اجتماعات أستانة: 14 جلسة ثرثرة على وقع قتل السوريين

11 ديسمبر 2019
يعرقل النظام وحلفاؤه تقدم العملية السياسية (عليه ريمبيكوفا/الأناضول)
+ الخط -
مرة جديدة، تلتئم اجتماعات الثلاثي الضامن في سورية (روسيا وتركيا وإيران) في العاصمة الكازاخية نور سلطان، أستانة سابقاً، في محاولةٍ تبدو غير ذات جدوى من أجل تحقيق انفراجة في القضية السورية يمكن أن تؤسس لتهدئة طويلة الأمد، تكون تمهيداً للعودة إلى العملية السياسية التي يعرقل النظام وحلفاؤه تقدّمها. ومن المتوقع أن تفشل الأطراف المجتمعة في نور سلطان في ردم هوة الخلاف بينها حول مختلف الملفات، إذ يبحث الجانب التركي عن وقف لإطلاق النار لتفادي كوارث إنسانية في محافظة إدلب، شمالي سورية، بينما يريد الروس "صفقةً" تتيح لهم السيطرة على الطرق الدولية في المنطقة. ودخل الوضع في منطقة شرقي نهر الفرات خطّ التفاوض في مسار أستانة على ضوء العملية العسكرية التركية في المنطقة، والتي استدعت اتفاقاً بين موسكو وأنقرة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حدد مناطق النفوذ بين مختلف أطراف الصراع على الشمال الشرقي من سورية الغني بالثروات.

وانطلقت في نور سلطان، أمس الثلاثاء، الجولة الرابعة عشرة من مسار أستانة التفاوضي بين الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران)، بحضور وفدي النظام والمعارضة السورية. ويشارك في الاجتماع وفد روسيا برئاسة الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرينتييف، والوفد الإيراني برئاسة كبير مساعدي وزير الخارجية للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، والوفد التركي برئاسة نائب وزير الخارجية سيدات أونال، بينما يشارك وفد الأمم المتحدة برئاسة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية غير بيدرسن بصفة مراقب.

وكان المتحدث باسم وزارة خارجية كازاخستان إيبك سمادياروف قد أعلن أن جميع الأطراف في عملية أستانة حول سورية ستشارك في الجولة الـ14 من المحادثات يومي (أمس) الثلاثاء و(اليوم) الأربعاء في نور سلطان، وهي وفود البلدان الضامنة (روسيا وإيران وتركيا) والنظام والمعارضة السورية، إضافة إلى الأردن ولبنان والعراق بصفة مراقبين.

وشهد يوم أمس، بحسب مصادر مواكبة، لقاءً بين الوفدين الروسي والإيراني لمناقشة الجوانب التقنية، مشيرة إلى أن الوفد الروسي اجتمع أيضاً مع وفد النظام الذي يرأسه سفيره لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري.

من جهته، أعلن المبعوث الرئاسي الروسي إلى سورية ألكسندر لافرينتييف، أن المشاركين في لقاء أستانة يبحثون جميع القضايا المتعلقة بسورية، بما في ذلك الوجود الأميركي في المنطقة. ونقل موقع "روسيا اليوم" عن لافرينتييف اعتقاده "أننا على استعداد لمناقشة الوضع في كل أنحاء سورية، وبطبيعة الحال، مسألة الوجود الأميركي غير الشرعي الذي يهدف إلى استغلال موارد سورية الطبيعية". وأشار إلى ضرورة "أن تعمل تركيا على وقف قصف حلب من قبل الإرهابيين، لأنها منطقة مسؤوليتها". وأضاف: "منطقة خفض التصعيد في إدلب بالشكل الذي توجد به الآن، هي منطقة مسؤولية شركائنا الأتراك، لذلك لا يوجد أي معنى لإجراء أي نوع من العمليات الموسعة. يجب التأثير على شركائنا الأتراك ليقوموا بإجراءات مناسبة مع تلك الجماعات المسلحة التي تنفذ هذه الاستفزازات. لأنه من غير المقبول على الإطلاق أن يعاني المدنيون... يجب وقف ذلك". كما رأى المسؤول الروسي أن الوضع في منطقة الدوريات الروسية - التركية المشتركة مستقر، على الرغم من وجود بعض الاستفزازات. وحول اللجنة الدستورية، أشار لافرينتييف إلى أن "هناك بعض الصعوبات والعراقيل في عمل هذه اللجنة، لكن بحسب تقديرنا، هناك إمكانية لتجاوز الصعوبات"، مضيفاً "أصبحت هذه اللقاءات (في صيغة أستانة) عادة جيدة لتبادل وجهات النظر والتنسيق. نحن نلتقي في إطار أستانة تزامناً مع اللحظات الحاسمة في التطورات الميدانية على الأرض أو في العملية السياسية".


وحول اجتماع اليوم الأربعاء الموسع، ذكرت وكالة "الأناضول" التركية أنه سيناقش إطلاق سراح المعتقلين وإجراءات بناء الثقة وتكثيف المساعدات الإنسانية في سورية وعودة اللاجئين إلى ديارهم. كما سيبحث الاجتماع تطورات العملية السياسية في ضوء اللجنة الدستورية، ومناقشة مبادرات عقد مؤتمر دولي حول سورية. ومن المتوقع أن يركز المجتمعون على الوضع في الشمال الغربي من سورية، إذ لا تزال محافظة إدلب تحت وطأة تصعيد عسكري من قبل النظام وحلفائه الروس والإيرانيين.

