هكذا تراجعت شعبية بوتفليقة: إخفاقات سياسية واقتصادية وفساد المقربين

10 مارس 2019
أخفق بوتفليقة في إرساء مسار ديمقراطي صحي(العربي الجديد)
+ الخط -
أوصل خيار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التمسك بالحكم، عبر الترشح لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 إبريل/نيسان المقبل، برغم وضعه الصحي الصعب وغيابه التام عن المشهد السياسي لسنوات، إلى تفجر احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضده، عاكسة مدى التدهور الذي آلت إليه شعبيته.

وبعد 20 سنة من الحكم، رسم بوتفليقة لنفسه خلالها "صورة أسطورية" وحاول التأسيس لتأريخ جديد للجزائر، يبدأ من سنة توليه السلطة في العام 1999، وجد الرئيس المريض نفسه كأكثر شخصية قيد المحاكمة السياسية والشعبية، في خضم حراك شعبي مفاجئ، انطلق في 22 فبراير/شباط الماضي، يطالبه بمغادرة المشهد السياسي.

ولم يكن أحد يتوقع أن تكون ردة فعل الشارع الجزائري على الإعلان عن ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة في 10 فبراير/شباط الماضي على النحو الذي ترجم أمام عدسات الكاميرات بما في ذلك تمزيق صوره الموجودة على مقرات الأحزاب والمؤسسات الحكومية من طرف شباب ولدوا في عهده. وكان بوتفليقة نال شعبية جارفة في عام اعتلائه السلطة في 1999. ففي تلك السنة طرح أربعة وعود انتخابية، تتعلق بإطفاء نار الفتنة واستعادة كرامة الجزائريين وإنعاش الاقتصاد وإعادة الجزائر إلى المحافل الدولية.

وكان أنصاره يحرصون على تضخيم كل فعل له وتصويره كمنجز سياسي واقتصادي. ولم يتردد البعض في إطلاق أوصاف ونعوت عنه بكونه "الرجل المنقذ والمُلهم والمبعوث الإلهي" وتكريمه في أكثر من مناسبة.


لكن الوقائع على الصعيد الشعبي كانت مختلفة تماماً، فشعبية الرئيس ظلت تتناقص بشكل لافت من ولاية رئاسية إلى أخرى، بسبب مجموعة من الإخفاقات السياسية على صعيد تركيز المؤسسات الديمقراطية واحتكار السلطة والتضييق على الحريات، وتزايد قضايا الفساد في محيط مقربيه، وفشل خطط الإقلاع الاقتصادي وتعثر برامج إصلاح مؤسسات الدولة والقطاعات الخدماتية. ولم ينتبه الفريق الرئاسي والدوائر الفاعلة في السلطة إلى مؤشرات اقتراب انفجار شعبي والاستياء من غموض الموقف الصحي لبوتفليقة وغيابه عن المشهد، وشعور الجزائريين بالإهانة والمساس بكرامتهم، والتي أدت في النهاية إلى حراك قضى على الصورة الرمزية للرئيس وأطاح بما تبقى من شعبية لبوتفليقة ونسف مساره السياسي بالكامل.

وعدا عن هذه المؤشرات، وتراكم موجة من الاحتجاجات التي مست المعلمين والأطباء والمحامين والشباب العاطل عن العمل ومعطوبي الجيش، والتي كشفت السلطات أن مجموعها بلغ 1100 احتجاج خلال العام 2018، فإن استدعاء الأرقام والمقارنات بين ما حصل عليه بوتفليقة في آخر استحقاقين رئاسيين، يؤشر إلى تراجع لافت في شعبيته.
وكان بوتفليقة حصل في الانتخابات الرئاسية التي جرت في إبريل العام 2009 على 12 مليون صوت، لكن هذا العدد تراجع بشكل كبير في الانتخابات الرئاسية التي جرت في إبريل 2014، إذ حصل على ثمانية ملايين صوت، ما يعني أن الرئيس خسر أربعة ملايين صوت، وانخفضت النسبة من 90 إلى 81 في المائة، فيما تضاعف عدد الممتنعين عن التصويت من ستة ملايين ناخب في العام 2009 إلى 11 مليون ناخب في انتخابات العام 2014، بسبب عدم اقتناعهم بجدوى الانتخابات وعدم تقبلهم للوضع الصحي لبوتفليقة، الذي كان قد أصيب بوعكة صحية في إبريل 2013، استدعت بقاءه لمدة 81 يوماً في مستشفى "فال دوغراس" في باريس.

قد تختلف القراءات ومحاولات تفسير أسباب ومبررات هذا الانهيار في شعبية بوتفليقة، بين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لكنها تلتقي عند محصلة واحدة تتعلق بمخرجات تقييم موضوعي لفترة حكم الرئيس الجزائري خلال 20 سنة، وإخفاقه في تحقيق إنجاز سياسي لإرساء مسار ديمقراطي صحي، أو إعادة الحيوية للاقتصاد الجزائري وإخراجه من بئر النفط، أو تحسين الظروف المعيشية للجزائريين، مقارنة بما توفر لبوتفليقة من استقرار أمني واجتماعي وسياسي وندرة القلاقل الداخلية وتوفر أريحية مالية. كما غاب في عهد بوتفليقة التوازن بين ما تم إنفاقه على مشاريع الإصلاح السياسي والإداري والبنى التحتية، إذ تم صرف ألف مليار دولار، في مقابل المردود الاقتصادي.

ويعتبر الناشط والكاتب السياسي محمد أرزقي فراد أن السبب الرئيسي في انهيار شعبية بوتفليقة "هو الإخفاق في تحقيق طموحات الشعب، الذي وضع ثقته فيه. وكان الشعب قد احتفظ بصورة جميلة لبوتفليقة أيام كان وزيراً للخارجية في عهد هواري بومدين، لكنه عجز، بعد وصوله إلى السلطة، عن تحويل الجزائر إلى دولة قوية رغم وفرة المال. بل الأخطر من ذلك، تميز عهده بالشمولية الرهيبة التي قوضت المؤسسات السياسية وحولتها إلى توابع للسلطة التنفيذية المتغولة". ويشير إلى أن أي تقييم موضوعي لفترة حكم بوتفليقة سيظهر أنه "وبدلاً من بناء مجتمع الرفاهية، حدث تفكُك للدولة وانتشر الفساد، وتعرض المال العام للنهب وتعمقت أزمة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة، والأخطر من ذلك هو تمييع صلاحيات الرئيس بعد مرضه، وقد أصبحت في أيدي محيطه غير الدستوري".