أحزاب السلطة الجزائرية: من استرضاء بوتفليقة إلى تملق الجيش

15 اغسطس 2019
يتمسك الحراك برحيل من يصفهم بـ"أبواق" ورموز السلطة(العربي الجديد)
+ الخط -
استعادت الأحزاب الجزائرية الموالية، أنفاسها، بعد أشهر من الارتباك والابتعاد عن الساحة السياسية، نتيجة الضغوط التي تعرضت لها، وعلى خلفية الرفض الشعبي وحملات الاستبعاد والمطالبات بحلّها، خلال التظاهرات الشعبية المتواصلة منذ 22 فبراير/شباط الماضي، وكذلك إثر اعتقال وتوقيف قادتها الأربعة، والزجّ بهم في السجون، بتهم حول قضايا فساد مالي وسياسي.

ويقصد بأحزاب الموالاة، أربعة أحزاب يقبع قادتها في السجن بتهم الفساد، هي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية (أمناؤها العامون السابقون الموجودون في السجن هم جمال ولد عباس وأحمد أويحيى وعمار غول وعمارة بن يونس).



وعادت ثلاثة من هذه الأحزاب، هي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وبدرجة أقل تجمع أمل الجزائر، إلى المشهد السياسي، بعد إحداث تغييرات تجميلية على تركيبتها القيادية، واختيار قادة جدد، خلفاً للقادة الموجودين في السجون.

وبدأت هذه الأحزاب أولى خطوات العودة، عبر أبوابٍ مختلفة، أبرزها دعم قرارات الجيش الجزائري وخطابات قائد أركانه الفريق أحمد قايد صالح، ومن خلال الحوار السياسي والمشاركة في صياغة مخرجات للأزمة السياسية القائمة، على الرغم من إعلان "هيئة الحوار الوطني" التي يقودها رئيس البرلمان الأسبق كريم يونس، رسمياً، استبعادها بسبب مواقفها السابقة الداعمة لترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، في الانتخابات التي كانت مقررة في 18 إبريل/نيسان الماضي، وألغيت تحت وطأة الضغط الشعبي.  

معركة كسر الحصار

وبهدف كسر الحصار السياسي المفروض عليها، بادرت "جبهة التحرير الوطني"، التي كان الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة بمثابة رئيسٍ لها، وتمّ إيداع أمينها العام السابق المثير للجدل، جمال ولد عباس، الحبس المؤقت منذ أكثر من شهر، إلى تقديم تنازلات سياسية لصالح أحزاب المعارضة، ومنح رئاسة البرلمان لنائبٍ من كتلةٍ معارضة، هو سليمان شنين من كتلة تحالف "الاتحاد من أجل النهضة والتنمية والبناء". وشجعها هذا الأمر على اتخاذ خطوة ثانية أكثر جرأة، تمثلت في عقدها يوم الخميس الماضي ندوة حوار وطني دعت إليها عدداً من كوادرها، إضافة إلى محاولتها إشراك مجموعة من الشخصيات من خارج الحزب. وقال الأمين العام لـ"الجبهة" محمد جميعي، إن "الحوار الوطني الشامل هو الحل لأزمة البلد"، مضيفاً: "نحن دعاة حوار بين أفكار السياسيين، وسنحاول التقريب بين الفرقاء للبحث عن مخرجات للأزمة التي تعرفها الدولة". ودعا جميعي قوى المعارضة إلى "الانخراط في حوار شامل، وليس إقصائياً"، معتبراً أنه "أضحى ضرورة وطنية لتمكين الشعب من ممارسة سيادته لاختيار رئيس جمهورية يتمتع بصلاحيات"، معبّراً أن "إطالة أمد الأزمة السياسية، سينعكس خطراً على الاقتصاد الوطني".

وإذ كانت لافتةً استفادة الحزب في ندوته من ترخيصٍ لعقدها في قصر المؤتمرات، وهو منشأة حيوية تابعة للرئاسة الجزائرية وتنظيم الأنشطة فيها محصور بالرسمية منها، ما يؤشر على وجود رضا واضح من قبل السلطة لإعادة دمج "الجبهة" في صلب المشهد السياسي، إلا أن ذلك لا يحجب حقيقة أن قيادتها الحالية تعاني من تناقض فاضح في المواقف. مثال على ذلك، دعوة جميعي وتبنيه الحوار مع قوى المعارضة، فيما كان هو نفسه يشجع خلال شهر فبراير/شباط الماضي وبداية مارس/آذار، بعد إعلان بوتفليقة عن ترشحه الرسمي، على استبعاد قوى المعارضة، ويتهمها بالعمالة وخدمة أجندات أجنبية.


