ألمانيا: عنف اليمين المتطرف يزداد زخماً

06 أكتوبر 2018
اكتسب اليمين الشعبوي شعبية إضافية في أوساط الناخبين (Getty)
+ الخط -

اكتسب الجدل الدائر حول عنف الجناح اليميني المتطرف زخمًا في ألمانيا، مع ما تشير إليه بيانات الشرطة حول ممارسات الكراهية والعنف في شرق البلاد، وحال التجييش والتحريض ضد الأجانب والائتلاف الحاكم، والعمل على توظيف هذا المنحى انطلاقًا من الظروف الاقتصادية التي تعيشها الولايات الشرقية، وربطها بما حصل أخيرًا في مدينة كينتمس الواقعة في ولاية سكسونيا، معقل اليمين الشعبوي والمتطرف.


يأتي ذلك، بعدما كشف تقرير لمكتب حماية الدستور أن أنواع الجريمة من قبل عناصر اليمين المتطرف باتت أكثر عنفًا ودموية، وازداد عملها التنظيمي حِرفية، وتجلّى ذلك أخيرًا في إحباط عمل إرهابي لخلية يمينية مكونة من 7 أشخاص كانت تحضّر لعمل أمني ضد أجانب ومسؤولين سياسيين، الأربعاء الماضي، في يوم عيد الوحدة الألمانية. وتجلّى كذلك، في استغلال مجموعة متطرفة أخرى في مدينة دورتموند، اليوم نفسه، لتنظيم مسيرة أعقبتها مواجهات مع عناصر الشرطة، بعد أن عمد المشاركون فيها إلى إلحاق الأذى بالمواطنين والإخلال بالسلم العام والإضرار بالممتلكات العامة، قبل أن يتم، في وقت لاحق، استهداف مسجد في مدينة غلادبيك في ولاية شمال الراين فستفاليا، الأحد الماضي، حيث رسمت بعض الرموز والشعارات النازية على الجدران والنوافذ.

وهنا، يرى خبراء ألمان في شؤون الإرهاب أن الممارسات تقارب أساليب النازية، لا سيما إزاء مطاردة وتعقّب الأجانب. والأخطر أن هناك معلومات تتحدث عن أنه تم التعرف على عدد من الوجوه تتقاطع في نشاطها مع مجموعات في مدن أخرى؛ بينها دورتموند وأخن وفريتال وكيمنتس، في ظل الحديث عن أدلة تفيد بنيّة المجموعات الاستحواذ على أسلحة، وهي من الأدلة التي توصل إليها المحققون بعد تحريات ورصد لما يُعرف بمحادثات التنصت والدردشات المشفرة.


إزاء ذلك، أُطلقت العديد من التحذيرات من قبل مسؤولين بارزين في البلاد للتحقق ومراقبة تلك الأفعال، التي تنذر بواقع خطير مستجدّ في ألمانيا. في حين تقول التقارير إن الاستخبارات الداخلية الألمانية تترصد هياكل تنظيمية يمينية متطرفة في طور التشكّل في ولايات أخرى، مثل شمال الراين فستفاليا، وعلى غرار ما هو حاصل في سكسونيا. إلا أن ما تعكسه التحقيقات قد يكون بمثابة نقطة تحوّل في التعاطي مع هذه الفئة، بعد أن برعت في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتخويف ونزع الشرعية عن مؤسسات الدولة، وبعدما باتت قيم الحرية والتسامح والأمن والازدهار لجميع مواطني البلد مهددة بشكل أساسي من تلك القوى ومؤيديها.


في خضمّ ذلك، يحذّر المراقبون من توسّع اليمين الشعبوي على مساحة البلاد، بعد أن هيأ لنفسه أرضية خصبة وتغلغلًا بين أبناء المجتمع، وهذا ما تعكسه أرقام استطلاعات الرأي، بالمقارنة مع الأحزاب التقليدية، مشددين على "أهمية تنوير الناس ووضعهم أمام مسؤولياتهم، وعدم انجرارهم وراء شعارات فارغة وزائفة يتبناها اليمين الشعبوي ولا تنتج أفعالًا". ويخشى هؤلاء من ازدياد ردود الفعل حول استبعاد الأقلية، وهذا تصرف خطير يندرج ضمن الإقصاء العنصري الذي يتنافى مع مبادئ دولة القانون.

وتأتي تلك المطالبات في ظل ما تظهره الأرقام من تقبّل المزيد من الألمان شعارات اليمين الشعبوي؛ ففي دراسة حديثة لمعهد "برتلسمان" ومركز برلين للعلوم، نشرتها مجلة "تاغس شبيغل" أخيرًا، تبيّن أنه بعد عام على الانتخابات البرلمانية العامة ووصول اليمين الشعبوي إلى البرلمان، اكتسب اليمين الشعبوي المزيد من الشعبية في أوساط الناخبين وغير الناخبين، بعد أن تم استجواب 4400 شخص، وتبيّن أن الذين يعتبرون أنفسهم "غير مبالين" تراجعت نسبتهم عن العام الماضي من 36.9% إلى 32.8% حاليًا؛ أي أن التمدد الشعبوي وسط المجتمع آخذ في الارتفاع، وأن كل ناخب "غير مبال" مؤهل لأن يكون شعبويا، وهذه إشارة إلى فشل الأحزاب التقليدية في صد التمدد اليميني الشعبوي والمتطرف.

وهنا، يعتبر مطلعون أن ما يميز الوضع في ألمانيا هو أن الحركات اليمينية تتحرك دومًا من أفق الماضي الاشتراكي القومي، متوقفين عند ما حذّر منه، في وقت سابق، باحثون في علم الفلسفة والتاريخ من مخاطر تسمم المجتمعات من ترسّبات العصر النازي، حيث تصبح الكلمة مثل "سم الزرنيخ"؛ يتمّ ابتلاعها من دون أن يلحظها أحد.