نظرت الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس، يوم الخميس، في ملف الانتهاكات التي طاولت رموز اليسار التونسي على امتداد فترات زمنية متلاحقة بدءاً من عام 1972 إلى 1974، ومن بينهم القيادي في الجبهة الشعبية، حمة الهمامي، والمحامي ورئيس حزب وفاء، عبد الرؤوف العيادي، ورئيس الحزب الاشتراكي، محمد الكيلاني، وقيادات يسارية أخرى تعرضت لانتهاكات جسيمة بينها السجن والتعذيب.
وبذلك تكون الدوائر المختصة في العدالة الانتقالية قد نظرت في حالات تشمل جميع الانتماءات من الإسلاميين واليساريين والحركات الطلابية والنقابية وشهداء الثورة.
وقدم المحامي ورئيس حزب وفاء، عبد الرؤوف العيادي، شهادة أمام أنظار المحكمة المتخصصة في العدالة الانتقالية، كشف خلالها عما تعرض له اليساريون في تلك الفترة من ممارسات قاسية، وقال العيادي إن جميع الانتهاكات مورست ضدهم من ترهيب واعتداءات فقط لأنهم كانوا يطالبون بالحريات، وقد انطلقت مطالبهم في 1971 بحكم لأنهم طلبة بكلية الحقوق وكانوا يحلمون بالديمقراطية، مضيفا أنهم "انضموا لاتحاد الطلبة وفازت المعارضة بالانتخابات التي أجريت في الجامعة حينها ولكن للأسف ألغيت النتائج ووضع شخص من الحزب الحاكم الدستوري رغما عن إرادتهم".
وأضاف العيادي أن هذا الأمر أدى إلى ردود فعل سلبية وانطلقت التحركات داخل الحرم الجامعي وانتهت إلى تنظيمهم مؤتمرا جديدا وكانت ميليشيات الحزب الحاكم تهاجمهم وتستهدفهم، وكان عددهم في حدود 4 آلاف طالب من إجمالي 9 آلاف طالب، وقال إنه تم توقيفه يوم 10 مارس/آذار 1972، كما إنه يتذكر إلى غاية اليوم جلاديه والأمنيين الذين أوقفوه وكيف وضعوا له وعاء بنزين ليفصل بينه وبين زمليه الموقوف لترهيبهما.
وأشار إلى أنه تم جلب أحد زملاءه الموقوفين لاقناعه بالتعاون مع أمن الدولة خاصة وإنه كان يهتم بأرشيف الطلبة والمناشير والكتابات وأمام رفضه التعاون تم كيه بالنار وشمل التعذيب عدة مناطق حساسة من جسده، مشيرا إلى أنه وضع في غرفة مظلمة وعلق بعد تجريده من ملابسه، مؤكدا أنهم كانوا يستمعون إلى صراخ الأشخاص الذين يتم تعذيبهم والتنكيل بهم في وزارة الداخلية.
وأفاد المحامي سيف الدين مخلوف في تصريح لـ"العربي الجديد" أن محاكمات اليسار وتحديدا الفترة 1972 والتي عرفت بقضية العامل التونسي هي عينة من الانتهاكات التي كانت تحصل ولكن للاسف تغيبت عديد الوجوه اليسارية عن الجلسة رغم أهميتها وكانوا يودون الاستماع إلى بقية الشهادات، مؤكدا أن الملفات التي أحالتها هيئة الحقيقة والكرامة هي نموذج عن الانتهاكات التي حصلت والهدف تفكيك منظومة الاستبداد.
وقال إن جرائم التعذيب لا تسقط بمرور الزمن وإن التعذيب والانتهاكات حصلت أيضا في فترة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وتورط فيها رموز في الدولة وقيادات أمنية بارزة.
وقال القيادي في حركة النهضة والمهتم بقضايا العدالة الانتقالية، نجيب مراد، في تصريح لـ"العربي الجديد" إن جلسة اليوم هي جلسة هامة لأنها تناولت ملفا لطالما ظل مهملاً، اذ نادرا ما يتم التطرق للانتهاكات التي طاولت اليسار وتحديدا في فترة السبعينات، مضيفا أن عدد المتضررين في الملف تقريبا 30 شخصا من بينهم محمد صالح فليس ومحمد الكيلاني وحمة الهمامي ومحمد بن جنات وعبد الرؤوف العيادي وعديد الرموز.
ولفت مراد إلى أن الجلادين لم يحضروا في جلسة اليوم رغم أن القضية هامة وقائمة المتورطين تضم عديد الأسماء المعروفة وأخرى تم الكشف عنها لأول مرة ضمن شهادة اليوم لعبد الرؤوف العيادي، مشيرا إلى أن أشكال التعذيب التي ذكرت مريعة وقاسية.