المأزق الفنزويلي يحاصر الجميع: خيارات صعبة بلا قدرة على الحسم

26 فبراير 2019
محاولات إدخال المساعدات أدت إلى مواجهات وسقوط ضحايا (Getty)
+ الخط -
تبدو كل الأطراف في فنزويلا اليوم في مأزق بلا مخارج واضحة له، الرئيس نيكولاس مادورو نجح حتى الآن في الحفاظ على دعم المؤسسة العسكرية له، بما لها من وزن على الساحة، كما يحظى بدعم حلفاء دوليين مثل روسيا والصين وكوبا. في المقابل، إنه يواجه أزمة شعبية ظهرت ملامحها بخروج الآلاف ضده في تظاهرات بعد تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد التي تمر بواحدة من أسوأ الكوارث الاقتصادية في تاريخ أميركا اللاتينية، ودفعت أكثر من 2,7 مليون فنزويلي للهرب إلى الدول المجاورة منذ عام 2015، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
أما خصمه خوان غوايدو، رئيس البرلمان الذي نصّب نفسه رئيساً للبلاد واعترفت به أكثر من 50 دولة رئيساً بالوكالة، فهو يتمتع بدعم شعبي كبير استمده من طابعه اللاعنفي في مواجهة مادورو. غير أنه في المقابل، لم ينجح حتى اللحظة في الحصول على دعم الجيش، وخسر معركة إدخال المساعدات الأجنبية على الحدود يوم السبت الماضي، ليتّجه أمام هذا الوضع إلى طلب التدخّل الأجنبي للإطاحة بمادورو، بدعوته المجتمع الدولي لبحث اتخاذ "كافة الإجراءات لتحرير" فنزويلا. غير أن هذه الورقة تهدد شعبية المعارض البارز، إذ لا يبدو أن الشارع مستعد لمواجهات عسكرية تزيد الوضع سوءاً في البلاد.

وقبيل اجتماع مجموعة ليما في بوغوتا أمس الإثنين، بحضور غوايدو ونائب الرئيس الأميركي مايك بنس، كان المعارض الفنزويلي يدعو إلى "دراسة كل الاحتمالات" ضد مادورو الموجود في السلطة منذ عام 2013، والذي يعتبر معارضوه أن إعادة انتخابه شابها احتيال. كما أعلن النائب خوليو بورجيس، المؤيد لغوايدو، أن الرئيس المؤقت "سيلتمس تعزيز الضغوط الدبلوماسية واستخدام القوة ضد مادورو". ويشارك غوايدو بصفة رسمية في لقاء مجموعة ليما. وأعلن الرئيس الكولومبي إيفان دوكي المنتقد الحاد لمادورو، أن "الحكومة الشرعية لفنزويلا ستدخل رسمياً في المجموعة"، قائلاً إن قمة المجموعة ستناقش "كيفية تشديد الحصار الدبلوماسي على الدكتاتورية في فنزويلا".
كما أكدت الرئاسة الكولومبية مساء الأحد في بيان أن "هدف هذا الاجتماع هو اعتماد إعلان يسهم في استكمال خلق ظروف تؤدي إلى الحرية والديمقراطية في فنزويلا". وتأسست مجموعة ليما المؤلفة من 14 بلداً لاتينياً مع كندا، عام 2017 للبحث عن حل للأزمة التي غرقت فيها فنزويلا. ولم تعترف المجموعة بولاية مادورو الثانية التي تولاها في 10 يناير/كانون الثاني الماضي.

وقبيل الاجتماع، كانت الولايات المتحدة ترفع نبرتها ضد مادورو، مع وصف وزير الخارجية مايك بومبيو، لمادورو بأنه "أسوأ من أسوأ المستبدين"، من دون أن يستبعد استخدام القوة ضده. وقال بومبيو في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" الأميركية إنّ "التوقّعات صعبة. وتحديد الأيام صعب... وأنا واثق من أنّ الشعب الفنزويلي سيضمن أن تكون أيام مادورو معدودة". وألقى الوزير الأميركي باللوم على أنصار مادورو في معظم أعمال العنف التي شهدتها المواقع الحدودية، آملاً "أن يستعيد الجيش دوره في حماية مواطنيه من هذه المآسي، وإذا حدث ذلك، فأعتقد أن أموراً جيدة ستحدث".


