"الحرس الروسي"... اليد الأمنية الضاربة لبوتين عشية الانتخابات

17 مايو 2016
تتمتع قوات الحرس الوطني بصلاحيات الشرطة (فرانس برس)
+ الخط -
يناقش مجلس الدوما (النواب) الروسي، حالياً، مشروع قانون "قوات الحرس الوطني"، الذي أعلن عن إنشائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 5 أبريل/نيسان، بهدف مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات. ووفقاً لمشروع القانون الذي نُشر على موقع الدوما، تتمتع قوات الحرس الوطني بصلاحيات الشرطة ذاتها، بما فيها إطلاق النار من دون إنذار في حال وجود تهديد "لحياة أو صحة المواطن أو فرد القوات". وفي مجال مكافحة الإرهاب، تتطابق مهام القوات الجديدة مع صلاحيات جهاز الأمن الفيدرالي إلى حد كبير، وتشمل صلاحياتها تطبيق "القيود المؤقتة" المنصوص عليها في قانون "مكافحة الإرهاب".

وبحسب مشروع المرسوم الرئاسي حول "الحرس الوطني"، الذي أُطلق عليه اسم "الحرس الروسي"، لن تقتصر وظائفه على المهام الداخلية، بل تشمل تدريب أفراد قوات الأمن بالدول الأجنبية والتعاون معها، والمشاركة في "دعم أو استعادة السلم والأمن الدوليين". وفي قرار خضوع "الحرس الروسي" للقيادة المباشرة من رئيس الدولة، رأت المعارضة الروسية في ذلك، سعياً لتعزيز السيطرة على الأجهزة الأمنية تحسباً لوقوع انقسامات في صفوف النخبة الحاكمة أو خروج تظاهرات حاشدة لرفض نتائج الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر/أيلول المقبل، والرئاسية عام 2018.

ويعتبر نائب رئيس حزب "بارناس" المعارض، إيليا ياشين، أنّ هناك صلة مباشرة بين قرار بوتين تشكيل "الحرس الوطني" والاستعدادات للانتخابات المرتقبة. ويقول ياشين لـ"العربي الجديد" إنّ "مهمة الحرس الوطني ستقتضي حماية النظام الحاكم. وعلى عكس قوات الشرطة العادية التي يوجد في صفوفها أشخاص غير راضين عن الوضع في البلاد، سيتم إعداد أفراد الحرس أيديولوجياً لأداء مهمتهم". وحول أسباب مخاوف السلطات من خروج تظاهرات على الرغم من ارتفاع شعبية بوتين إلى أكثر من 80% بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، يرى المعارض الروسي أن "مستوى المعيشة في انخفاض والغضب يتزايد. لم ينعكس الغضب على رأس السلطة بعد، لكن ذلك قد يحدث في أية لحظة، وهو أمر يدركه بوتين"، على حد تعبيره.

وما يزيد من واقعية افتراض سعي بوتين لتعزيز سيطرته على قوات الأمن، تعيين مسؤول الحرس الرئاسي الشخصي سابقاً، فيكتور زولوتوف، قائداً للحرس الوطني، وإدراجه ضمن قائمة الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن الروسي. إلا أن الكرملين سارع فور الإعلان عن تشكيل الحرس لنفي وجود صلة بين هذا القرار وإجراء الانتخابات. ومع ذلك، أكد السكرتير الصحافي للرئيس الروسي، ديمتري بيسكوف، آنذاك، أن القوات الجديدة قد تشارك في تفريق التظاهرات "غير المشروعة"، على حدّ وصفه.


وبحسب صحيفة "إر بي كا" الروسية، أوصت لجنة شؤون الدفاع بمجلس الدوما بتحديد "استثناءات" من حظر استخدام الأسلحة عند تجمع حشود كبيرة، وذلك في حال "الهجمات الإرهابية، واحتجاز الرهائن، والاعتداءات على المنشآت الحيوية للدولة والشحن الخاصة، ومنشآت الاتصالات، وثكنات الحرس". ووفقاً لمصادر الصحيفة ذاتها، دعا النواب إلى تبني مشروع القانون في القراءة الأولى يوم 18 مايو/أيار المقبل، علماً أنه سبق منح مثل هذه الصلاحيات لأفراد الأجهزة الخاصة نهاية العام الماضي. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن عدد أفراد قوات الحرس بشكل رسمي، رجحت مصادر إعلامية قدرته بما يتراوح بين 300 و400 ألف عنصر، وستشكل قاعدتها قوات وزارة الداخلية البالغ عدد عناصرها 170 ألفاً، على أن تضاف إليها وحدات من القوات الخاصة وغيرها.

وتزامن قرار تشكيل الحرس الوطني مع موجة من التضييق على المعارضة وتشويه صورتها، إذ قامت النيابة الروسية باستدعاء مؤسس "صندوق مكافحة الفساد"، المعارض أليكسي نافالني لتوضيح مصادر تمويله، كما بث التلفزيون الروسي فيلماً اتهم فيه نافالني بـ"العمالة للخارج"، بهدف "نسف النظام الدستوري". وعلى الرغم من أن ملفات السياسة الخارجية، وخصوصاً في ما يتعلق بكل من أوكرانيا وسورية والتي تصدرت أجندة الكرملين على مدى أكثر من عامين، بدأت الملفات الداخلية مثل تردي الأوضاع الاقتصادية تزاحمها مع اقتراب موعد الانتخابات.

ومن مؤشرات تراجع السياسة الخارجية على سلّم أولويات الكرملين، قرار سحب الجزء الأساسي من القوات الروسية من سورية منتصف مارس/آذار الماضي، وتخفيف بوتين من لهجته حيال تركيا على الرغم من استمرار الأزمة في العلاقات بين البلدين بسبب حادثة إسقاط الطائرة الحربية الروسية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015.

وعلى الرغم من تأكيد بوتين على وجود خلافات مع القيادة السياسية في أنقرة خلال إجابته عن أسئلة المواطنين، في 14 أبريل/نيسان الحالي، ربط، هذه المرة، حظر الرحلات السياحية بالوضع الأمني في تركيا، مقابل تحذيره شديد اللهجة من أنّ الرد الروسي "لن يقتصر على الطماطم أو بعض القيود في قطاع البناء"، قبل أقل من نصف عام. وخلال "الخط المباشر"، هيمنت القضايا الاقتصادية والاجتماعية على الأسئلة التي أرسلها المواطنون للرئيس الروسي، لا سيما في ما يتعلق بالتضخم وتدني مستوى الخدمات، وتأخر الأجور، والتنمية الإقليمية، والفساد، وغيرها.

على صعيد متصل، وعلى عكس الانتخابات السابقة، تجري الانتخابات البرلمانية، هذا العام، وسط أكبر أزمة اقتصادية تمر بها روسيا منذ أكثر من 15 عاماً بسبب تهاوي أسعار النفط والعقوبات الغربية، ما يزيد من مخاوف السلطات من خروج تظاهرات، بحسب المعارضين.
أما الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2018، فيحق لبوتين الترشح، في الواقع، لولاية رابعة مدتها 6 سنوات. وعلى الرغم من أن الدستور الروسي لا يسمح بشغل منصب الرئاسة لأكثر من ولايتين "متتاليتين"، تمكن بوتين من الالتفاف على هذه المادة عن طريق مغادرة الكرملين وشغل منصب رئيس الوزراء خلال الفترة من عام 2008 إلى عام 2012، قبل أن يعود إلى الرئاسة من جديد.

المساهمون