ويجد الحزب الأول للسلطة في الجزائر في خطابات قائد الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، فرصة مناسبة لتقديم عرض خدمة سياسية للمؤسسة العسكرية، عبر الغرق في دعم مواقفها وخطاباتها، بالأسلوب نفسه الذي كان ينتهجه إزاء خطابات وسياسات بوتفليقة. ويُظهر ذلك الرغبةَ لدى "الجبهة" في أن يتبناها الجيش وقائد الأركان، لاستخدامها كعكازٍ سياسي، خصوصاً في مواجهة صدّ سياسي من قبل بعض قوى المعارضة الفاعلة التي لا تتماهى مواقفها مع مواقفه، وتشكك في محاولته فرض خيارات سياسية على الشعب. هكذا، استفاض جميعي خلال ندوة الخميس الماضي، في مدح المؤسسة العسكرية والإشادة بمرافقتها للحراك الشعبي في هذه المرحلة الحساسة، وحرصها على إجراء انتخابات رئاسية في أقرب الآجال.

استدارة بسرعة البرق

من جهته، انتقل حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، مباشرة بعد انتخاب أمينٍ عام جديدٍ له هو وزير الثقافة السابق والشاعر عز الدين ميهوبي، إلى "السرعة الخامسة"، مطلقاً مبادرة سياسية جديدة باسم "التحول الجمهوري"، اقترح عبرها إقامة حوار وطني شامل. وقال ميهوبي خلال ندوة صحافية عقدها السبت الماضي، إن مبادرته مطروحة أمام جميع القوى والنخب السياسية، داعياً إياها إلى التشاور، مشدداً على ضرورة اعتماد الإطار الدستوري ووضع آليات تخص تنظيم الانتخابات الرئاسية. كما لم تفته الإشادة بالجيش وبـ"حكمة" قيادته، ومبالغاً في كيل المدح للفريق أحمد قايد صالح.

وترفض أحزاب السلطة إقصاءها عن المشهد السياسي في الجزائر، وأخذها بجريرة مواقفها السابقة، معتبرة أن أحزاباً موجودة اليوم في خندق المعارضة، كحركة "مجتمع السلم"، كانت أيضاً حتى عام 2012، شريكة في الحكومة.

وتعتقد أحزاب الموالاة أنها لا تزال تمسك بزمام البرلمان الموكَل إليه تعديل قوانين الانتخابات وقانون الهيئة المستقلة للانتخابات، ما يجعلها شريكة في صياغة أي ترتيبات للحل السياسي للأزمة. إضافة إلى ذلك، تطرح أحزاب السلطة مبادراتها اليوم على الرغم من استبعادها من قبل "هيئة الحوار".

وأكد رئيس الهيئة كريم يونس يوم الخميس الماضي رفض استدعاء أحزاب السلطة والموالاة للحوار، مشيراً إلى تطبيق "توجهات المجتمع والحراك"، و"أخذاً في الاعتبار موقف أحزاب المعارضة التي اجتمعت في السادس من يوليو/تموز الحالي (كتلة التغيير) و26 يوليو (كتلة البديل الديمقراطي)، والتي ترفض الحوار مع أحزاب السلطة. وطالب يونس أحزاب الموالاة بإقناع المجتمع والحراك والمعارضة بمراجعتها لمواقفها، وبأنها ستتمكن من تقديم إضافة من خلال مشاركتها.

اصطدام متواصل بالحراك 

في المقابل، يرى مراقبون أن عودة أحزاب الموالاة إلى الواجهة والمشهد السياسي، لا تؤشر فقط على تجاوزها لـ"عقدة الذنب"، لكنها تشكل أيضاً تحدياً جديداً للمطالب الشعبية التي كانت من ضمنها الدعوة إلى حل هذه الأحزاب وملاحقة قادتها بسبب تورطهم ومسؤوليتهم السياسية في الكارثة التي بلغتها البلاد. وأعرب المحلل السياسي نور الدين خدير، عن اعتقاده بوجود مؤشرات واضحة تدل على وجود مسعى لضخ دماء جديدة في أحزاب السلطة، بالتوازي مع محاولة الأخيرة العودة إلى المشهد السياسي، لأداء الدور ذاته وبالأدوات نفسها، لصالح الجيش والسلطة، وبالقدر ذاته الذي كانت تؤديه في عهد بوتفليقة، وحتى في العهود التي سبقته.


ورأى خدير، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك محاولة واضحة لإعادة تدوير هذه الأحزاب، وإرسالها مجدداً إلى الساحة"، معتبراً في الوقت ذاته أن "الجيش والسلطة يظهران على الدوام حاجتهما لمثل هذه الأحزاب التي تكون مهمتها الوحيدة، ليس التفكير وطرح البدائل السياسية، ولكن فقط تزكية ودعم مواقف وخيارات السلطة الحاكمة". ولفت إلى أن "عودة هذه الأحزاب تعني أمراً واحداً، وهو عدم تحقّق الكثير من مطالب الشعب".