مصر: لائحة قانون العمل الأهلي معطّلة

24 فبراير 2020
يواجه سجل القاهرة الحقوقي انتقادات دولية (عبد الحميد حسباس/الأناضول)
+ الخط -
فات رسمياً الموعد المحدد لإصدار اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي في مصر، والذي كان مقرراً قبل 20 فبراير/شباط الحالي، خلال ستة أشهر من صدور القانون 149 لسنة 2019 الذي هدف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من ورائه إلى مغازلة الدول الأجنبية والجهات المانحة لاستئناف إرسال مساعداتها ودعمها المالي لمصر، وتمويل الأنشطة التنموية والثقافية والصحية والدراسية. وكان هذا الدعم قد توقف بصورةٍ شبه كاملة منذ صدور قانون العمل الأهلي السابق، سيئ السمعة والملغى، والذي حمل الرقم 70 لسنة 2017.

وكان السيسي أصدر القانون الجديد مباشرةً بعد إلغاء المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة المؤتمر الذي كان مقرراً عقده في مصر يومي 4 و5 سبتمبر/أيلول الماضي حول مكافحة التعذيب، إثر انتقادات وجهتها منظمات حقوقية للمكان الذي اختارته المنظمة لعقده، وانتقادات دولية لسجل القاهرة في التعذيب الممنهج.

ويُعبّر تأخر إصدار اللائحة التنفيذية، وفوات الموعد المحدد قانوناً لذلك، عن ظاهرةٍ أصبحت معتادة للنظام الحاكم في مصر، تتمثل في عدم اكتراثه بالمواعيد التي تنص عليها التشريعات بصورها المختلفة، وعلى رأسها عدم الالتزام بإصدار القوانين التي ينصّ الدستور على إصدارها لتنظيم مجالات معينة، وكذلك عدم الالتزام بمواعيد إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين باعتبارها "مواعيد تنظيمية وليست إلزامية".

ومن جهة أخرى، يعكس التأخر فشل الحكومة في الوصول إلى صيغة ملائمة لكل الجهات المهتمة بالعمل الأهلي، داخلياً وخارجياً، في ظلّ تعدد وتناقض الآراء الصادرة عن تلك الجهات مع وضد الصياغات التي تقترحها وزارة التضامن الاجتماعي.

وقال مصدر حكومي في الوزارة لـ"العربي الجديد"، إن قرار إصدار اللائحة بيد الاستخبارات العامة في المقام الأول، لأنها الجهة صاحبة التدخّل الأكبر في النصوص المقترحة، لتفصيل مواد القانون التي من المنتظر أن تحدث ارتباكاً في التطبيق، خصوصاً بشأن الجمعيات الحقوقية والمنظمات الأجنبية المانحة وأنشطة العمل الأهلي المختلفة.

وأضاف المصدر أن الوزارة أعدت حتى الآن ثلاث مسودات للائحة، كان للاستخبارات دائماً اعتراضات عليها، كما اعترض الأمن الوطني على بعض النصوص، بينما لم تعرض حتى الآن على الجهات الأجنبية، خصوصاً السفارات التي طلبت الاطلاع عليها من باب الاطمئنان لإبداء مصر حسن النوايا إزاء الجهات المانحة.

وذكر المصدر أن وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة غادة والي، كانت قد أعدت بالفعل مشروعاً للائحة، لكن الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا، مستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي، والتي شاركت بفاعلية في صياغة النص النهائي للقانون، اعترضت على بعض الأفكار الواردة فيها، ما عطّل إصدارها طويلاً.

وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن الجهات المانحة والسفارات "لن تخاطر بالدخول في تمويل مشاريع كبرى للحكومة أو للمجتمع المدني، قبل اختبار جدية النظام في عدم الاستخدام السلبي لعدد كبير من الألفاظ والأحكام المطاطة التي يزخر بها القانون، من خلال اللائحة التنفيذية وما سيتبعها من تصرفات، إلى جانب مطالبتها بأن تتضمن اللائحة تعريفاً وتحديداً دقيقاً لمعاني تلك الألفاظ، بما لا يفتح باباً للتأويل غير المسؤول".

