المعارضة التركية تتنافس على أصوات الأقليات

15 ابريل 2015
دميرتاش شنّ حملة ضخمة ضد الحزب الحاكم (فرانس برس)
+ الخط -

على غير ما جرت العادة، تلعب الأقليات الدينية والإثنية في تركيا دوراً هاماً في الانتخابات البرلمانية المقبلة، سواء على مستوى توزيع أصواتها أو على صعيد عدد المقاعد البرلمانية، يكاد يكون الدور الأقوى لها منذ العهد الأول لتأسيس الجمهورية التركية في العام 1923.

وفي تطور هام على المستوى السياسي الداخلي، بدت الأحزاب السياسية التركية هذه المرة، أكثر انفتاحاً على الأقليات التي لطالما استُبعدت من العمل السياسي، إذ شملت قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية، العديد من الأسماء ذات الأصول اليونانية والأرمنية واليزيدية والغجر والعلويين، مما قد يرفع نسبة نواب هذه الأقليات في البرلمان التركي المقبل.

لطالما تعاملت الثقافة السياسية في تركيا مع الأقليات على أنهم مواطنون أتراك يحق لهم دخول العمل السياسي، لكن بعد إنكار هويتهم الثقافية الإثنية أو الدينية، إذ كان يدخل الأكراد والأرمن والعلويون البرلمان، لكن من دون أن يستطيعوا أن يتحدثوا عن القضية الكردية أو المجازر التي ارتُكبت بحق الأرمن أو الدفع باتجاه الاعتراف الرسمي ببيوت الجمع، وهي أماكن عبادة العلويين، ولم يتم كسر هذه القاعدة إلا بعد الإصلاحات التي قادتها حكومة "العدالة والتنمية" لجهة الحريات، وقرارها العمل على إيجاد حل سياسي للقضية الكردية، لتبقى مشاكل باقي الأقليات تراوح مكانها.

وبينما ركّز "العدالة والتنمية" على الأقليات المسلمة من أكراد وغجر، لم تحتوِ قائمة مرشحيه سوى على مرشح أرمني واحد هو الصحفي ماركار إسيان، في اختيارٍ بدا مكافأة للأخير الذي اتخذ الكثير من المواقف دفاعاً عن سياسات الحزب، أكثر منها سياسة موجّهة للأقليات. وبدت المعارضة التركية ممثلة بكل من حزب "الشعب الجمهوري" وحزب "الشعوب الديمقراطي"، في تنافس محموم على أصوات الأقليات وبالذات العلويين والأرمن واليونانيين.

وفي سعيه لزيادة نسبة ناخبيه في الغرب التركي إضافة إلى قاعدته الشعبية من القوميين الأكراد في شرق تركيا، احتوت قائمة حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني) على ثلاثة من الأرمن، وهم غارو بايلان (عضو اللجنة المركزية للحزب) وكل من مراد ميحجي، وأولو كبِنلي، إضافة إلى يزيديَين اثنين، هما علي أتالان وفلك ناز أوجا، وأول نائب سرياني عن مدينة ماردين في البرلمان التركي إرول دورا.

وكانت المفاجأة الكبرى من قِبل أكبر أحزاب المعارضة (حزب الشعب الجمهوري)، الذي يعيش صراعاً كبيراً بين الحرس الكمالي القديم والحرس الجديد اليساري بزعامة كمال كلجدار أوغلو، إذ احتوت لائحته على الكثير من المرشحين العلويين، ومرشحة أرمنية هي سيلينا أوزوزون دوغان على رأس مرشحيه للدائرة الثانية في مدينة إسطنبول، مما أثار الكثير من الخلافات بين أنصار "الشعب الجمهوري"، وخصوصاً أن زوج سيلينا هو المحامي المعروف إدرال دوغان الذي يتهم الجمهورية التركية بالقيام "بإبادة جماعية" للأرمن، في بداية القرن الماضي.

