لبنانيون مؤيّدون لمطالب الانتفاضة... ولكن خائفون من المشاركة

26 أكتوبر 2019
يفضل كثيرون الاكتفاء بمشاهدة التلفاز (فرانس برس)
+ الخط -
"أنا مع مطالب الحراك... بس (ولكن)"، تبدو هذه العبارة الملاذ السحري لجزء من اللبنانيين الذين اختاروا عدم المشاركة في الانتفاضة الشعبية منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

يمكن تقسيم الممتنعين عن المشاركة في الانتفاضة إلى ثلاث فئات رئيسية، الأولى تتضمن ما بات يعرف اصطلاحاً في العالم العربي بـ"حزب الكنبة"، أي الذين يكتفون بمتابعة الأحداث عن بعد بدون أي تدخل. وهؤلاء في لبنان يرصدون تطورات الانتفاضة من منازلهم على شاشات التلفاز، يبدلون بين القنوات المحلية التي تمتد تغطيتها من ساعات الصباح الأولى وحتى آخر الليل ولا تفوتهم نشرة إخبارية. يناقشون ما يجري وتحتدم الأحاديث وتنقسم الآراء في ما بينهم، لكنهم لا يمكن أن ينزلوا إلى الشارع.



هناء واحدة منهم. مكان إقامتها لا يبعد سوى مسافة قصيرة عن ساحتي رياض الصلح والشهداء في العاصمة بيروت، حيث يجتمع الآلاف يومياً منذ 10 أيام طلباً لإسقاط النظام والتغيير، إلا أنها لم تشارك في الاحتجاجات الحالية أو أي تظاهرات سابقة. تقول لـ"العربي الجديد": "أنا مع المطالب في الساحة. لست مستفيدة من السلطة بأي أمر. لا هم يدفعون فواتيري وليس لهم منة عليّ. أنا وأسرتي نكابد شهرياً لدفع الفواتير ونستدين باستمرار حتى أننا نأكل بالدين وننتظر الراتب آخر كل شهر لندفع للبقالة وبائع الخضار. وأتمنى أن تتحقق المطالب المرفوعة وتتحسن حياتنا، لكنني لن أنزل إلى الساحة فأنا أخاف. أقولها بدون خجل، حتى أنني أتجنب النزول إلى الشارع لشراء مستلزمات المنزل".

وتضيف "ألم تشاهدي ما جرى اليوم (في إشارة إلى اعتداء مناصري حزب الله على المحتجين في ساحة رياض الصلح يوم الجمعة). اضطررت لتناول حبة مهدئة للأعصاب وأنا أتابع الأخبار. كنت أرتجف حتى وأنا بعيدة. في أي لحظة يمكن أن يحدث إشكال. من يصاب أو يموت سيتضامن البعض معه أو مع ذويه لأيام، يتحدث عنه الإعلام ثم ينساه الجميع".

أما الفئة الثانية فهي منتمية أو مناصرة لأحزاب في السلطة، والتي تشغل من يدور في فلكها، على مدار اليوم، برسائل نصية وصوتية وحتى مقاطع فيديو عبر تطبيق واتساب ووسائل التواصل الاجتماعي، تتضمن دعاية مشيطنة للحراك، تحذر مما تسميه "أهدافه المشبوهة"، ولا تتردد في فبركة الأخبار.

أحد هؤلاء المناصرين تحدث لـ"العربي الجديد"، لكنه رفض أن يذكر اسمه قائلاً "نعم أنا ضد ما يجري في الشارع. هؤلاء الذين خرجوا هناك من يحركهم". ويعدد ما يراه دلائل على رأيه، الذي يبدو مجرد تكرار لما يقوله السياسيون من المنتمين للسلطة، "من أين لهم هذه الحمامات المتنقلة ليضعوها في الساحات. أليسوا فقراء؟ من أين يأكلون وكيف يصلون إلى ساحات الاعتصام. إنهم ممولون ولن نسمح لهم بقطع الطرقات وإغراق البلد في الفوضى لا يعجبهم العجب".

ويضيف "نحن نستطيع أن ننزل إلى الشارع ونواجه وسنرى من هو الأكثر عدداً". وعند سؤاله عما إذا كان يجد لو قاسماً مشتركاً واحداً فقط مع المحتجين، وما إذا كانت أي من مطالبهم محقة يكتفي بالترديد بينما يسير بعيداً "حتى لو كان الأمر كذلك فلن أدعمهم ولن أشارك إلى جانبهم".

وما بين هاتين الفئتين تحضر مجموعة أخرى تبدو في حالة ضياع أو كمن يقاوم التغيير. ندى بسنواتها التي تجاوزت الخامسة والستين من بين هؤلاء، فهي لها تاريخ في المشاركة في الاحتجاجات المطلبية، ولطالما سارت في التظاهرات ورددت الشعارات ضد السلطة الحاكمة، لكنها اليوم تبدو غير متحمسة للانتفاضة.

تدافع عن وجهة نظرها بحدة شديدة كمن تحاول إقناع نفسها أولاً قائلة: "هذه المرة مختلفة ليست مجرد تظاهرة نرفع فيها الصوت وتنتهي بعد ساعات. ما يجري يحمل معه المجهول وأنا أريد أن أقضي ما تبقى لي من سنوات حياتي بهدوء".


وبينما كانت تشتم الجميع وتتنقل بعصبية بين قنوات التلفزة المحلية التي تنقل أخبار الانتفاضة من مختلف المناطق اللبنانية، تتابع الحديث قائلة "فليرض المحتجون بما تحقق حتى الآن وليخرجوا من الشارع. لن ينالوا أكثر من ذلك. الطبقة السياسية لن تستسلم".

وتضيف ندى: "إلى أين يريدون أن يأخذوا البلد؟ هم لا يعرفون كيف يمكن أن تتطور الأمور. يشكون من نقص الخدمات وغياب العدالة والسرقات وهم محقون في ذلك. لكنهم لم يختبروا الحرب الأهلية وأهوالها. قولوا عني ما تريدون لكنني لا أريد أن أمرّ بنفس التجربة في آخر عمري".