وأكد بيان للخارجية الجزائرية أن الجزائر "أخذت علماً بالمبادرة السياسية الأخيرة من أجل الوقف الفوري لإطلاق النار والعمل على إيجاد حل سياسي للأزمة الليبية"، من دون الإعلان عن دعم الجزائر لها. ولعلّ ذلك يعود إلى الطابع الانفرادي للمبادرة من قبل مصر، من دون تنسيق مسبق مع دول الجوار.
وشرح دبلوماسي جزائري، لـ"العربي الجديد"، المعنى السياسي لجملة "أخذت علماً بالمبادرة" الواردة في البيان، وقال إنها "تعني موقفاً غاضباً من الطابع الانفرادي للمبادرة، ورافضاً أو متحفظاً على الأقل على طريقة طرحها، وبالأخص عدم وجود أي رغبة في التفاعل معها والتعاطي بشأنها، وبالتالي رفض إعلان موقف بشأنها"، موضحاً أنه "في المواقف الدبلوماسية تعني (أخذنا علماً بشيء) الاطلاع عليه وتجاهله، وعدم وجود الرغبة في التفاعل معه".
ودعت الجزائر، في المقابل، إلى مبادرة مشتركة بين الأطراف الإقليمية لحل الأزمة وضماناً لنجاحها. وأفاد بيان الخارجية بدعوة "مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين لتنسيق جهودهم لإيجاد تسوية سياسية دائمة للأزمة في هذا البلد الشقيق"، وجددت الجزائر "تمسكها بالدور المحوري لدول الجوار من أجل تقريب وجهات النظر بين الأشقاء الليبيين، من خلال اعتماد الحوار الشامل كسبيل وحيد لتحقيق السلام في ليبيا وضمان وحدة وسلامة أراضيها".
وأكد بيان وزارة الخارجية "موقف الجزائر القائم على الوقوف على مسافة واحدة من الأشقاء الليبيين، وبالجهود التي بذلتها على مختلف الأصعدة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية، بدءًا بوقف إطلاق النار، والجلوس إلى طاولة الحوار التي تجمع الفرقاء الليبيين من أجل حل سياسي شامل وفقاً للشرعية الدولية، وقرارات مجلس الأمن، وفي إطار احترام إرادة الشعب الليبي الشقيق".
وتعتبر الأوساط الدبلوماسية في الجزائر أن مصر تؤدي دوراً سلبياً في الأزمة الليبية كطرف داعم لحفتر على حساب المجلس الرئاسي المعترف به دولياً.
وفي الأثناء، أجرى وزير الخارجية الجزائري، صبري بوقادوم، منذ مساء أمس، اتصالات مع وزير الخارجية التونسي نور الدين الري، ووزير خارجية حكومة المجلس الرئاسي محمد الطاهر سيالة، بشأن تطورات الأزمة في ليبيا وأفق الحل السياسي للأزمة.
على صعيد متصل، جدّدت تونس موقفها بخصوص الأزمة الليبية، المتمثل في تمسكها بالشرعية الدولية والمؤسسات الليبية كما حددتها قرارات الشرعية الدولية والاتفاق السياسي، وأبلغته للقاهرة والجزائر والرباط وطرابلس.
وأعلنت الخارجية التونسية، اليوم الأحد، أن وزير الشؤون الخارجية، نور الدين الري، تلقى أمس السبت مكالمات هاتفية من نظرائه وزراء خارجية ليبيا، محمد الطاهر سيالة، والجزائر، صبري بوقادوم، والمغرب ناصر بوريطة، ومصر، سامح شكري، تناولت تطورات الأوضاع في المنطقة في ما يتعلق أساساً بالشأن الليبي.
وقال بيان الخارجية إن هذه المكالمات مثّلت مناسبة جدّد خلالها وزير الشؤون الخارجية مواقف تونس الثابتة والداعمة للشعب الليبي ولمؤسسات دولته كما حددتها قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة والاتفاق السياسي بما يضمن وحدة ليبيا وسيادتها وأمنها واستقرارها.
يذكر أن الرئيس التونسي قيس سعيد تحدث هاتفياً، الجمعة، مع رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون.
وتناولت المحادثة الوضع في ليبيا، وشدد الرئيس سعيد في هذا السياق على موقفه المتمثل في أن يكون الحل ليبيّاً - ليبيّاً من دون أي تدخل خارجي، مجدداً موقف تونس المتمسكة بسيادتها كتمسكها بسيادة ليبيا، ولن تكون جبهة خلفية لأي طرف، وذكّر بأن تونس إلى جانب ليبيا هي من أكثر الدول تضرراً من تواصل المعارك والانقسام، مجدداً في هذا الإطار رفضه لأي تقسيم للدولة الليبية.
وتحدث سعيد، السبت، مع العاهل المغربي محمد السادس، وقد يكون الطرفان أثارا بالضرورة تطورات الملف الليبي.
وتشير هذه المباحثات الماراثونية إلى حجم المباحثات السياسية التي تشهدها المنطقة بعد التغيرات الجوهرية على الميدان في ليبيا، وإلى الموقف التونسي من المبادرة المصرية، الذي يراوح نفس المكان واعتماداً على نفس المبادئ، الشرعية الدولية والمؤسسات الليبية التي أقرتها هذه الشرعية (أي حكومة الوفاق) والاتفاق السياسي، إلا أن مصطلحاً ديبلوماسياً يجرى التأكيد عليه في الآونة الأخيرة، وهو رفض تونس لأي تقسيم للدولة الليبية، بِما يعكس مخاوف حقيقية من إمكانية طرح هذا الخيار في المحادثات الأخيرة، وكأن هناك ترتيبات يجرى الإعداد لها بهذا الخصوص.
ويبدو الطرح التونسي متماهياً مع الموقفين الجزائري والمغربي، على خلاف الموقف المصري الذي يحاول بعثرة الأوراق السياسية بخصوص الحل في ليبيا.
وجاءت المبادرة المصرية الأخيرة لتنفي كل مساعي دول الجوار السابقة واجتماعاتها المتكررة طيلة السنوات الأخيرة، وتقفز فوق المبادرة التونسية التي كان قد أطلقها الرئيس الراحل، الباجي قايد السبسي، والتي كانت تتعطل من الجانب المصري كلما اقتربت من تجميع الفرقاء الليبيين.
ويتساءل مراقبون عن أفق هذه المبادرة المصرية في حين أن القاهرة لا تملك إلا نصف الأوراق بعدائها الواضح للغرب الليبي وتدخلها ميدانياً لنصرة حفتر والشرق الليبي، في حين أن تونس والجزائر والمغرب تحافظ على علاقات مع كل الأطراف ومؤهلة سياسياً للعب دور فعّال في جمع الفرقاء.