ويعني انتخاب أي من المرشحين الأرمن، عودة الأرمن إلى قبة البرلمان التركي بعد أكثر من خمسين عاماً على آخر تواجد لهم فيه، عندما كان بيرج ساهاك توران نائباً خلال فترة 1961-1964، إذ إنه لم يتجاوز عدد نواب الأقليات غير المسلمة في تاريخ الجمهورية التركية أكثر من 24 نائباً.

اقرأ أيضاً: أردوغان يتهم حزب "الشعوب" الكردي بالتواطؤ مع "الكردستاني"

وفي الوقت الذي تبدو فيه قاعدة "العدالة والتنمية" المتديّنة المحافظة بعيدة عن أي محاولات لجذبها من قبل أحزاب المعارضة الرئيسية، يبدو أن الصراع الأهم سيجري في هذه الانتخابات، بين "الشعب الجمهوري" وحزب "الشعوب الديمقراطي" الذي يسعى لجذب أصوات العلويين والكتلة اليسارية.

وكان "الشعوب الديمقراطي" يكتفي في الانتخابات السابقة بالحصول على أصوات القوميين الأكراد، التي تُشكّل حوالي خمسة إلى ستة في المائة من أصوات الناخبين، وكان مرشحوه يخوضون الانتخابات كمستقلين لتفادي حاجز 10 في المائة، ولكنه غيَّر استراتيجيته في هذه الانتخابات وقرَّر أن يخوضها بقائمة حزبية، إثر النجاح الذي حققه رئيسه صلاح الدين دميرتاش، بحصوله على ما يقارب 10 في المائة في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في أغسطس/آب العام الماضي.

لكن أصوات القوميين الأكراد لا تكفي "الشعوب الديمقراطي"، وبدل الانفتاح على المتدينين الأكراد وإجراء مصالحات معهم، سواء من يصوّت لـ"العدالة والتنمية" أو من يصوت لحزب "الدعوة الحرة" (سلفي كردي)، اختار الحزب الانفتاح على تيارات أخرى تكون قريبة من رؤيته، وهي الجماعات العلوية والمجموعات اليسارية المنزعجة من سياسات "الشعب الجمهوري".

وفي هذا الإطار، التقى دميرتاش وفداً من اتحاد العلويين في أوروبا، وأكد أحد أعضاء الوفد الذي جاء من ألمانيا، أن العلويين يرون أن تجاوز حزب "الشعوب الديمقراطي" حاجز 10 في المائة أمر بالغ الأهمية "لكي لا تتحقق دكتاتورية (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان والسلطنة التي يسعى إليها، ولكي لا تكون المرحلة المقبلة سوداء مثل السنوات الــ12 الأخيرة، ولكي لا يموت أبناؤنا في الشوارع".

وبالإضافة إلى نسبة من العلويين، هناك نسبة أخرى من اليساريين، ترى ضرورة حضور حزب "الشعوب الديمقراطي" في تشكيلة البرلمان المقبلة، لعرقلة مساعي حزب "العدالة والتنمية" الرامية إلى صياغة دستور جديد والانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. ويعتقد هؤلاء الذين كانوا يصوّتون حتى اليوم لصالح حزب "الشعب الجمهوري"، أن هذا الأخير لن يخسر الكثير إن فقد من شعبيته 2 أو 3 في المائة، ولكن هذه النسبة كفيلة بنجاح حزب "الشعوب الديمقراطي" في تجاوز حاجز 10 في المائة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.

في المقابل، هناك قلق في صفوف "الشعب الجمهوري"، من ارتفاع شعبية "الشعوب الديمقراطي" في صفوف العلويين وبعض الأطراف التي كانت تدعم دائما "الشعب الجمهوري"، ولذلك بدأ قادة هذا الحزب يوجِّهون انتقاداتهم إلى "الشعوب الديمقراطي" ويتهمونه بالاتفاق مع حزب "العدالة والتنمية". وكي لا يفقد ثقة العلويين والتيارات اليسارية المعادية لأردوغان، شن دميرتاش حملة ضخمة ضد الحزب الحاكم، موجّهاً انتقادات لاذعة للرئيس التركي.

اقرأ أيضاً: تركيا تستعيد دور "الوسيط العالمي"

المساهمون