مسقط رأس الطيار الأردني.. من الهامش إلى الفاجعة

04 فبراير 2015
بيوت القرية متهالكة (العربي الجديد)
+ الخط -
طالعتني مدينة الكرك (140 كيلومتراً جنوب العاصمة الأردنية عمّان)، عندما دخلتها يوم الأربعاء، بصمت جنائزي، كان يتعمق كلما اتجهت غرب المدينة قاصداً لواء عي مسقط رأس الطيار الأردني الملازم أول معاذ الكساسبة، الذي أعدمه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، مساء الثلاثاء الماضي حرقاً.

كان يسبقني أهل المدينة الذين أوقفهم للسؤال عن الطريق إلى عي، بالجواب "رايح ع عي خليك دغري (مستقيم)" أو "اذهب يمين" وأحياناً "يسار"، وتأتي الإشارة في بعض المرات "من نا من نا (من هذا الاتجاه)"، وكأنهم من هول الفاجعة يعتقدون أن كل من يتحرك في الطريق وجهته عي، حيث بيت عزاء الكساسبة.

شواخص المرور ترشدني إلى القرية، وكلما اجتزت شاخصة معتقداً أن الوصول بات قريباً، لاقتني أخرى، وأخرى، لأعرف لاحقاً أن القرية تبعد نحو (20 كليومتراً) عن مركز المدينة، ويحملني إليها طريق كلما أقترب منها يصبح أكثر رداءة، ويضيق وتتزاحم فيه الحفر ويصبح الإسفلت شحيحاً، ما يشير إلى واقع قرية منسية.

البيوت المتهالكة تلوح في البعيد، حين أشار بيده السبعيني أبو ياسين الرواشدة، أحد أفراد عشيرة البرارشة التي تنتمي إليها عشيرة الطيار الكساسبة، ليرشدني إلى القرية، دعا بصوت مرتفع "الله يرحمه.. الله يصبر أهله.. الله يجعل مثواه الجنة"، قاصداً معاذ.

على مشارف القرية كانت غالبية المحال مغلقة، وكان حداد عام قد أعلن في المكان، ودوريات السير تنظم قوافل السيارات التي خلقت ازدحاماً ربما سيؤرخ في تاريخ القرية، وكلما سألت عن مكان بيت العزاء، أجاب من أسألهم "الله يرحمه من هون".

تفضح بيوت القرية المتهالكة في غالبها واقع سكانها، الذين يعيشون في كفاف، ويجد من تبقى من أهلها الذين يتناقصون نتيجة هجرتها إلى مناطق أكثر تطوراً داخل المدينة، في الجيش ملجأ مناسباً يوفر لهم دخلاً معقولاً.

في منتصف القرية نصبت خيام العزاء الفارهة لاستقبال الرجال، وضاقت الخيام على اتساعها بقوافل المعزين، وإلى مقربة منها تحول بيت والد الطيار إلى مقر لعزاء السيدات، تقول إحداهن متأسفة "في هذا البيت احتفلنا قبل ست سنوات بدخول معاذ إلى الجيش"، وكان الجيش حاضراً في عزاء ابنه، حافلات الجنود تأتي وتغادر، ليأتي غيرها.

خلال سنوات مضت كانت القرية تستسلم للنسيان والتهميش، قبل أن تتلقى دفعة تعيدها إلى الذاكرة، لكنها دفعة دامية، أو محترقة، لتبقى القرية حاضرة ولو موسمياً في أذهان الأردنيين كلما تذكروا طيارهم، وقالوا "الشهيد معاذ من عي".

المساهمون