واختتم غريفيث، زيارته إلى صنعاء أمس الثلاثاء، بعد سلسلة لقاءات، كان أبرزها مع زعيم الجماعة، عبدالملك الحوثي، وهي المرة الرابعة تقريباً التي يلتقي فيها الرجلان عبر شاشة تلفزيونية (على الأرجح). وأفادت مصادر سياسية قريبة من الجماعة، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن المباحثات التي أجراها غريفيث، تركزت حول إجراءات "بناء الثقة" التي تطالب بها الحكومة، والتصعيد العسكري في مدينة الحديدة، باعتبارها باتت محوراً للعمليات العسكرية ومعها الجهود الدبلوماسية الدولية الهادفة للوصول إلى تسوية، تجنب الشريان اليمني الأهم، تهديدات المعركة مجهولة العواقب.
وفيما لم يعلن غريفيث عن نتائج واضحة لزيارته إلى صنعاء، في ما يتعلق بالحديدة على وجه التحديد، كان لافتاً إعلان قائد قوات التحالف في الساحل الغربي - الإماراتي العميد علي الطنيجي، عن بدء عملية عسكرية نوعية واسعة النطاق في اتجاه مناطق سيطرة الحوثي بمحافظة الحديدة، لاستكمال انتزاع السيطرة عليها، وأن العملية على أكثر من محور.
وبعد ساعات من الإعلان، أكدت مصادر محلية في حديث مع "العربي الجديد"، أن العمليات العسكرية لم تشهد تطوراً نوعياً، على الرغم من تنفيذ العديد من الضربات الجوية ومن الاشتباكات التي تفجرت بصورة متقطعة في محيط منطقة "كيلو 16"، على المدخل الشرقي لمدينة الحديدة، وتحديداً حيث طريق الحديدة صنعاء.
وفي السياق، كان التطور الأبرز الذي أعقب الإعلان الإماراتي، الكشف عن مذبحة بحق 18 صياداً يمنياً قضوا في عرض البحر الأحمر، بقصف لإحدى بارجات التحالف الإماراتي -السعودي كما قالت مصادر محلية، وجميعهم من أبناء مديرية "الخوخة"، الساحلية، التي باتت غالبية مناطقها خاضعة للقوات اليمنية المدعومة إماراتياً. ولطالما تكررت حوادث استهداف الصياديين في الحديدة، لتقدم صورة بأن المدنيين هم الضحية الأبرز للحرب.
في موازاة ذلك، تعهد الحوثيون بالدفاع عن المدينة الخاضعة لسيطرتهم منذ نحو أربع سنوات. وكتب القيادي في الجماعة، محمد علي الحوثي، في حسابه على موقع تويتر، بعد إعلان التحالف إعادة إطلاق العملية باتجاه ميناء الحديدة "لا قلق على الإطلاق ما دام أبناء الجمهورية اليمنية متحركين للدفاع عن وطنهم في كل الجبهات"، وسط مخاوف المنظمات الأممية والإغاثية من أن تهدد المعارك استمرارية تدفق المساعدات الإنسانية للمدينة والمناطق المحيطة بها التي هي الأكثر احتياجاً في البلاد.
وأثار الإعلان الإماراتي المفاجئ العديد من التفسيرات، إذ بدا كما لو أنه كان جزءاً من الضغوط الدبلوماسية التي يقودها غريفيث خلال زيارته إلى صنعاء، لدفع الحوثيين نحو تقديم التنازلات. والهدف من الإعلان، وفقاً لهذه القراءة إيصال رسالة أن العمليات العسكرية جاهزة ما لم يتجاوب الحوثيون بتقديم بعض التنازلات. ومن جهة ثانية، فإن مؤشرات التصعيد العسكري لا تزال هي الأقوى، إذ يحشد الطرفان قواتهما على أطراف الحديدة، ولا تزال المواجهات مرشحة لتعود بصورة أعنف، في أي لحظة.
في المقابل، فإن التحالف يواجه ضغوطاً أممية لوقف التصعيد، برزت من خلال العديد من البيانات والمواقف. وكان أبرزها أخيراً توقيع المنسقة الأممية المقيمة في صنعاء، ليز غراندي، يوم السبت الماضي، اتفاقاً مباشراً على الحوثيين يشمل مذكرة تفاهم لإنشاء جسر جوي اعتباراً من الـ18 من سبتمبر/أيلول ولمدة ستة أشهر، تتولى من خلاله طائرات المنظمة الدولية، نقل المرضى الذين يعانون من حالات حرجة وممن تتطلب حالاتهم العلاج في مستشفيات خارج البلاد. وجاء هذا الإجراء بعد أن تسبب إغلاق التحالف مطار صنعاء الدولي، وباعتباره شريان اليمن الجوي الرئيسي، بوفاة وتدهور الحالة الصحية للآلاف من المرضى.
وفيما كشفت بيانات أممية أن التنقل مشروط لبعض الحالات المرضية، بما من شأنه أن يقطع التكهنات التي تحدثت عن أن الاتفاق لنقل الجرحى من مسلحي وقيادات الجماعة، أكد التحالف وعبر المتحدث باسمه، تركي المالكي في المقابل، يوم الإثنين الماضي أن التفاهمات مع المنسقة الأممية حول الخطوة، بدأت منذ شهور، بلقاءات مع مسؤولي الحكومة الشرعية ومع مسؤولي التحالف. لكنه مع ذلك، وصف التوقيع مع الحوثيين بأنه خطوة استفزازية، بالتعامل مع الحوثيين وحكومتهم غير المعترف بها دولياً.
وجاءت تصريحات المالكي لتهدئ من ردود الفعل التي هاجمت الاتفاق، بعد أن مثل صدمة في أوساط الشرعية، خصوصاً أن الخطوة جاءت عقب أسابيع من صدور تقرير فريق الخبراء التابع لمفوض حقوق الإنسان، والذي أحدث عاصفة ردود فعل، لم تقتصر على محتواه الذي يدين التحالف السعودي - الإماراتي، بانتهاكات يرقى بعضها إلى جرائم حرب، بل كان من أهم ما جاء به، توصيف الحوثيين بـ"سلطات الأمر الواقع"، وبأنها المعنية بالمناطق التي يسكنها أغلب اليمنيين (الكثافة السكانية تتركز شمالاً وجنوباً وغرباً). أما المبعوث الأممي، فقد تكرر على لسانه، أكثر من مرة، توصيف "وفد صنعاء"، للوفد المفاوض للجماعة وحلفائها، الأمر الذي يتفق مع توصيفات اعتمدتها في السابق وسائل إعلامية قريبة من الحوثيين.
وتثير التطورات الخاصة بالتعامل الأممي مع سلطة الحوثيين وبعض التوصيفات الجديدة في الصراع، تساؤلات، حول ما وراء هذا التحول، وما إذا كان يأتي في إطار الضغوط الدولية التي تشدد على أهمية العودة إلى المسار السياسي. كما أنه أشبه برسالة دولية إلى التحالف بإمكانية انفتاح بعض الدول على حكومة الحوثيين، وبالتالي سحب بساط مبررات التدخل العسكري للتحالف تدريجياً، أو التأثير فيها على الأقل، باعتبار "دعم الشرعية"، المعترف بها دولياً، أساس الهدف "المعلن" للتحالف ووجوده في اليمن.