لم يكن مفاجئاً أن يستنتج فريق مستشاري الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في أعقاب جولته الأخيرة في المنطقة، أن فرص تطبيق خطة التسوية التي أعدّتها الإدارة في واشنطن، والتي يُطلَق عليها "صفقة القرن"، متدنية جداً. فقد كان من الواضح أن قيادة السلطة الفلسطينية، أو أي طرف فلسطيني آخر، لم يكن بوسعه أن يكون شريكاً في هذه الصفقة التي تدل بنودها المسربة على أنها تمثّل وصفة لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية.
لكن الإقرار الأميركي قد يكون مقدمة لسلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تُقدم عليها واشنطن، وتهدف إلى تطبيق بنود "صفقة القرن" من خلال تعزيز قدرة إسرائيل على حسم مصير القضايا الرئيسية التي تشكّل الصراع مع الشعب الفلسطيني. فقد حرص جاريد كوشنير، كبير مستشاري ترامب وصهره، في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "القدس" خلال جولته في المنطقة، على التمهيد لأنماط سلوك وإجراءات أكثر وضوحاً في دعم سياسات حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب.
فكوشنير لم يحرص فقط على توجيه انتقادات لاذعة لقيادة السلطة الفلسطينية وتحميلها المسؤولية عن الطريق المسدود الذي انتهت إليه الجهود الهادفة لحل الصراع، ولم يكتف بالتشبث بالسلام الاقتصادي كمسار وحيد لحل الصراع، بل تجنّب أيضاً انتقاد سياسات حكومة بنيامين نتنياهو ومواقفها المعلنة، التي يستحيل معها التوصل لتسوية سياسية للصراع.
ولن يكون من المستبعد في المستقبل القريب أن تعمد الإدارة الأميركية إلى توفير إطار سياسي يُترجِم إلى أفعال التصريحات التي أدلها بها السفير الأميركي في القدس المحتلة، ديفيد فريدمان، والذي رفض القول بأن تكون إسرائيل تمارس الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، علاوة على أنه هاجم المطالبين بتفكيك المستوطنات اليهودية هناك، بزعم أن مثل هذا الإجراء سيكون مقترناً باندلاع "حرب داخلية إسرائيلية".
وفي هذا السياق، فإنه من المرجح أن تحظى مخططات الأحزاب والحركات المشاركة في ائتلاف نتنياهو الحاكم لحسم مصير الضفة الغربية وضمان خارطة المصالح الإسرائيلية هناك، بدعم أميركي رسمي. ولن يكون من المستهجن أن تمنح إدارة ترامب حكومة نتنياهو الضوء الأخضر لضم التجمّعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية لإسرائيل، كمرحلة أولى من مراحل تصفية القضايا الرئيسة للصراع؛ على أن تكون هذه الخطوة مقدّمة لضم منطقة "ج" التي تشكل أكثر من 60 في المائة من المستوطنات، والتي تضم كل المستوطنات اليهودية.
إلى جانب ذلك، فإن ترامب يمكن أن يُقدم على دعم الموقف الإسرائيلي الرافض لحق العودة للاجئين، مع العلم أنه اعتبر خلال مؤتمر "دافوس" الاقتصادي أن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة يعني أن مصير المدينة لم يعد مادة للتفاوض بين الفلسطينيين وإسرائيل.
في الوقت ذاته، فإن استمرار الاهتمام الأميركي بمعالجة الواقع الاقتصادي في قطاع غزة، لا يخدم إسرائيل فقط من خلال إسهامه المتوقع في تقليص فرص اندلاع مواجهة مع حركة "حماس"، بل أيضاً يسهم بشكل غير مباشر في تحقيق أهداف اليمين الإسرائيلي المتمثّلة في تكريس الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
اقــرأ أيضاً
ويعزز تخلي إدارة ترامب عن "خطة الطريق"، من فرص استقرار حكومة اليمين في تل أبيب، إذ إن أوساطاً داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم ترفض أن يتم الإعلان عن أبوديس والبلدات الفلسطينية المجاورة لها في محيط القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية. من هنا، فإن تشبث قيادة السلطة الفلسطينية بنمط سلوكها الحالي القائم على رفض التواصل مع الإدارة الأميركية بزعم مواجهة "صفقة القرن"، لن يجدي، على اعتبار أن هذا السلوك لن يعيق مفاعيل التوافق الأميركي الإسرائيلي على حسم القضايا التي تشكل لبّ الصراع مع الاحتلال.
أما نمط السلوك الأبرز الذي سيقلّص من قدرة واشنطن وتل أبيب على استنفاد الطاقة الكامنة في التعاون بينهما لتكريس الحقائق على الأرض، فيتمثّل في فعل نضالي مقاوم يسهم في جباية أثمان من تل أبيب تجعلها مستعدة لإعادة تقييم سياساتها من جديد. ومما لا شك فيه أن اعتماد نمط المقاومة الشعبية الجادة في كل أنحاء الضفة الغربية والقدس المحتلة، سيكمّل حراك مسيرات العودة في قطاع غزة، وسيمثّل النمط الأمثل القادر ليس فقط على إعاقة السياسات الإسرائيلية، بل أيضاً سيؤثر سلباً على البيئتين الإقليمية والدولية لإسرائيل. وسيقلص من اندفاع بعض الأطراف العربية للتطبيع مع إسرائيل.
