بين صاروخي الحوثيين نحو السعودية: لماذا اختلف رد الرياض؟

23 ديسمبر 2017
تحدث التحالف عن أعداد كبيرة من القتلى الحوثيين(فرانس برس)
+ الخط -


خلافاً لموجة "الغضب" التي أظهرتها السعودية، عقب الصاروخ الذي أطلقته جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) من اليمن، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، جاء الرد أقل حدة هذه المرة بعد صاروخ "قصر اليمامة"، الثلاثاء الماضي، إذ أعلن التحالف استمرار فتح ميناء الحديدة، لوصول المساعدات والواردات التجارية. غير أنه أكد في المقابل، استمرار العمليات العسكرية على كافة المحاور، وتحدث عن حصيلة بدت مبالغة لقتلى الحوثيين خلال الثلاثة أشهر الأخيرة. ويبدو أن التحالف اعتمد استراتيجية جديدة بمواصلة العمليات العسكرية، ولكن مع استمرار السماح بوصول المساعدات لتخفيف حدة الضغوط الدولية.

وحصد التحالف  خلال الأيام الأخيرة، مواقف دولية مرحبة بإعلانه استمرار فتح ميناء الحديدة وهو الوحيد الواقع تحت سيطرة الحوثيين، إذ رحب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، في بيان أصدره الخميس، بقرار فتح الميناء للمواد الإنسانية والإغاثية والسماح بدخول السفن التجارية لمدة 30 يوماً، داعياً إلى "استمرار العمل بهذه الإجراءات لما بعد ذلك". كما رحب وزير الخارجية البريطاني، بوريس جونسون، بالخطوة، أملاً في أن تسهم بتخفيف معاناة اليمنيين وتُمكّن من إيصال الإمدادات التي يحتاجها بشدة.

وكان التحالف، وخلافاً للخطوة التي أقدم عليها مطلع الشهر الماضي، بإغلاق كافة منافذ اليمن البرية والبحرية والجوية، عقب الصاروخ الذي استهدف مطار الملك خالد الدولي، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، بما في ذلك المنافذ الواقعة في مناطق سيطرة قوات الشرعية والتحالف، جاء رده هذه المرة مختلفاً، بالإعلان عن استمرار فتح ميناء الحديدة، الذي يعد الشريان الرئيسي لليمن، وأُغلق الشهر الماضي لأسابيع، قبل أن يسمح التحالف بإعادة فتح الميناء لاستقبال سفن المساعدات المقدمة من المنظمات الإغاثية.

وعلى الرغم من أن الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون يوم الثلاثاء الماضي، وقالوا إنه استهدف قصر الحكم الملكي السعودي (اليمامة)، هو من النوع نفسه الذي استهدف الرياض الشهر الماضي، إلا أن ردود الفعل السعودية، بدت أقل حدة هذه المرة، إذ اعتبرت الرياض الشهر الماضي أن الصاروخ إيراني الصنع وأن إطلاقه من الحوثيين يمثل اعتداءً إيرانياً على المملكة، لترتفع حدة التصعيد في الأزمة بين الرياض وطهران. أما هذه المرة، فقال المتحدث باسم التحالف، العقيد تركي المالكي، في مؤتمر صحافي عقده في الرياض الأربعاء الماضي، إن "استمرار إطلاق الصواريخ البالستية يعد تصعيداً خطيراً"، مما وصفه بـ"المليشيا الإيرانية المسلحة"، وأنه "يثبت بما لا يدع مجالاً للشك استمرار تهريب الأسلحة عن طريق المنافذ الإغاثية واستغلال هذه المنافذ ونقاط الضعف في إدخال الصواريخ البالستية".

وأثار رد الفعل من قبل التحالف، والذي بدا أقل حدة، على الأقل تجاه طهران، تساؤلات عديدة، إذ اعتبر محللون يمنيون في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن التحالف على ما يبدو، لم يجنِ من قراراته الشهر الماضي، بإغلاق كافة المنافذ، وما رافقها من إجراءات، سوى الإدانات الواسعة من قبل المنظمات الإنسانية، والتي اتهمت التحالف بالتسبب بكارثة إنسانية وحذرت من مجاعة تهدد الملايين، ما دفع التحالف إلى إعلان مغاير هذه المرة، باستمرار فتح ميناء الحديدة، على الرغم من أن الإعلان نفسه بدا لافتاً من خلال تحديد مدة فتح الميناء بثلاثين يوماً. فيما ذهب بعض التعليقات، إلى أن ردة فعل التحالف، على الصاروخ الذي استهدف الرياض مطلع نوفمبر الماضي، كانت مدفوعة بنسبة أو بأخرى، بالتطورات الداخلية السعودية، إذ تزامن إطلاق الصاروخ مع القرارات والاعتقالات الشهيرة التي طاولت أمراء ورجال أعمال في البلاد.


