رغم مضي أكثر من أربعة أشهر على بدء البرلمان العراقي الجديد عمله بشكل دستوري، إلا أنّه لم ينجز حتى الآن أياً من القوانين أو القرارات المدرجة على جدول أعماله أو تلك التي تمّ ترحيلها من البرلمان السابق إليه. ويعزو برلمانيون ذلك إلى جملة من الأسباب، أبرزها استمرار أزمة تشكيل الحكومة والخلافات الحادة على موازنة عام 2019 المالية، وعدم توافق الكتل على القوانين الأكثر أهمية أو حتى على صياغتها، فضلاً عن مشاكل سابقة على عدد منها، كقانون الأحوال المدينة أو قانون محاربة الفساد المعروف باسم "من أين لك هذا". ومن المفترض أن ينتهي عمر الفصل التشريعي الأول للبرلمان في الثاني من شهر فبراير/ شباط المقبل، وهي الفترة التي يبدو أنها لم تكن كافية للبرلمان لتمرير أي قانون مهم.
وبحسب مراقبين عراقيين، فإنّ البرلمان الحالي بنسخته الرابعة منذ الاحتلال الأميركي للعراق، هو الأكثر قلقاً وعدم استقرار. ويؤكد ذلك تعذّر إنجازه ملفات مهمة تتعلّق بحياة المواطنين، من بينها موازنة العام الجديد المالية وإقرار قوانين تنظيمية مختلفة ينتظرونها، مثل قانون الأحوال المدنية وضمان الحريات الشخصية، وقانون حق السكن لكل مواطن عراقي وإلزام الحكومة بتوفيره، وقانون يلزم بفتح ملفات الفساد المالي منذ عام 2003، وإجبار المسؤولين على كشف ذممهم المالية.
وتعليقاً على ذلك، قال النائب عن "تيار الحكمة"، حسن خلاطي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الشارع العراقي بالفعل كان ينتظر من البرلمان شيئاً ملموساً على الأرض"، مضيفاً أنّ "من أهم أدوار البرلمان في هذا الفصل التشريعي كان تمرير مشروع قانون الموازنة وإكمال (الكابينة) الوزارية، وكذلك هناك 101 قانون مؤجل تقريباً من الدورة النيابية السابقة". ولفت خلاطي إلى أنّه "بحسب مسارات القوانين، يجب أن تعطي الحكومة الحالية رأيها ووجهة نظرها في القانون، بعد إعادة جميع القوانين إليها، ثمّ تأتي بكتاب جديد ورؤية جديدة إلى البرلمان وإلى لجان متخصصة من أجل استكمالها".
وتابع "كما أنّ هناك قوانين يجب أن تأتي مرةً أخرى من الحكومة، باعتبار أنّ هناك منهجاً وزارياً وبرنامجاً حكومياً، جديدين، ويجب أن يكون للحكومة رأي في هذه القوانين. وهناك أيضاً قوانين محددة، مثل قانون المحكمة الاتحادية، وقانون النفط والغاز، وقانون التميز الصحي، فضلاً عن قوانين أخرى، تنتظر رأي الحكومة فيها، لكي تُسرع اللجان التخصصية في مناقشتها وعرضها". ومن المفترض أن يواكب البرلمان المشاكل التي تواجه البلد، من خلال تشريع قوانين جديدة، وتعديل وإلغاء أخرى، بحسب المعطيات وحاجة البلد.
وفي السياق، قال النائب عن ائتلاف "دولة القانون"، محمد شياع، إنّ "جزءاً كبيراً من المعاناة التي يعيشها البلد والمشاكل الاقتصادية والمجتمعية في أغلب القطاعات، تحتاج إلى تشريع قوانين واستحداث أخرى، بالإضافة إلى تعديل وإلغاء قوانين وقرارات مجلس قيادة الثورة المنحل"، موضحاً في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هذه كلها معطلة للأسف، على الرغم من مرور الفصل التشريعي الأول، والذي لم يتمكن فيه البرلمان من مباشرة مهامه".
واعتبر شياع أنّ "كل هذا التأخير حصل بسبب الجلسات التي خُصّص معظمها لإكمال تشكيل الحكومة، وما رافق ذلك من إرهاصات وعدم توافق سياسي أدى إلى تعطيل بعض الجلسات أو تأخير إكمال برامج أعمالها في البرلمان، وهذا كله تزامن أيضاً مع استحقاق مهم هو تشريع قانون الموازنة الاتحادية 2019".
إلى ذلك، تحدّثت مصادر من داخل الدائرة القانونية في البرلمان، وهي الدائرة الأقل عرضة للتغيّر من حيث موظفيها مع كل دورة برلمانية جديدة، لـ"العربي الجديد"، عمّا سمّته "نشاطاً إعلامياً كبيراً للبرلمان الحالي، لكن بلا نتائج واضحة".
وبحسب المصادر ذاتها، فإنّ "البرلمان بات رهن إرادات تسع شخصيات سياسية فقط، تختصر إرادة 329 عضواً، في حين أنّ بعض هذه الشخصيات أو الزعماء ليسوا أعضاءً في البرلمان، مثل مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري، وقيس الخزعلي زعيم مليشيا العصائب، وخميس الخنجر زعيم ما يعرف بالمشروع العربي (وهو تكتل سياسي جديد أسسه لخوض الانتخابات الأخيرة)، فضلاً عن جهات دينية تفرض رؤيتها على بعض الكتل من خارج بغداد". وأوضحت المصادر أنّ "هناك جلسات ألغيت باتصال هاتفي، متسببةً بانسحاب كتلة أو تحالف في اللحظات الأخيرة، ما أدى إلى اختلال النصاب القانوني لتلك الجلسات". وأشارت المصادر ذاتها إلى أنّ "المستقلين أو المدنيين في البرلمان لم ينجحوا حتى الآن في تشكيل رقم صعب داخله، وهو ما قد يؤدي لخيبة أمل واسعة بين أوساط الشباب الذين انتخبوهم على وجه الخصوص".
ومع هذا الشلل في مستوى أداء المؤسسة التشريعية، يتوقّع ناشطون أن يفقد الشارع العراقي صبره ويخرج باحتجاجات ناقمة على عمل البرلمان. وفي هذا الإطار، قال الناشط السياسي محمد الطائي، لـ"العربي الجديد": "ما زال البرلمان حتى اليوم معطلاً تماماً وغارقاً في انقساماته، مع اقترابه من إنهاء فصله التشريعي الأول"، موضحاً أنّ ذلك "يعود لأسباب عديدة، أبرزها رئاسته التي لا تبدو أنّها قادرة على ضبط إيقاع الجلسات والنأي به عن الخلافات السياسية التي تعصف بكتله، إضافة إلى حالة الارتباك التي تعيشها الحكومة غير المكتملة، والتي انعكست بشكل مباشر على البرلمان أيضاً، وعطلت جلساته". وأكد الطائي أنه "إذا استمر البرلمان على هذه الوتيرة، قد يشعل الاحتجاجات مجدداً، خصوصاً أنّ الشارع العراقي ما زال بانتظار وعود لم تتحقق حتى الآن". وعلى مدى الجلسات التي عقدها البرلمان العراقي خلال فصله الأول، سيطر موضوع تمرير الحكومة ومن ثمّ إكمالها، على عمله، وهو الموضوع الذي جعل من البرلمان حلبة للمناكفات والخلافات السياسية، والصراع على المناصب الوزارية.