إلى ذلك، من المقرر أن تشمل المناقشات الوضع على الحدود السورية - التركية، بعد إبرام المذكرة الروسية - التركية لوقف إطلاق النار في منطقة شرقي نهر الفرات، التي تشهد هي الأخرى تطورات متلاحقة، منذ إبرام الأتراك والروس لاتفاق في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي حدد مناطق نفوذ الأطراف في المنطقة.

ومن المتوقع أن يطالب وفد النظام بنقل اجتماعات اللجنة الدستورية إلى العاصمة السورية دمشق، أو إلى مدينة نور سلطان، بدل مدينة جنيف السويسرية، في محاولة من المتوقع ألا يكتب لها النجاح، لسحب البساط من تحت الأمم المتحدة، وتحييدها عن التأثير في التسوية النهائية للقضية السورية. واستبق المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسن، اجتماعات هذه الجولة من مسار أستانة، بالقول إن البت في مسألة نقل جلسات لجنة صياغة الدستور إلى دمشق من عدمه، يعود للسوريين أنفسهم.

وليس من المتوقع خروج المجتمعين بنتائج مهمة، إذ لا يزال النظام وحلفاؤه يصرون على الحسم العسكري، خصوصاً في الشمال الغربي من سورية. وفي هذا السياق، أكد الجعفري، في حديث للصحافيين على هامش الجولة أمس، رداً على سؤال حول صحة الأنباء عن تهدئة في جنوب إدلب، أنه "لا توجد تهدئة في مضمار مكافحة الإرهاب على الإطلاق".

كما لا يزال النظام يرفض بالمطلق الإفراج عن المعتقلين في سجونه على خلفية مشاركتهم في الثورة، بل يفرج بين وقت وآخر عن قوائم آلاف القتلى في سجونه تحت التعذيب. وتعتبر المعارضة هذا الملف من الأولويات، وتطرحه على بساط البحث في كل جولة، ولكن لا تحصل سوى على وعود من الجانب الروسي سرعان ما تتلاشى. من جهته، يبحث الجانب التركي عن تهدئة طويلة الأمد في الشمال الغربي من سورية، خشية موجة لجوء جديدة يبدو أن العالم كله لا يريدها، بينما يريد الروس تساهلاً من قبل أنقرة بحيث تتقدم قوات النظام للسيطرة على الطرق الدولية في المنطقة.

في موازاة ذلك، لم يهدأ القصف المدفعي والصاروخي من قبل قوات النظام على مدن وبلدات وقرى محافظة إدلب، فيما غاب الطيران الروسي الحربي عن أجواء المنطقة بسبب الأحوال الجوية. ونفذت قوات النظام قصفاً صاروخياً بعد منتصف ليل الإثنين - الثلاثاء استهدف كلاً من كفرسجنة والشيخ مصطفى وأرينبة في ريف إدلب الجنوبي، وتحتايا والتح وأم جلال والتينة وسحال وفروان وقطرة والشعرة بريف إدلب الشرقي.

من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام قصفت بالمدفعية قرى وبلدات حران والشعرة وحيش وصهيان بريف إدلب الجنوبي الشرقي. كما قصفت طائرات النظام المروحية، أمس بالبراميل المتفجرة محور الكبانة في ريف اللاذقية الشمالي الذي تتكبد فيه قوات النظام خسائر يومية بأرواح عناصرها.

على صعيد آخر، لا يزال ريف حلب الشمالي مسرح اشتباكات بين الوحدات الكردية من جهة، وفصائل "الجيش الوطني السوري" المدعوم من قبل تركيا من جهة أُخرى. وأكدت مصادر محلية أن منتصف ليل الإثنين - الثلاثاء، شهد اشتباكات عنيفة اندلعت بالأسلحة المتوسطة والخفيفة بين الطرفين على محور الياشلي بريف مدينة منبج الشمالي، شمال شرق حلب. وفي الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يعرف بشرقي الفرات، قصفت المدفعية التركية، فجر أمس الثلاثاء، مواقع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في قرى عريضة وأبو زهور في منطقة تل أبيض في ريف الرقة، وزركان وأبو راسين وتل الورد بناحيتي تل تمر ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي. من جهتها ردت "قسد" بقصف مواقع لقوات المعارضة في محور تل تمر في ريف الحسكة الشمال الغربي. إلى ذلك، ذكرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن قواته ستثبت نقاطاً عسكرية على الطريق الدولية حلب - الحسكة، بين تل تمر وعين عيسى، مشيرة إلى بدء انسحاب فصائل "الجيش الوطني" و"قسد" عن جانبي الطريق.

وفي جنوب سورية، لا تزال محافظة درعا تشهد عمليات اغتيال لشخصيات مرتبطة بالنظام الذي فشل حتى اللحظة في السيطرة على المنطقة على الرغم من مرور أكثر من عام على إبرام اتفاقات مصالحة. وقال الناشط محمد الحوراني لـ"العربي الجديد"، إن مجهولين يستقلون دراجة نارية أطلقوا النار على رئيس بلدية بلدة الشجرة في ريف درعا الغربي، حسان العبد الله، وذلك أثناء وجوده أمام منزله، ما أدى لمقتله.

من جانب آخر، خرجت تظاهرة في بلدة معربة بريف درعا الشرقي، طالب خلالها المتظاهرون النظام السوري بالإفراج عن المعتقلين. وأوضحت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن التظاهرة هي الثانية في البلدة خلال أقل من أسبوع، وتطالب بطرد المليشيات الإيرانية من سورية، وبوقف العمليات العسكرية على إدلب.




 

المساهمون