اليمن: انفراج في مسار وقف الحرب

27 مارس 2020
إجراءات وقائية من كورونا في صنعاء (محمد حمود/Getty)
+ الخط -
التقطت كل أطراف الصراع اليمني، الدعوة الأممية إلى وقف الأعمال العدائية من أجل محاربة الانتشار المحتمل لفيروس كورونا، بسرعة لافتة. ورحّبت بالإجماع بوقف إطلاق النار واتخاذ خطوات عملية لبناء الثقة، وهو ما يجعل فرص إنهاء الحرب متوافرة أكثر من أي وقت مضى، وذلك بالتزامن مع دخول العمليات العسكرية عامها السادس. وغداة النداء الذي وجهه إلى جميع الأطراف المتحاربة في العالم لوقف إطلاق النار، خصص الأمين للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، دعوة حصرية للأطراف المتقاتلة في اليمن، طالبهم فيها بالوقف الفوري للأعمال القتالية والتركيز على التوصل إلى تسوية سياسية من طريق التفاوض، والتعاون مع مبعوثه الخاص (مارتن غريفيث) لتحقيق تقدم في الإجراءات الاقتصادية والإنسانية وبناء الثقة واستئناف عملية سياسية بقيادة يمنية تشمل الجميع.

وخلافاً لكل المناسبات السابقة والدعوات الأممية التي لم تجد آذاناً صاغية طوال 5 سنوات من الحرب، يبدو أن فيروس كورونا (كوفيد ـ 19) سينجح في نزع فتيل الحرب، ولو عبر هدنة قصيرة الأمد، كما كشفت عن ذلك ردود الأفعال الصادرة عن أطراف رئيسية في النزاع اليمني. ومن أجل الإيحاء بأنه ليس طرفاً رئيسياً في الصراع، كما فعل في مناسبات سابقة، دفع التحالف السعودي الإماراتي الحكومة الشرعية إلى الترحيب بالدعوة التي أطلقها غوتيريس وغريفيث، معلناً بعدها بساعات "تأييد قرار الشرعية ودعمه" في قبول الدعوة الأممية. ولم يكتفِ التحالف بتأييد القرار الحكومي فحسب، بل أكدت قيادته على لسان المتحدث الرسمي تركي المالكي، مساندتها مباشرةً جهود الأمم المتحدة "لوقف إطلاق النار وخفض التصعيد واتخاذ خطوات عملية لبناء الثقة بين الطرفين في الجانب الإنساني والاقتصادي، وتخفيف معاناة الشعب اليمني والعمل بشكل جاد لمواجهة مخاطر جائحة فيروس كورونا ومنعه من الانتشار".

وجاء رد التحالف بمثابة موافقة ضمنية على كل الشروط التي وضعتها جماعة الحوثي، مساء الثلاثاء، في لقاء عبر الفيديو جمع القيادي محمد علي الحوثي مع المبعوث الأممي إلى اليمن، وطرح فيها 5 شروط للدخول في عملية سلام. كذلك سارع الحوثيون إلى الترحيب بموقف التحالف السعودي الإماراتي، وذلك بتغريدة لمحمد علي الحوثي نفسه على "تويتر"، جاء فيها: "إعلان التحالف القبول وقف إطلاق النار وخفض التصعيد واتخاذ خطوات عملية لبناء الثقة بين الطرفين في الجانب الإنساني والاقتصادي أمر مرحب به، وننتظر ترجمته بالتطبيق العملي".

ولم يكن الرد الصادر عن محمد علي الحوثي موقف الجماعة الوحيد، فرئيس ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى"، مهدي المشاط، أعلن في كلمة له بمناسبة الذكرى الخامسة للحرب "الاستعداد التام للانفتاح على كل الجهود والمبادرات في إطار تهدئة شاملة وحقيقية يلمس أثرها الناس، وتبني الثقة وتقود إلى أجواء داعمة لنجاح الحل السياسي الشامل".

وعلى الرغم من أن اليمن لم يسجل حتى أمس الخميس، أي إصابة مؤكدة بكورونا، إلا أن الجائحة كان لها الأثر الكبير في تغيير لهجة أطراف الصراع اليمني، مع إعلان الحكومة الشرعية أنها "ستتعامل بكل إيجابية" مع الدعوة الأممية. واعتبرت أن الوضع في اليمن "سياسياً واقتصادياً وصحياً يستلزم إيقاف كل أشكال التصعيد والوقوف ضمن الجهد العالمي والإنساني للحفاظ على حياة المواطنين والتعامل بكل مسؤولية مع هذا الوباء"، وفقاً لبيان نشرته وكالة "سبأ" الرسمية.

"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي، المدعوم إماراتياً والطامح إلى حجز مقعد على طاولة مشاورات الحل السياسي الشامل باليمن، رحّب بدوره بالدعوة الأممية إلى وقف إطلاق النار وتوحيد الجهود بين القوى السياسية على اختلاف توجهاتها من أجل مواجهة فيروس كورونا. وعلى الرغم من تغيير الفيروس الكثير من المواقف والأحداث في مختلف الدول، جراء الهزة التي أحدثها سياسياً واقتصادياً وإنسانياً، إلا أن المواقف المعلنة من الأطراف اليمنية كشفت بوضوح عن رغبة واضحة واستعداد تام لوقف الحرب، وفقاً لمراقبون.

في السياق، يرى الناشط الحقوقي اليمني المقيم في هولندا، رياض الدبعي، أن فيروس كورونا قد يكون بمثابة الفرصة التي انتظرها أطراف الصراع اليمني من أجل تقديم تنازلات كبيرة كانوا يرفضونها سابقاً، ولكنهم سيوافقون عليها الآن تحت شعارات إنسانية، على الرغم من أن الوباء في الحقيقة ينقذهم من ورطة يعيشونها منذ سنوات وينقذ اليمنيين بالمقام الأول. ويضيف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "كل الدلائل تشير إلى أن جميع الأطراف باتت منهكة من الحرب وتريد الخلاص، ولكن بشروط تحفظ ماء وجهها، والآن يبدو أن الهزة الاقتصادية التي أحدثها كورونا، أقنعت السعودية بالتخلص من عبء الحرب اليمنية، وستوافق على الدخول في عملية سلام شاملة تحت أي شروط". ويشير إلى أن الشارع اليمني قد يغفر لهذه الأطراف متاجرتها بمعاناتهم لمدة 5 سنوات مضت إذا ما قررت نزع فتيل الحرب الآن، لكن في حال حصول تعنت وعدم تطبيق بياناتها على أرض الواقع ووصول فيروس كورونا إلى اليمن للقضاء على ما بقي من رمق لدى الشعب، فإن التاريخ لن يرحمها. أمامها الآن فرصة لن تتكرر.



المساهمون