وكشفت مصادر حكومية مصرية عن تحركات حثيثة من قبل هيئة المجتمعات العمرانية والهيئة الهندسية للجيش حيال تنفيذ مخطط الإخلاء، موضحة أن ضغوط الأجهزة الأمنية على الأهالي أسفرت عن الاستحواذ على 300 فدان من أراضي الجزيرة، بعد اضطرار أصحابها لقبول التعويضات المقدمة من الحكومة، فضلاً عن التوصل إلى اتفاقات مع مالكي نحو 200 فدان أخرى لتسليمها خلال الأيام المقبلة.
وقالت المصادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن جملة التعويضات النقدية التي صُرفت حتى الآن لأهالي الجزيرة بلغت نحو 980 مليون جنيه (نحو 60 مليون دولار)، مشيرة إلى أن السلطات وضعت ثلاثة خيارات فقط أمام السكان هي: صرف تعويضات مالية مقابل بيع الأراضي، الانتقال إلى واحدة من ثلاث مدن جديدة (القاهرة الجديدة/ بدر/ 6 أكتوبر)، وإعادة التسكين في الجزيرة بعد انتهاء مخطط التطوير".
وأفادت المصادر بأن تكلفة المرحلة الأولى من مشروع التطوير تتجاوز 17 مليار جنيه، منها 500 مليون جنيه لشبكة الطرق، ومليار و100 مليون جنيه للمناطق الخضراء والمفتوحة، و4 مليارات جنيه لتوصيل المرافق، و5 مليارات لإنشاء 10 آلاف وحدة سكنية، فضلاً عن 7 مليارات مخصصة كتعويضات للأهالي، بواقع: 6.5 مليارات لتعويض ملاك الأراضي الزراعية، 141 مليون جنيه لتعويض ملاك الوحدات السكنية، و353 مليوناً لتعويض المستأجرين.
وتابعت المصادر أن مخطط تطوير الجزيرة يشمل تقسيمها إلى 22 منطقة، بينها ست مناطق استثمارية، ومنطقتان استثماريتان متميزتان (أبراج)، ومنطقة مولات تجارية، ومنطقة إسكان متميز، وحديقة مركزية، ومناطق خضراء مفتوحة، و2 مارينا يخوت، وكورنيش سياحي، ومنطقة إسكان استثماري، وطريق ومسارات مشاة، لافتة إلى أن حجم الإيرادات المتوقعة من مشروع التطوير يصل إلى 122 مليار جنيه، وفقاً لتقديرات الجهات المشرفة عليه.
وساطة برلمانية
في غضون ذلك، قال مصدر برلماني مطلع لـ"العربي الجديد"، إن عضو مجلس النواب عن دائرة الوراق وأوسيم، محمود الصعيدي، يلعب دور الوساطة حالياً بين الحكومة والجيش وأهالي الجزيرة للتفاوض حول رفع سعر الأراضي الزراعية، والأراضي المبني عليها وحدات سكنية، في وقت يرفض أغلب السكان بيع أراضيهم، أو طرح مبدأ التفاوض على ترك الجزيرة من الأساس.
وأشار المصدر إلى أن الصعيدي وعد الأهالي المتمسكين بالبقاء في الجزيرة بالضغط على الحكومة لتسليمهم وحدات سكنية كاملة التشطيب، وتسكينهم فيها قبل هدم منازلهم، غير أن هيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان ترفض هذا الطرح، باعتبار أن مخطط التطوير يتضمن إخلاء الجزيرة بالكامل من السكان قبل الشروع في إدخال المرافق، وبناء الوحدات السكنية الجديدة.
من جهته، قال مصدر في الهيئة إن "بعض الجهات الرسمية بدأت بالفعل في تسويق مشروع التطوير لدى مسؤولين في الإمارات والسعودية والكويت"، مبيناً أن مشاورات جرت بين وزير الإسكان المصري عاصم الجزار، ورجلي الأعمال الإماراتيين رئيس مجموعة "الحبتور" الاستثمارية، خلف الحبتور، ورئيس مجموعة "إعمار" العقارية محمد العبار، لبحث الفرص الاستثمارية في "مشروع تطوير جزيرة الوراق".
وبحسب المصدر، تضمّنت المشاورات إمكانية إقامة مشاريع سياحية واستثمارية ناجحة بعد إخلاء الجزيرة من السكان، نظراً لطبيعة الموقع الذي تتمتع به، ووقوعها في قلب النيل بين ثلاث محافظات رئيسية، هي القاهرة والجيزة والقليوبية، مشيراً إلى أن المستثمرَين الإماراتيين رحبا بالاستثمار في المنطقة عند إنهاء النزاع الدائر بشأنها بين الدولة والسكان، على غرار ما حدث في منطقة "مثلث ماسبيرو" الممتدة على الشريط الطولي لكورنيش النيل.
وأوضح المصدر في الهيئة، التي باتت مسؤولة عن مشروع التطوير، أن أحد رجال الأعمال الإماراتيين البارزين الذين تشاور معهم وزير الإسكان، أكد أن الحكومة المصرية لديها "كنوزٌ" استثمارية في العاصمة القاهرة، ولكنها تحتاج إلى إعادة تأهيل وتطوير، مبدياً استعداده لتطويرها في حال وجود تسهيلات من جانب الحكومة المصرية، في ما يتعلق بتخصيص الأراضي، وتسهيل إجراءات إدخال المرافق العامة لها.
