لودريان.. ورقة هولاند الرابحة

08 اغسطس 2015
أنقذ لودريان الصناعة الحربية الفرنسية (فرانس برس)
+ الخط -
من بين كل وزراء الحكومة الفرنسية، يُعتبر وزير الدفاع جان إيف لودريان، الرجل الأقرب إلى الرئيس فرانسوا هولاند، الذي يضع فيه ثقته الكاملة ويعتمد عليه في تحقيق إنجازات أساسية في ولايته الرئاسية. وإذا كان هولاند قد دخل التاريخ باعتباره "منقذ الصناعة الحربية الفرنسية من الكساد"، فإن ذلك لم يحصل سوى بفضل لودريان، الذي نشط بقوة منذ تعيينه عام 2012، في تسويق مقاتلة "رافال"، ونجح عبر زيارات مكوكية متكررة للسعودية وقطر والإمارات ومصر والهند، في إقناع نظرائه في وزارات الدفاع بشراء الطائرة الفرنسية.

وعلى الرغم من أن الرجل معروف بتفضيله الصمت وقلة الكلام، إلا أنه قد يخرج عن طوره ويضرب الطاولة بقوة، مثلما فعل أخيراً في البرلمان، حين دخل في نقاشٍ حامٍ مع مسؤولي وزارة المالية، الذين حاولوا فرض سياسة تقشفية قاسية على الجيش. وفي النهاية نجح لودريان في انتزاع ميزانية ضخمة لصالح وزارة الدفاع، تُقدّر قيمتها بـ3.8 مليارات يورو، في وقتٍ تعاني فيه كل الوزارات الفرنسية من شحّ في ميزانيتها، بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية.

ويكمن الإنجاز الأكبر للودريان في تعزيزه الحضور الفرنسي في أفريقيا، وإطلاقه لعملية "سرفال" عام 2013 في مالي، لاستئصال الجماعات الجهادية في منطقة الساحل، وهي عملية ما تزال متواصلة حتى الآن، وحققت الكثير من الإنجازات العسكرية.

وخلال سنتين تمكّنت القوات الفرنسية من إبعاد التنظيمات الجهادية عن شمال مالي وتشتيت شملها. كما نجحت القوات الفرنسية الخاصة في اغتيال عدد من القيادات الجهادية البارزة في تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"أنصار الدين"، عبر عمليات نوعية كان هدفها الأساسي "فكّ الأواصر الجهادية بين متمردي الطوارق والجماعات الإسلامية".

اقرأ أيضاً: الاتهامات باعتداءات جنسية للجيش الفرنسي تنتقل إلى بوركينا فاسو 

وبموازاة عملية "سرفال"، التي تحوّلت لاحقاً إلى عملية "برخان"، عمل لودريان بصبرٍ كبير على ملف "المصالحة الوطنية في مالي"، بالتنسيق مع الجزائر والأمم المتحدة. وتكلّلت الجهود بالنجاح عندما تم إقناع "تنسيقية أزواد"، التي تضم حركات المتمردين الطوارق والعرب شمال مالي، بالتوقيع على اتفاق "السلم والمصالحة".

وكان لودريان من أول المهللين لهذا الاتفاق، وزار باماكو في 22 يونيو/حزيران الماضي معلناً أن "فرنسا ربحت الحرب ضد التنظيمات الجهادية، والآن تربح السلام مع توقيع كل أطراف النزاع المالي على اتفاق السلام".

وخلال هذه الزيارة، حرص وزير الدفاع على إبراز الدور الفرنسي في تثبيت الاتفاق وتطبيقه، عبر مشاركة العسكريين الفرنسيين في تطبيق الشقّ العسكري المتعلق بـ"تخلّي المقاتلين الطوارق عن أسلحتهم ودمجهم في الجيش المالي".

وزادت الحصيلة الإيجابية للودريان في مالي، من تعزيز الارتباط مع هولاند، الذي وجد فيه رجل "الأخبار السعيدة" التي تزيد من شعبيته وتحصنه ضد خصومه السياسيين. كما أثبت لودريان، أن افريقيا تبقى ساحة تحركه الأساسية، بعد مرافقته هولاند في جولة أفريقية، قادتهما في مستهل يوليو/تموز الماضي إلى بنين وأنغولا والكاميرون، وكان شعارها الأساسي "تعزيز المصالح الفرنسية في المنطقة اقتصادياً وعسكرياً". ولم يكد لودريان يعود إلى باريس حتى دشّن جولة أفريقية أخرى قادته نهاية الشهر الماضي إلى أفريقيا الوسطى ومصر وجيبوتي، التي تحتضن واحدة من أهم القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا.

غير أن النشاط الاستثنائي للودريان في أفريقيا، وتمكنه من إسباغ بُعد دبلوماسي لافت على وزارة الدفاع الفرنسية، كشف شرخاً كبيراً بينه وبين وزير الخارجية لوران فابيوس، الذي لا يتمتع بأي هامش للمناورة في القارة السمراء. ورصد العديد من المعلقين الفرنسيين كيف أن العلاقة بين الرجلين ليست على ما يرام، وأن هولاند يستخدم ورقة لودريان للحدّ من جموح فابيوس وطموحاته الفردية. ومن الملاحظ أن لودريان يتمتع باحترام شديد، ليس فقط في صفوف الاشتراكيين، بل أيضاً في صفوف المعارضة اليمينية، التي تكاد لا توجّه له أي انتقاد، بخلاف الوزراء الآخرين.

وإذا كان مسار لودريان على رأس وزارة الدفاع منذ عام 2012 حافلا بالإنجازات، فثمة نقاط سوداء تلقي بظلالها عليه، فلودريان يواجه ملف تورّط عناصر من الجيش الفرنسي في أفريقيا الوسطى في فضائح جنسية وجرائم اغتصاب أطفال، ولا يزال التحقيق بشأنها جارياً.

وقد أصابت الفضائح لودريان بإحباطٍ شديد، لكونها كشفت اللثام عن الوجه المظلم للجيش الفرنسي، ولطّخت سمعته في فرنسا وفي المحافل الدولية. كما أن سرقة المتفجرات من ثكنة عسكرية في الجنوب الفرنسي، كشفت قصوراً فظيعاً للجيش في حماية منشآته الحساسة، ولا يزال مصير هذه المتفجرات يؤرق قيادة الأركان في وزارة الدفاع، خوفاً من استخدامها في هجمات إرهابية.

اقرأ أيضاً: لودريان يرعى تطبيق اتفاق السلام في باماكو
المساهمون