شرق الفرات: تجاوزات بحق السوريين وتردٍّ معيشي

07 يونيو 2020
تبتز مجموعات من الفصائل المعارضة المدنيين (بكير قاسم/الأناضول)
+ الخط -
تشهد منطقة شرق الفرات السورية اضطراباتٍ كبيرة، وحراكاً شعبياً على خلفية تجاوزات بحق المدنيين من قبل فصائل تابعة للمعارضة السورية في الشريط الذي يقع تحت سيطرتها في المنطقة، وصلت إلى حدّ اعتقال امرأة أخيراً كرهينة، ما فجّر غضب السكان. ويأتي ذلك إضافةً إلى تردي الحالة المعيشية في ريف دير الزور الشرقي، الواقع تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، التي واجهت أخيراً تظاهرات بالرصاص الحي. وفي الوقت الذي ترزح فيه منطقة شرق الفرات تحت واقعٍ معيشي وأمني صعب، أطلقت "قسد" حملة عسكرية جديدة ضد فلول تنظيم "داعش" في شرقي سورية تستمر أسبوعاً، وتؤكد المليشيات الكردية أنها جاءت بناءً على مطالب الأهالي، عقب معاودة خلايا التنظيم نشاطها غير البعيد عن الحدود السورية - العراقية.

ولا يزال التوتر سيّد الموقف في منطقة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي الخاضعة لفصائل المعارضة منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بسبب تجاوزات من قبل هذه الفصائل بحق المدنيين. وتسيطر فصائل المعارضة في شرق نهر الفرات على المنطقة الممتدة ما بين مدينتي رأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، وتل أبيض في ريف الرقة الشمالي بطول 100 كيلومتر وعمق نحو 33 كيلومتراً. وأشارت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" إلى أن هذه الفصائل، وخصوصاً فصيل "الجبهة الشامية"، تمادت في ممارسات غير مقبولة، أبرزها اعتقالات بسبب تقارير كيدية عن ارتباط مع "قسد"، التي بقيت في المنطقة نحو 4 سنوات قبل أن تخرج منها أواخر العام الماضي تحت ضغط عسكري تركي. وأكدت المصادر أن "الجبهة الشامية" اعتقلت امرأة من بلدة عين العروس جنوب تل أبيض كـ"رهينة"، حتى يسلّم زوجها الهارب من السجن نفسه، مشيرة إلى أن الفصيل اضطر لاحقاً إلى إطلاق سراح المرأة، بسبب تنامي الغضب الشعبي.

وأوضحت المصادر أن منطقة تل أبيض شهدت أخيراً تظاهرات تطالب بتوضيح مصير المعتقلين في سجون الفصائل، متحدثة عن الإفراج عن امرأة معتقلة منذ 3 أشهر بتهمة التواصل مع "قسد"، ومؤكدة أن أغلب هذه التهم لم تثبت. ونشرت شبكات إخبارية محلية مقاطع فيديو لمئات المتظاهرين، أغلبهم من النساء، يطالبون بمعرفة مصير المعتقلين لدى فصائل المعارضة منذ أشهر عدة من دون محاكمات.


وفي السياق، نفت مصادر محلية ما أورده "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، عن إجبار فصائل المعارضة السورية الفلاحين على دفع مبلغ 5 آلاف ليرة سورية (ما يعادل دولارين ونصف دولار) عن كل دونم من مزروعات القمح والشعير. لكن المصادر أكدت أن مجموعات من فصائل المعارضة لا تزال تبتز المدنيين على الحواجز التي تقيمها في المنطقة.

على الصعيد ذاته، لا يزال التسيّب الأمني سائداً في منطقتي تل أبيض ورأس العين، وهو ما يسمح لجهات مجهولة بتفجير سيارات مفخخة من حين إلى آخر، تحصد أرواح مدنيين. وفي هذا السياق، قتل وأصيب مدنيون أمس السبت، جرّاء انفجار سيارة مفخخة جديدة في "سوق الغنم" في بلدة تل حلف، الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة السورية في ريف رأس العين الجنوبي الغربي. وقال "المرصد السوري" إن الانفجار ناجم عن آلية مفخخة، ما أدى إلى إصابة 10 أشخاص في حصيلة أولية، وأكدت مصادر محلية وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي مقتل مدنيين جراءه. وكانت قد انفجرت سيارة مفخخة أول من أمس الجمعة أيضاً قرب دوار الحسكة في مدينة رأس العين، ما أدى إلى مقتل شخصين، أحدهما طفل، وإصابة 7 آخرين.