أسرى حرب
في السياق ذاته، علّق أحد القيادات الشعبية في جزيرة الوراق ممن يقودون حراكاً رافضاً لمخطط إخلاء الجزيرة، بالقول إن "الحكومة تسوّق وتبيع ما لا تملكه حتى الآن، استناداً إلى ممارسات القمع الذي تنتهجه إزاء الأهالي"، مستطرداً بأنه "يوجد يقين لدى السلطة الحاكمة بمسألة إخلاء الجزيرة من سكانها، في ظل إجراءات حصار وتضييق لم يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، حين احتل مناطق سيناء عام 1967"، على حد تعبيره.
وقال القيادي الشعبي الذي يمتلك أفدنة زراعية عدة في الجزيرة، لـ"العربي الجديد"، إن كافة المشاورات في الوقت الراهن وصلت إلى طريق مسدود بين الأهالي والمسؤولين، في ضوء التعسف المستمر من أجهزة الدولة، وإلقاء القبض على كثير من الأهالي للتفاوض من خلالهم وكأنهم "أسرى حرب"، وذلك بالتوازي مع طرح أرقام هزيلة للغاية كتعويضات من جانب الحكومة للأهالي لترك منازلهم وأراضيهم، بشكل لا يتناسب مع القيمة الحقيقية لأراضي الجزيرة.
كما شدد على أن كل التحركات الرسمية حتى الآن "سيئة السمعة والنيّة"، مستدركاً "لو كان الأمر مسألة تطوير المناطق العشوائية كما يروجون، فلماذا لا تطور الجزيرة في وجود السكان؟ أم لأنها منطقة مرتفعة القيمة من الناحية الاستثمارية، فيتم إجبار الأهالي على مغادرتها من خلال القوة الغاشمة، ومنح قاطنيها تعويضات هزيلة للغاية، أو وحدات سكنية في مناطق نائية في المدن الجديدة، بعيدة عن مناطق العمل ومصادر الدخل". وختم قائلاً: "الحكومة أوقفت كافة مظاهر الحياة على جزيرة الوراق، فلا توجد عمليات بيع أو شراء، أو خدمات يومية مثل النظافة والصحة، علاوة على الملاحقات الأمنية والمضايقات لأهالي الجزيرة للضغط عليهم لمغادرتها".
ويمثُل 35 من أبناء الجزيرة، الذين ينتمون لكافة عائلاتها، أمام محاكم مصرية في قضايا يصفها الأهالي بـ"الملفقة"، كوسيلة للضغط عليهم من أجل إجبارهم على التنازل عن ممتلكات والقبول بالتعويضات "الهزيلة" التي قررتها الحكومة. وسبق لمجلس عائلات جزيرة الوراق أن دعا إلى تنظيم المسيرات السلمية من دون توقف، إلى حين الإفراج عن جميع معتقلي الجزيرة، قائلاً في بيان، إن "الدولة وأجهزتها، وعلى رأسها القيادة السياسية، ليس لديهم أي حلول لقضية جزيرة الوراق سوى تلفيق القضايا، وكيْل الاتهامات ضد الأهالي من أجل إرغامهم على التسليم، وترك بيوتهم وأراضيهم".
وتعود أزمة جزيرة الوراق إلى 16 يوليو/تموز 2017، حين شرعت قوات من الجيش والشرطة في إزالة 18 منزلاً، ما أدى إلى اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن التي قامت بإطلاق الأعيرة النارية وقنابل الغاز المسيل للدموع، الأمر الذي أسفر عن وفاة أحد أهالي الجزيرة ويدعى سيد الغلبان، وإصابة آخرين، ليصدر قرار من وزير الداخلية بوقف حملة الإخلاء القسري لأهالي الجزيرة.
وفي 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، تجدد الصراع على أرض الجزيرة بعدما حاصرت قوات الشرطة معدية دمنهور، وهي أهم المعديات التي تربط الجزيرة بمنطقة شبرا الخيمة من الناحية الشرقية، وأمرت أصحابها بإخلاء المرسى لإزالته من أجل تشغيل عبارة تابعة للجيش مكانها، إلا أن الأهالي تصدّوا للإخلاء، وتبع ذلك حضور قوات أكبر من الأمن المركزي، وإصدار مدير أمن القليوبية قراراً بسحب القوات خشية تطور الأحداث.
وعلى مدار الأشهر الأخيرة، ترفض الجهات المختصة طلبات سكان جزيرة الوراق بشأن توثيق عقود ملكية خاصة لأراض وعقارات في الجزيرة، من دون توضيح الأسباب لهم، بما يكشف نوايا السلطة الحاكمة لإخلاء الجزيرة، والتي يقدر عدد سكانها بنحو 90 ألف مواطن، لتنفيذ مشاريع استثمارية وسياحية عليها، بمساهمة مستثمرين إماراتيين.