مبادرات سياسية في الجزائر: إجماع على الحاجة لوقت إضافي

18 مايو 2019
تظاهر الجزائريون أمس في مختلف المدن(رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -


يدخل الحراك الشعبي في الجزائر أسبوعه الـ14 من التظاهرات والاحتجاجات المطالبة برحيل بقايا ورموز نظام الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، وسط ملاحقات قضائية غير مسبوقة ضد رؤساء حكومات ووزراء وكبار رجال الأعمال، وترقب لمبادرات حل سياسي تنهي الأزمة الراهنة في البلاد، مع تصاعد الرفض الشعبي والسياسي لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر في الرابع من يوليو/تموز المقبل. وللمرة الأولى منذ اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي، مرّ يوم الثلاثاء الماضي من دون أن تدلي مؤسسة الجيش بموقف أو خطاب رداً على مطالب الشعب والمتظاهرين، إذ اعتاد الذين يخرجون للتظاهر كل يوم جمعة، على خطابات كل يوم ثلاثاء لقائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، يعلن فيها عن مواقف سياسية تخص التطورات الراهنة، ويعطي مؤشرات ومعطيات حول الوضع والأفق السياسي للأزمة.

وطرح غياب خطاب قائد الجيش، المتمسك بما يصفها المؤسسات الدستورية والانتخابات كآلية لحل الأزمة، تساؤلات عديدة لدى المتظاهرين والناشطين في الحراك الشعبي، وعما إذا كان الجيش بصدد إعادة تقدير للموقف السياسي واستكمال "سياسة تجفيف المستنقعات" التي بدأها منذ فترة بشل أذرع المجموعات السياسية والمالية المرتبطة بالنظام السابق وملاحقة الرموز السياسية والمالية المقربة من نظام بوتفليقة في القضاء بتهمة الفساد، خصوصاً مع اقتراب الموعد المحدد دستورياً لإجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة في الرابع من يوليو، فيما ترفض مجمل القوى السياسية والمدنية إجراءها في موعدها المقرر، بسبب حالة الاحتقان الشعبي والتشنج السياسي الحاصل، وغياب تشريعات وآليات جديدة تضمن نزاهة الانتخابات.

وفي مثل ظروف كهذه، تبرز مبادرات سياسية عدة تتوجه إلى طرح حلول وآليات تزاوج بين الحل الدستوري والسياسي للأزمة، لكنها تتفق كلها على حاجة البلاد إلى وقت إضافي، بعد موعد الرابع من يوليو المقبل، وخارج الدستور، للوصول إلى ظروف مقبولة لإجراء انتخابات رئاسية تكون مخرجاً آمناً ومدخلاً لانتقال ديمقراطي سليم.

ويطرح رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، تصوراً سياسياً متكاملاً لحل الأزمة، وأكد في حوار نشرته وكالة الأنباء الرسمية أن الوضع يتطلب مزاوجة بين الحل الدستوري والحل السياسي، عبر "قراءة متأنية للدستور بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد من دون الابتعاد كثيراً عن مواده"، موضحاً أن "احترام الدستور لن يُخرج البلاد من الأزمة، لأن الحل السياسي يكون من خلال تغيير سلس لنظام الحكم عن طريق تفعيل المادتين 7 و8 من الدستور، ثم تفعيل المادة 102 في المرحلة الانتقالية التي يتم خلالها تحديد ورقة طريق للخروج من الأزمة، تعيين حكومة انتقالية وتحديد كيفية تنظيم انتخابات رئاسية نزيهة".

ويطرح بن بيتور فكرة إرجاء الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو، لأن "وسائل تنظيم هذه الانتخابات غائبة"، ويدعو إلى إجراء حوار مباشر بين السلطة بما فيها الجيش، وبين ممثلين عن الحراك الشعبي. وقال إن "الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيير جذري للنظام ينبغي الانتقال به إلى مرحلة جديدة من خلال تعيين ممثلين رسميين قادرين على إعداد ورقة طريق للتفاوض مع القائمين على نظام الحكم، وذلك بهدف تحقيق المطلب الرئيسي للشارع الجزائري، وهو تغيير النظام بكامله". وأكد أنه من الضروري اختيار ممثلين ذوي كفاءة للحراك الشعبي، بهدف إجراء مفاوضات مع القائمين على النظام، عبر اختيار ممثل عن كل ولاية (48 ولاية)، يجتمعون في مكان واحد بهدف الخروج بوفد من ثلاثة ممثلين يتحدثون باسم الحراك. وأكد استعداده للمساهمة والمساعدة في المرحلة الانتقالية التي يدعو إليها، وقال إن "هذه مسؤولية تاريخية كبيرة لكن لا يمكنني أن أطرق أبواب نظام الحكم للدخول، وحين يتم التوصل إلى اتفاق بين المتظاهرين ونظام الحكم حول مرحلة انتقالية، حينها سأعلن عن موقفي بخصوص قيادة هذه المرحلة".