وتتجه أصابع الاتهام نحو جماعات مرتبطة بـ"قسد" بالمسؤولية عن هذه الانفجارات التي تضرب المنطقة، بينما لا تستبعد مصادر محلية وقوف تنظيم "داعش" والنظام السوري وراءها، من أجل خلخلة الوضع الأمني وخلق مزاج شعبي مناهض لفصائل المعارضة السورية والجانب التركي المساند لها.

في المقابل، يشهد ريف دير الزور الشرقي، وريف الحسكة الجنوبي، الخاضعان لـ"قسد"، اضطرابات بسبب سوء الوضع المعيشي، إضافة إلى اشتباكات بين أطراف محلية أدت إلى سقوط قتلى ومصابين من هذه الأطراف. وأكدت مصادر محلية مقتل متظاهر برصاص "قسد" يوم الخميس الماضي في مدينة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، خلال تظاهرة منددة بالغلاء الفاحش وسوء الأوضاع المعيشية، وانقطاع الكهرباء المتكرر. وخرجت أمس تظاهرة حاشدة مطالبة بمحاكمة المسؤولين عن مقتل المتظاهر على يد الشرطة المحلية التابعة لـ"قسد" في أثناء محاولة تفريق تظاهرة الجمعة، وجدد المتظاهرون مطالبهم بتحسين الوضع المعيشي. إلى ذلك، يشهد ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات بين وقت وآخر خلافات بين أطراف محلية تتطور إلى اشتباكات بالأسلحة الفردية، ما يُوقع قتلى ومصابين.

في موازاة ذلك، أعلنت "قسد" أول من أمس، البدء بحملة عسكرية حملت عنوان "ردع الإرهاب" بمساندة من "التحالف الدولي"، لتعقب فلول "داعش" في المنطقة الخاضعة لسيطرتها شرقي سورية. وقالت قيادة هذه القوات في بيان، إن الهدف من الحملة "استهداف أوكار داعش ومخابئهم التي تعمل على الإخلال بالأمن والاستقرار في المنطقة، وتشكل تهديداً ينذر بعودة داعش". وأشارت إلى أن العملية بدأت "بعد عمليات التحري وجمع المعلومات، بالتعاون مع قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب والتنسيق مع الجيش العراقي"، مشيرة إلى أن الهدف "ملاحقة خلايا تنظيم داعش الإرهابي وتعقبها في البادية الشرقية بمحاذاة نهر الخابور والحدود السورية العراقية".

وأوضحت مصادر مطلعة أن "قسد" حشدت آلاف المقاتلين من أجل تمشيط بلدات وقرى عدة في الريف الشمالي الشرقي لدير الزور، ومنها بلدات الصور وغريبة الشرقية والشيخ حمد، غير البعيدة عن الحدود السورية العراقية، والتي يُعتقد بوجود خلايا نشطة لتنظيم "داعش" فيها.

وقالت القيادية في حملة "ردع الإرهاب"، ليلوى العبدالله، في تصريحات صحافية، أول من أمس، إن الحملة "جاءت بناءً على طلب أهالي المنطقة"، مشيرة إلى أن هدفها "تمشيط بادية الخابور حتى الحدود السورية العراقية"، وموضحة أن قوات التحالف الدولي تؤمّن غطاءً جوياً للحملة. وأوضحت أن نحو 6 آلاف مقاتل يشاركون في العملية، مشيرة إلى أن الحملة "مستمرة لمدة 7 أيام، حتى القضاء على أوكار التنظيم في المنطقة". وأعلنت "قسد" في بيانٍ أنها مشطت 100 قرية في إطار عملية "ردع الإرهاب"، بطول 70 كيلومتراً، وعرض 60، وأنها اعتقلت 30 شخصاً ينتمون إلى "داعش" من الجنسيتين السورية والعراقية، إضافة إلى الاستيلاء على كمية من الأسلحة.

المساهمون