كما ترغب الجهات المانحة والسفارات في تجربة عمل الوحدة الجديدة داخل وزارة التضامن، والتي تحمل اسم "الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي"، التي ستخضع لإشرافها المنظمات الأجنبية، وستقوم أيضاً بنفس أدوار الإدارة المركزية للجمعيات والاتحادات القائمة حالياً في وزارة التضامن. وستختص الوحدة بالإشراف والرقابة على الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية، ومتابعة إجراءات تطبيق القانون ولائحته التنفيذية، وإعداد ونشر الدراسات والمعلومات والإحصاءات الخاصة بالجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

وتخشى جهات التمويل الأجنبية استخدام القانون الجديد في تحديد أنماط محددة للأنشطة محل التمويل، وإهمال الملفات الخاصة بالتحوّل الديمقراطي والمساعدة القانونية للسجناء والتثقيف والتعليم والتدريب، وذلك باستخدام الألفاظ المائعة وحمّالة الأوجه التي يزخر بها القانون الجديد. وتثير هذه الألفاظ شكوك الجهات الغربية في نوايا نظام السيسي، مثل "النظام العام، والأمن القومي، والآداب العامة" في ما يتعلق بضوابط عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ما يمنح الوزارة المعنية، والوحدة الجديدة التي ستنشأ بها لمتابعة عمل تلك المنظمات، مساحةً للتضييق والعقاب، وحتى التصفية.

وهناك خمس مواد في القانون الجديد تستخدم تلك التعبيرات كأمورٍ لا يجوز الإخلال بها لحماية الجمعية الأجنبية من الحل، إذ يشترط لإنشائها أن يكون لها نظام أساسي مكتوب يتفق مع نموذج تحدده اللائحة التنفيذية التي ستصدر للقانون، وموقّع عليه من جميع المؤسسين. ويجب ألا يتضمّن هذا النظام الأساسي أي مواد تنص على الإخلال بتلك المصطلحات الثلاثة، التي تزخر بها التشريعات المصرية، وتستخدم غالباً لتوسيع رقعة التجريم.

كما يحظر القانون على الجمعيات ممارسة أنشطة حزبية أو نقابية أو تكوين جمعيات سرّية أو سرايا، وهذا يعتبره الغربيون أمراً طبيعياً. لكن ليس من الطبيعي أن يعود المشروع ويحظر عليها "ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي"، من دون توضيح المقصود بهذه المصطلحات، فهناك العديد من الفعاليات والأنشطة التي يمكن اعتبار أنها تهدد النظام العام من قبل سلطات أو أجهزة متطرفة في تقييد المجال العام، أو أنها مغالية في تطبيق القانون.

ويعيد القانون في موضعٍ آخر تأكيد "حظر تمويل نشاط يدخل في نطاق عمل الأحزاب، أو النقابات المهنية، أو العمالية أو ذي طابع سياسي أو ديني، أو يضر بالأمن القومي للبلاد، أو النظام العام، أو الآداب العامة، أو الصحة العامة، أو يحض على التمييز أو الكراهية أو إثارة الفتن". ويعبر هذا الأمر بحسب تلك الجهات خلال مفاوضاتها مع المسؤولين المصريين، عن "قلق الحكومة من تحركات المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ورغبتها في إحكام وثاقها وعدم فتح مساحات أمامها للعمل في المجالات السياسية والثقافية والحقوقية تحديداً، خصوصاً مع استخدام مصطلح إثارة الفتن الذي يمكن استغلاله لمنع أنشطة كثيرة في تلك المجالات المزعجة للنظام المصري.

وفي مادة أخرى، يجيز القانون لوزير التضامن الاجتماعي أن يصدر قراراً بإيقاف النشاط أو إلغاء التصريح من الأساس، وذلك فقط لـ"أسباب تتعلق بتهديد الأمن القومي أو السلامة العامة أو الإخلال بالنظام العام"، ومن دون اللجوء إلى القضاء. وهنا تخشى الجهات الغربية الترصد بالمنظمات الأجنبية والمحلية المدعومة منها، فضلاً عن كون المادة تسمح بتدخلات إدارية مباشرة في أي وقت لوقف الأنشطة أو منع التمويل.

وكانت "العربي الجديد" قد كشفت في يوليو/تموز 2017 أن بعض المنظمات الأميركية طلبت من الجمعيات المصرية المؤسسة وفق القانون، والتي تدعمها، إجراء تعديلٍ عاجل في سياساتها ونطاق عملها، ليتم التركيز على الأنشطة التعليمية والتثقيفية والابتعاد عن القضايا السياسية الخلافية مع النظام خشية تعطيل أعمالها في مصر. كما طلبت منها الابتعاد عن التواصل مع جماعات الضغط السياسي من الأحزاب اليسارية والمنظمات الحقوقية غير المعترف بها من قبل الحكومة أو النشطاء المشمولين في تحقيقات قضية "التمويل الأجنبي" التي لا تزال جارية، لكن القسم الأكبر من الجمعيات فشل في توفيق الأوضاع بسبب عدم صدور اللائحة التنفيذية للقانون السابق الملغى من الأساس على مدار عامين وأكثر، ويتكرر الأمر حاليا بعدم صدور اللائحة.




 

المساهمون