من جهة أخرى، لا يمكن قراءة رد فعل التحالف على الصاروخ الأخير، من دون التوقف عند المؤتمر الصحافي للمتحدث باسم التحالف تركي المالكي، يوم الأربعاء الماضي، والذي كشف عن تفاصيل عسكرية، منها عرض مقاطع فيديو قال إنها توثق استهداف مواقع وصواريخ بالستية للحوثيين في محافظة صعدة ومناطق أخرى، والتأكيد أن الحكومة اليمنية الشرعية باتت تسيطر على 85 في المائة في البلاد، وأن العمليات العسكرية متواصلة. وقال إن "جميع المحاور تستمر في العمل متناغمة سواء في الشمال من جهة محافظة صعدة أو الجوف أو من نهم (شرق صنعاء) أو من جهة مديرية بيحان (شبوة)"، بالإضافة إلى التحركات في تعز وفي إقليم تهامة، وأضاف في السياق أن قوات الشرعية والتحالف تتحرك من الجهة الجنوبية من باب المندب متجهة إلى مدينة الحديدة، مشيراً إلى أنها على "مسافة قريبة جداً من الوصول إلى مدينة الحديدة".

إلى ذلك، كان أبرز ما تحدث عنه المالكي، هو القول إن إجمالي خسائر العدو (الحوثيين) في الثلاثة أشهر الماضية بلغ 11326 قتيلاً و6730 من الأسلحة والمعدات، وهو رقم بدا أكثر من المتوقع في كل الأحوال، إذ إن الحديث عن أكثر من 11 ألف قتيل للحوثيين خلال أشهر، وعلى افتراض إمكانية صحته ولو بشكل نسبي، فإنه يكشف عن حصيلة ثقيلة للحرب في اليمن، منذ أكثر من ألف يوم. ومن غير المستبعد أن الحصيلة المعلنة من التحالف، تسعى لحرف الأنظار عن أعداد الضحايا المدنيين الذين سقطوا في الأسابيع الأخيرة، جراء الضربات الجوية، إذ قُتل ما يصل إلى 150 مدنياً بغارات للتحالف خلال الشهر الحالي، وفقاً لإحصائيات من الأمم المتحدة وأخرى من مصادر محلية يمنية.

الجدير بالذكر، أن الحوثيين وخلال الأسابيع الأخيرة، وعلى الرغم من تمكنهم من قتل علي عبدالله صالح، وما ارتبط مع ذلك من إكمالهم السيطرة على صنعاء، إلا أنهم في المقابل تكبّدوا خسائر ميدانية كبيرة، إذ سيطرت قوات الشرعية والتحالف على الخوخة، أولى مديريات الحديدة من جهة الجنوب، وخسر الحوثيون سيطرتهم على أغلب مناطق مديريتي بيحان وعسيلان، في محافظة شبوة جنوب البلاد.

وبصورة إجمالية، وبالنظر إلى مضامين المؤتمر الصحافي للمتحدث باسم التحالف، يبدو أن الأخير وبعد مقتل صالح، قد اعتمد استراتيجية بالتصعيد الميداني على الجبهات، بالاستفادة من كون الحوثيين باتوا الخصم الوحيد بعد انهيار تحالفهم مع صالح، وهو ما يُفهم من حديث المالكي، عن أن "هناك خططاً ويتم التحرك بآلية معينة في تزامن لجميع المحاور لتحرير العاصمة صنعاء". وقال في السياق "لا أعتقد أن الحل سيكون في عملية شاملة، وهناك كثير من التقدم في العمليات العسكرية وخصوصاً في الأسبوعين الماضيين"، مشيراً إلى اتصالات مع ضباط في قوات الحرس الجمهوري (المعروفة بولائها سابقاً لصالح). ويبقى المؤشر الأوضح في كل التطورات والتصريحات المتعلقة باليمن، أن الحديث عن "حل" بات الحلقة الأضعف، وأن المسار العسكري هو السائد، حتى حين.

المساهمون