ومن الواضح أن اعتماد هذا النمط من المقاومة يتطلّب تطبيق مقررات وتوصيات المجلس المركزي الفلسطيني في دورتيه الأخيرتين بوقف التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال. في الوقت ذاته، فإن إنهاء الانقسام الداخلي فوراً يُعدّ مطلباً أساسياً من متطلبات مواجهة مخاطر التوافق الأميركي الإسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية. وإن كان الهدف الأميركي والإسرائيلي من الانشغال بواقع غزة الإنساني والاقتصادي يرمي إلى تكريس الفصل السياسي بين الضفة والقطاع، فإن قراراً من رئيس السلطة محمود عباس برفع العقوبات التي فرضها على القطاع، كفيل بأن يجفف البيئة التي يعمل فيها الأميركيون والإسرائيليون لتحقيق هذا الهدف.
اقــرأ أيضاً
لكن الإقرار الأميركي قد يكون مقدمة لسلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تُقدم عليها واشنطن، وتهدف إلى تطبيق بنود "صفقة القرن" من خلال تعزيز قدرة إسرائيل على حسم مصير القضايا الرئيسية التي تشكّل الصراع مع الشعب الفلسطيني. فقد حرص جاريد كوشنير، كبير مستشاري ترامب وصهره، في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة "القدس" خلال جولته في المنطقة، على التمهيد لأنماط سلوك وإجراءات أكثر وضوحاً في دعم سياسات حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب.
ولن يكون من المستبعد في المستقبل القريب أن تعمد الإدارة الأميركية إلى توفير إطار سياسي يُترجِم إلى أفعال التصريحات التي أدلها بها السفير الأميركي في القدس المحتلة، ديفيد فريدمان، والذي رفض القول بأن تكون إسرائيل تمارس الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، علاوة على أنه هاجم المطالبين بتفكيك المستوطنات اليهودية هناك، بزعم أن مثل هذا الإجراء سيكون مقترناً باندلاع "حرب داخلية إسرائيلية".
وفي هذا السياق، فإنه من المرجح أن تحظى مخططات الأحزاب والحركات المشاركة في ائتلاف نتنياهو الحاكم لحسم مصير الضفة الغربية وضمان خارطة المصالح الإسرائيلية هناك، بدعم أميركي رسمي. ولن يكون من المستهجن أن تمنح إدارة ترامب حكومة نتنياهو الضوء الأخضر لضم التجمّعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية لإسرائيل، كمرحلة أولى من مراحل تصفية القضايا الرئيسة للصراع؛ على أن تكون هذه الخطوة مقدّمة لضم منطقة "ج" التي تشكل أكثر من 60 في المائة من المستوطنات، والتي تضم كل المستوطنات اليهودية.
إلى جانب ذلك، فإن ترامب يمكن أن يُقدم على دعم الموقف الإسرائيلي الرافض لحق العودة للاجئين، مع العلم أنه اعتبر خلال مؤتمر "دافوس" الاقتصادي أن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة يعني أن مصير المدينة لم يعد مادة للتفاوض بين الفلسطينيين وإسرائيل.
في الوقت ذاته، فإن استمرار الاهتمام الأميركي بمعالجة الواقع الاقتصادي في قطاع غزة، لا يخدم إسرائيل فقط من خلال إسهامه المتوقع في تقليص فرص اندلاع مواجهة مع حركة "حماس"، بل أيضاً يسهم بشكل غير مباشر في تحقيق أهداف اليمين الإسرائيلي المتمثّلة في تكريس الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويعزز تخلي إدارة ترامب عن "خطة الطريق"، من فرص استقرار حكومة اليمين في تل أبيب، إذ إن أوساطاً داخل الائتلاف الإسرائيلي الحاكم ترفض أن يتم الإعلان عن أبوديس والبلدات الفلسطينية المجاورة لها في محيط القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية. من هنا، فإن تشبث قيادة السلطة الفلسطينية بنمط سلوكها الحالي القائم على رفض التواصل مع الإدارة الأميركية بزعم مواجهة "صفقة القرن"، لن يجدي، على اعتبار أن هذا السلوك لن يعيق مفاعيل التوافق الأميركي الإسرائيلي على حسم القضايا التي تشكل لبّ الصراع مع الاحتلال.
ومن الواضح أن اعتماد هذا النمط من المقاومة يتطلّب تطبيق مقررات وتوصيات المجلس المركزي الفلسطيني في دورتيه الأخيرتين بوقف التعاون الأمني مع سلطات الاحتلال. في الوقت ذاته، فإن إنهاء الانقسام الداخلي فوراً يُعدّ مطلباً أساسياً من متطلبات مواجهة مخاطر التوافق الأميركي الإسرائيلي على تصفية القضية الفلسطينية. وإن كان الهدف الأميركي والإسرائيلي من الانشغال بواقع غزة الإنساني والاقتصادي يرمي إلى تكريس الفصل السياسي بين الضفة والقطاع، فإن قراراً من رئيس السلطة محمود عباس برفع العقوبات التي فرضها على القطاع، كفيل بأن يجفف البيئة التي يعمل فيها الأميركيون والإسرائيليون لتحقيق هذا الهدف.