البصرة بين الخلافات على منصب المحافظ والتظاهرات المتوقعة

18 مايو 2019
كشف زيف وعود الحكومة سيؤدي لعودة التظاهرات(حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -


بالتزامن مع اشتداد الصراع على أعلى منصب في مدينة البصرة المطلة على مياه الخليج جنوبي العراق، وهو المحافظ، الذي من المفترض أن يكون شاغراً حالياً، بعد فوز المحافظ الحالي أسعد العيداني بمقعد في البرلمان الاتحادي ببغداد، بدت البصرة أكثر حراكاً هذه الأيام في ما يتعلق بالاستعدادات لتنظيم التظاهرات، التي تحولت إلى ما يشبه الموسمية، مع كل صيف حار يدخل المحافظة التي تعاني نقصاً كبيراً في الخدمات، خصوصاً الماء والكهرباء.

وعلى الرغم من خروج أهالي البصرة لأكثر من خمسة أشهر في تظاهرات "الغضب"، كما أطلق عليها المحتجون، وصدور سلسلة من الإصلاحات الحكومية، خلال فترتي رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي والحالي عادل عبد المهدي، إلا أن مراقبين وناشطين من البصرة أكدوا، لـ"العربي الجديد"، أن "ما تحقق في المدينة لا يتعدى 30 في المائة من مطالبها وحاجاتها، وتحديداً في ملف التيار الكهربائي، إذ إن ساعات الانقطاع طويلة، مقارنة مع الساعات التي تتوفر فيها الخدمة. كما أن أحياء كثيرة في البصرة، وتحديداً مناطق جنوب المحافظة، لا تزال تعاني من جفاف كبير بمستوى المياه الصالحة للشرب والمستخدمة للري والزراعة".

وكشف مسؤول في حكومة البصرة المحلية أن أعضاءً في مجلس المحافظة ونواب عن المدينة أبلغوا الحكومة بأن سيناريو صيف 2018 على وشك التكرار هذا العام، وقد يكون أشد وأقسى. ووفقاً للمسؤول فإن مجلس المحافظة أبلغ الحكومة العراقية بوجود حراك حقيقي لعودة التظاهرات، وهناك من يدعمه من زعماء القبائل، معرباً عن خشيته من أن الحكومة العراقية قد ترغب بالتظاهرات هذه المرة على خلاف السنوات السابقة، كونها ستعطيها دعماً قوياً في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة لمنحها الاستثناء الجديد من العقوبات المفروضة على إيران والاستمرار باستيراد الطاقة منها. وكشف أن هناك مخاوف، في الوقت ذاته، من استغلال أي تظاهرات جديدة لغايات سياسية، خصوصاً مع تنامي الصراع على منصب المحافظ.


وتتواصل في محافظة البصرة عمليات الاغتيال، آخرها طاول أحد مشايخ بني تميم حسن بدران التميمي، الثلاثاء الماضي، وسط المحافظة على يد مسلحين مجهولين. كما أن استمرار تردي خدمات الكهرباء والماء والمستشفيات ينبئ بصيف ساخن. إلا أن الناشط في لجان التنسيق بمحافظة البصرة، علي واثق، قال إن "منسقي التظاهرات في مناطق الجنوب، لم يصلوا لغاية الآن إلى قرار نهائي بشأن عودة التظاهرات، بسبب شهر رمضان"، لكنه أكد أن الحراك مرتبط بحرارة الجو وارتفاع الملوحة مجدداً في مياه الشرب. وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "الأسابيع المقبلة ستكشف إن تم توفير الطاقة الكهربائية أم لا. لذلك، التظاهرات على شفير الهاوية كما يقال، مع العلم أن الأهالي يخافون من الاعتداءات من قبل الجيش والشرطة والمليشيات بحق المحتجين. ولكن لغاية الآن لا يوجد قرار من ناشطي البصرة" بعودة التظاهرات.

من جهته، أشار الشيخ العشائري ضرغام المالكي إلى "وجود الكثير من المشاريع المتلكئة وغير المكتملة، خصوصاً ما يتعلق بالماء. وهناك مشاريع كثيرة متوقفة بسبب قلة الاعتمادات المالية من قبل الحكومة الاتحادية، ناهيك عن كذبة الوظائف لآلاف العاطلين عن العمل في المحافظة من قبل رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي"، موضحاً، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "عودة التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات مرهون بمدى التزام الحكومة العراقية بوعودها وتحقيق المشاريع الخدمية للمواطنين. فإذا استمرت الحكومة بتحقيق المطالب، فالتظاهرات قد تتأجل أو تلغى، لكن إذا كشف زيف الحكومة وكذبها على الأهالي فإن التظاهرات ستعود، وبقوة أكثر من الماضي".

يقابل ذلك حراك سياسي، تقوده أحزاب، غالبيتها إسلامية، منها "الفضيلة" و"بدر" و"الحكمة" و"التيار الصدري"، من أجل التصويت على إقالة العيداني، على اعتبار أنه يسيطر على منصبين، وهذا مخالف للقانون العراقي. وأشار عضو مجلس البصرة المحلي نشأت المنصوري إلى أن "هناك حراكاً سياسياً بشأن منصب المحافظ أسعد العيداني، وهو عبارة عن طلبات من كتل سياسية لإقالة المحافظ، على اعتبار أنه يشغل منصبين، الأول هو المحافظ والثاني أنه عضو في مجلس النواب. مع العلم أن الغالبية المطلقة من الكتل السياسية لا تريد تغيير المحافظ، كما أن عملية إقالته تحتاج إلى أغلبية مطلقة". وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أن "التحرك السياسي الثاني هو محاولة إنهاء الأزمات السياسية منعاً لعودة الاضطرابات الأمنية والاجتماعية، وعدم إثارة المشاكل". وتابع "إذا عدنا إلى أحداث العام الماضي، سنجد أن الإرباك الذي حصل داخل الشارع في البصرة وخروج التظاهرات، جاء بعد فشل جهود الأحزاب والكيانات للوصول إلى توافق سياسي في الحكومة المحلية، لذلك نعمل على إجبار المحافظ العيداني على متابعة تنفيذ المشاريع التي تم التصويت عليها داخل مجلس المحافظة، وهذا هو الأهم من أجل ضمان الاستقرار المجتمعي في المحافظة ومواجهة التحديات المستقبلية".

وتعاني البصرة من نقص حاد في مياه الشرب والطاقة الكهربائية، إضافة إلى انهيار قطاعي الصحة والتعليم، وارتفاع معدل الفقر والبطالة، وانتشار عصابات السرقة والسطو المسلح. وعلى الرغم من أن البصرة من أغنى المحافظات العراقية، إلا أن تقاسم الأحزاب للنفوذ فيها جعلها أكبر محافظات العراق تضرراً من عمليات الفساد المالي والإداري، ما أثر سلباً على واقعها الخدمي وحياة السكان البالغ عددهم قرابة أربعة ملايين نسمة. يشار إلى أن شرارة التظاهر اندلعت في البصرة، في يوليو/تموز الماضي، قبل أن تتوقف نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، على خلفية اقتحام وحرق متظاهرين للقنصلية الإيرانية في البصرة، ومبانٍ حكومية، وتعرض قادة التظاهر إثر ذلك لحملة اعتقالات واغتيالات.

المساهمون