ولكن كيف تحوّل البعتي من ممثل لتونس في الأمم المتحدة إلى رجل كثرت حوله الانتقادات، والتي وصلت إلى حد التشكيك في كفاءته بحسب بيان لرئاسة الجمهورية؟
البعتي الذي طفا اسمه أخيرا هو رجل قانون ويبلغ من العمر 66 عاماً، عمل لسنوات عديدة في العمل الدبلوماسي منذ تاريخ انتدابه في وزارة الخارجية في العام 1978، وقد تم تعيينه في 5 سبتمبر/أيلول 2019 المندوب الدائم لتونس لدى مجلس الأمن الدولي من 2020 إلى 2021، إثر انتخاب تونس عضوا غير دائم.
ويؤكد الدبلوماسي ووزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس، في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ البعتي دبلوماسي تونسي عمل في وزارة الخارجية لأكثر من 35 عام وأحيل إلى التقاعد بعد عدة نجاحات وصفها بالمتميزة في حياته الدبلوماسية.
وعين البعتي في عدة سفارات، حيث شغل بين عامي 2002 و2005 منصب سفير في استوكهولم، ثم عين سفيرا في سيول بين عامي 2005 و2007.
ويرى ونيّس أن "مندوب تونس لدى الأمم المتحدة هو شخصية ناشطة دبلوماسيا وذو كفاءة عالية"، مؤكدا أنه عرفه جيدا في وزارة الخارجية، حيث كان البعتي حينها في منصب مدير عام قسم العلاقات المتعددة الأطراف بما فيها الأمم المتحدة وغيرها من الدول. وأوضح أن البعتي عيّن رئيسا لبعثة تونس لدى الأمم المتحدة في مقرها بجنيف في العام 1982.
وتابع ونيّس قائلا: "دعا وزير الخارجية السابق خميس الجهيناوي البعتي ليكون مكلفا بمهمة في ديوانه، بعد توليه وزارة الخارجية، حيث تمت دعوته للعمل بعد خروجه للتقاعد، لأنه صاحب دراسة وخبرة في المجال الدبلوماسي وخاصة في العمل الدولي".
ولفت المتحدث ذاته إلى أنّ البعتي ضمن الكفاءات الدبلوماسية، حيث أدرج اسمه ضمن القائمة التي رفعت إلى رئيس الجمهورية بالنيابة، محمد الناصر، لاقتراحه سفيرا في نيويورك، مبينا أنه بحكم إطلاع الناصر على المهام التي قام بها البعتي سابقا، قرّر تسميته سفيرا لتونس في نيويورك.
وعزت تونس، في وقت سابق، سبب الإقالة إلى قلة مهنية البعتي، في وقت رجح دبلوماسيون تحدثوا لـ"العربي الجديد" أن تكون الولايات المتحدة الجهة المحرضة على ذلك، بعد اتخاذ المندوب التونسي موقفاً منحازاً إلى الجانب الفلسطيني. وكانت تونس قد تولت عضويتها في مجلس الأمن الدولي خلفاً للكويت بداية يناير/كانون الثاني الماضي.
وتعليقا على بيان رئاسة الجمهورية، بيّن ونيّس أن "تونس لا تخضع إلى إملاءات من دول أجنبية، وبالتالي توجيه تهمة طرق الأبواب للتأثير على تونس والتراجع عن قرارها مجانب للصحة". وزاد قائلا إنّ "البعتي ليس من طبعه طرق الأبواب ولا ينطبق هذا على أي دبلوماسي تونسي، وبالتالي هناك تسرع في الحكم على الرجل وظلم للأسرة الدبلوماسية، وما حصل بعيد عن الثقافة الدبلوماسية التي عرفتها تونس منذ 64 عاما".
واعتبر ونيس أن "الأسلوب المتبع في إقالة السفراء والتركيز الحالي على وزارة الخارجية غريب وظالم"، مؤكدا أنّه "لا يجب الحكم على البعتي ولا بد من سماع تصريحاته لأن عديدا من الحلقات تبدو غائبة في هذه القضية".
وأكد أنه بحسب معرفته بالرجل وبالمعاملات في مجلس الأمن، فإن "البعتي لا يمكن أن يغيّب وزارة الخارجية ولا رئاسة الجمهورية عن قرار ملزم لتونس"، وذلك في إشارة إلى مشروع قرار أممي حول ما يعرف بـ"صفقة القرن" الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية. وبين أن البعتي تولى توزيع الورقة التي قدمها إليه سفير فلسطين في نيويورك، رياض المالكي، بصفتها ورقة مرجعية من إجمالي الورقات المطروحة، ولبناء مشروع يعرض على مجلس الأمن، وليس لكونها ورقة تونسية لأنه، ساعتها فقط، يمكن لتونس اتخاذ موقف ويمكن للبعتي مراسلة وزارة الخارجية بخصوصها.
وأفاد أن "الدبلوماسي الذي لا يظهر مبدأ التضامن مع زميله الفلسطيني في مثل هذا الظرف، يخل بواجب الدبلوماسية التونسية، وبالتالي التهمة التي وجهت للبعتي بعيدة عن الواقع".
من جهته، أوضح الدبلوماسي السابق، عبد الله العبيدي، لـ"العربي الجديد" أنّه بقطع النظر عن صداقته بالبعتي، إلا أن الدبلوماسي يجب أن يكون في خدمه بلده، والدولة عندما تقرر إنهاء مهام أي دبلوماسي فذلك لأنها رأت ضرورة لهذا القرار". ومضى قائلا "وهو ما يعرفه جميع الدبلوماسيين وعادة يعون جيدا هذا الأمر"، مضيفا أنه "في الوضع الحالي فإنه يمكن أن تكون هناك أشياء حصلت تتجاوز البعتي ورئيس الجمهورية".
وكان بيان الخارجية التونسية قد أشار إلى أن إعفاء السفير جاء "لاعتبارات مهنية بحتة تتعلق بضعف الأداء وغياب التنسيق والتفاعل مع الوزارة في مسائل هامة مطروحة للبحث في المنتظم الأممي". والمثير أن هذا البيان الذي وصف أداء السفير بالضعيف، يتناقض مع عدد من التصريحات لدبلوماسيين في نيويورك عملوا معه، كما يتناقض مع أسباب اختياره في الدرجة الأولى. ووصفه عدد من السفراء والدبلوماسيين في الأمم المتحدة، والذين عملوا معه، بأنه يتحلى بمهنية عالية وتواضع وحنكة وخبرة ممتازة.