ويُقدّر بن بيتور أن المعارضة لا يمكنها حالياً الاتفاق على مرشح إجماع لقيادة المرحلة الانتقالية، بسب الاختلافات السياسية، لكنه لا يرى مانعاً في أن يمثل أطياف المعارضة أكثر من مرشح واحد، مشيراً إلى أن "الجزائر في حاجة إلى كفاءة في تسيير أعلى مستويات الدولة وإلى قيادات في مستوى عالٍ من المعرفة لاختيار الكفاءات اللازمة".

بن بيتور الذي تطرحه أطراف في الحراك الشعبي بقوة رئيساً لحكومة مستقلة تشرف على المرحلة الانتقالية، حذّر من بقاء الوضع القائم لمدة أطول "لأنه مع مرور الوقت فإن المطالب ستزداد والحلول ستصبح أصعب"، خصوصاً بسبب "الانخفاض المستمر لمداخيل المحروقات التي انهارت من 63 مليار دولار في 2013 إلى 27 مليار دولار في 2016، ومعاناة الاقتصاد الوطني من نسب تضخم كبيرة وندرة في المواد الاستهلاكية بداية من سنة 2021".

في السياق، يُنتظر أن ينشر وزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الإبراهيمي، اليوم السبت، مبادرة سياسية يعرض خلالها رؤيته لحل الأزمة التي تشهدها البلاد، تتضمن تأجيل الانتخابات المقبلة، والدخول في فترة انتقالية ترعاها المؤسسة العسكرية، وتتولى خلالها شخصية مستقلة، يتم التوافق عليه عبر الآليات الدستورية، إدارة وتسيير المرحلة، ويُعين حكومة كفاءات مستقلة تتولى تحضير الشروط اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية في ظرف ستة أشهر.

وقال بومدين معاش، وهو ضمن مجموعة الناشطين التي بادرت إلى الاتصال بالإبراهيمي لإقناعه بالمساهمة في حل الأزمة، لـ"العربي الجديد"، إن الإبراهيمي "يطرح في مبادرته تصوراً يجمع بين الدستور والاستجابة للمطالب الشعبية"، مشيراً إلى أن "قبول الابراهيمي بالمهمة (ترؤس فترة انتقالية) يرتبط أساساً بصدقية المؤسسة العسكرية في التوجه إلى انتخابات رئاسية نزيهة".

على صعيد ثالث، طرح نائب في البرلمان الجزائري مقترح إطار قانوني لإنشاء وتنظيم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، تتولى الإشراف على الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتمثّل المخرج من خرق الدستور في حال إرجاء الانتخابات. وقدّم النائب المستقل عبد الغني ويشر، مبادرة قانونية، قال إنها "ستسدّ الباب أمام حالة الفراغ الدستوري، وتسرّع في التوجّه نحو حل دستوري وسياسي في الوقت نفسه للأزمة الراهنة عبر مخرج الانتخابات وفي ظروف سليمة". وطرح فكرة "تشكيل هيئة عليا تضم تسعة أعضاء، بينهم أربعة قضاة يمثّلون المجلس الدستوري والمحكمة العليا ومجلس المحاسبة ومجلس الدولة، وممثلين عن البرلمان والمجتمع المدني والنقابات المستقلة وعن هيئات حقوق الإنسان، على أن يتم انتخاب أعضاء الهيئة من قبل لجنة خاصة تتشكل داخل البرلمان، وتتمتع الهيئة بالاستقلالية المالية والادارية بشكل تام عن السلطة". وأفاد المقترح أن "الهيئة لها حق اقتراح إرجاء الانتخابات، فلا يصبح تأجيل انتخابات الرابع يوليو المقبل خرقاً للدستور".

وفي سياق آخر تُجري قوى المعارضة والشخصيات والنقابات المستقلة مشاورات أخيرة قبل عقد مؤتمر وطني جامع، كانت أعلنت عنه قبل أسبوعين، لمناقشة خارطة طريق وخطة انتقالية، تتضمن آليات ومقترح شخصيات لإدارة فترة انتقالية محدودة وبحكومة مستقلة، تنتهي بانتخابات رئاسية. لكن تأخر قوى المعارضة في عقد المؤتمر، بات يثير قلقاً سياسياً في الجزائر بشأن عجز الطبقة السياسية عن إنتاج حل سياسي يقبل به الجيش.

وزادت المخاوف أكثر مع بروز حالة استقطاب سياسي بين القوى الديمقراطية والتقدّمية وداخلها، وبين القوى الإسلامية وداخلها أيضاً، هو ما لا يشجع الجيش الذي يراقب تطورات مواقف المعارضة، بصفته الفاعل الأكبر في المشهد الجزائري، والقوة التي تمسك بالسلطة في الوقت الحالي، على التعاطي بجدية مع مقترحات المعارضة، والتمسك بالخيارات والمؤسسات الدستورية القائمة.


المساهمون