض جاك سيلفان، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس السابق جو بايدن، تجربته كعضو في الفريق الأميركي الذي عقد مفاوضات سرية مع مسؤولين إيرانيين في سلطنة عمان، فأشار إلى الصعوبات الكبيرة والكثيرة التي تمكّن المفاوضون من تجاوزها وتوصلوا إلى اتفاق وضع حداً للخطر النووي الإيراني. وقال إنه لا يستبعد أن يتكرر السيناريو نفسه في ملف كوريا الشمالية، مبدياً استغرابه من موقف إدارة ترامب التي تريد أن تفتعل أزمة نووية مع إيران في الوقت الذي تحاول فيه التوصل لاتفاق نووي مع كوريا.

أما دايفيد كوهين، وكيل وزارة الخزانة في عهد أوباما، والمسؤول السابق عن مكافحة تمويل الإرهاب والذي شارك في مفاوضات فيينا مع الإيرانيين، فأشار إلى أن نتائج العقوبات الاقتصادية والمالية على كوريا الشمالية لن تظهر سريعاً، لكنه أكد أن نتائجها مضمونة بعد حين. ولفت إلى الدور الذي لعبته العقوبات الاقتصادية في تأليب الرأي العام الإيراني ضد النظام الذي اضطر إلى التراجع والتخلي عن مساعيه لامتلاك سلاح نووي.


المساهمون