الرهان على دور الجيش لإطاحة الرئيس الفنزويلي، يبدو أساسياً لدى الدول الداعمة لغوايدو، إذ كان 11 عضواً من مجموعة ليما، دعوا في اجتماع للمجموعة في 4 فبراير/شباط في أوتاوا، إلى تغيير سلمي للحكومة، وحثوا الجيش على الاعتراف بغوايدو والسماح بدخول المساعدات الإنسانية. لكن مادورو اعتبر حينها أن تلك الدعوة "مثيرة للاشمئزاز ومضحكة". 
وعلى الرغم من فرار 150 عنصراً من قوات الأمن خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، معظمهم لجأوا إلى كولومبيا، فلا يزال مادورو يتمتع بدعم هيئة أركان قوات الأمن، التي يصل عددها إلى 360 ألف عنصر، و1,6 مليون عنصر مدني، علماً أن غوايدو كان قد وعد بمنح عفو للعسكريين الذين ينشقّون، وطالب الجيش بإدخال المساعدات لتخفيف النقص في الأغذية والأدوية.
كذلك، لا يزال مادورو يحظى بدعم حلفاء دوليين، مثل روسيا، والصين، وكوبا التي أعلن رئيسها ميغيل دياز-كانيل الدفاع عن فنزويلا "حيث يجري التلاعب بكرامة القارة". وتؤدي روسيا تحديداً دوراً أساسياً في معركة الدفاع عن مادورو، إذ تعطل اتخاذ أي قرار دولي في مجلس الأمن ضد حليفها الفنزويلي.

وكانت آخر المواجهات العنيفة وقعت على الحدود يوم السبت خلال محاولة إدخال المساعدات الغذائية والدوائية المرسلة خصوصاً من الولايات المتحدة بناء على طلب غوايدو، الذي كان قد تحدّى أمراً قضائياً يمنعه من مغادرة فنزويلا، وحضر الجمعة إلى كوكوتا في كولومبيا، لإطلاق عملية إدخال المساعدات. لكن الشاحنات المحمّلة بتلك المساعدات، عادت أدراجها السبت بسبب إغلاق الحدود الذي أمرت به الحكومة والذي تسبّب بأعمال عنف مع استخدام القوات الموالية للرئيس الفنزويلي القوة لصد القوافل، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح المئات خلال صدامات على الحدود مع كولومبيا والبرازيل. ونددت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بهذا العنف. ولدى وصوله إلى بوغوتا، ندد غوايدو بدوره "بجريمة غير مسبوقة"، مستنكراً أن "على فنزويلا أن تستيقظ من جديد على أزمة كان يمكن حلها". من جهته، رحب النظام، الذي يحمّل العقوبات الأميركية مسؤولية الأزمة الاقتصادية في البلاد، بالإخفاق بإدخال المساعدات. وقال رئيس الجمعية التأسيسية ديوسدادو كابيللو: "لم تتمكن حتى شاحنة واحدة من المرور". ويرفض مادورو تلك المساعدات ويرى أنها مقدّمة لتدخل عسكري أميركي للإطاحة بحكمه.

وبعد هذه التطورات، قال السيناتور الأميركي ماركو روبيو، وهو من الأصوات المؤثرة بشأن السياسة الأميركية تجاه فنزويلا، إن العنف الذي وقع يوم السبت "فتح الباب أمام إجراءات محتملة متعددة الأطراف لم تكن مطروحة على الطاولة قبل 24 ساعة فقط". ونشر روبيو، عبر حسابه على موقع تويتر، صورة للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي أثناء توليه السلطة، وصورة أخرى له وهو غارق في دمائه قبيل مقتله بعد الاحتجاجات التي أطاحت بنظامه عام 2011، ورغم أن روبيو نشر الصورتين بدون أي تعليق، فإن الكثير من النشطاء عبر "تويتر" اعتبروا الأمر تهديداً صريحاً للرئيس الفنزويلي. مع العلم أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قال في السابق إن التدخل العسكري في فنزويلا يعد "خياراً"، من دون الحديث عن مزيد من التفاصيل.

ومع استمرار التوترات الملموسة على حدود فنزويلا، رأت الخبيرة في السياسة الدولية لورا جيل، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، أنه مع أعمال العنف التي وقعت "ارتسم سيناريو يسمح بحصول تدخّل عسكري"، مضيفةً أن المعارضة "ستفوز أكثر إذا زاد مادورو من الضغط كما فعل".