وأكدت الهيئة في بيانها الختامي "أهمية محاسبة المجرمين الذين ارتكبوا جرائم حرب وإبادة ضد الشعب السوري واستخدموا الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً وعلى رأسهم بشار الأسد".
وذكر بيان "الهيئة" أن الاجتماعات ناقشت كذلك "التقارير المقدمة من مكاتبها السياسية والتنظيمية والإعلامية، كما ناقشت موضوع توسعة الهيئة العليا وإدخال المزيد من الشخصيات الوطنية، ولا سيما من الداخل السوري، وتحقيق تمثيل أوسع للمرأة السورية"، وكذلك "ناقشت استعدادها لتشكيل وفد جديد للمفاوضات القادمة بناء على مستجدات توسعة الهيئة القادمة بتمثيل أوسع لشرائح المعارضة السورية الوطنية".
وتواجه المعارضة السورية العديد من التحديات التي تسعى لحَرْف مسار الثورة السورية، ودفعها إلى القبول بحلول "مؤلمة"، لا تلبي الحد الأدنى من مطالب الشارع السوري المعارض، وفي مقدمتها استبعاد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن السلطة من خلال حل سياسي ترعاه الأمم المتحدة وفق قرارات صادرة عنها.
لكنها تحاول في الوقت ذاته مواجهة هذه التحديات من خلال التمسك برفض أي حلول "جزئية" مفروضة من روسيا التي تنظر إليها قوى الثورة والمعارضة السورية على أنها "قوة احتلال" جاءت لتثبيت سلطة الأسد على السوريين من خلال ارتكاب المجازر بحقهم.
وجاءت اجتماعات "الهيئة العليا للمفاوضات" لمناقشة جملة من القضايا بعضها قديم لم تصل الهيئة إلى قرار بشأنه، وآخر جديد دفعته التطورات السياسية والعسكرية إلى واجهة البحث، والتداول.
وفي حين وصفت مصادر في المعارضة السورية الاجتماعات بـ "العصيبة" كونها تأتي في خضم ضغوط إقليمية ودولية على الهيئة لتبني خطاب "جديد" يأخذ بالاعتبار وجود تفاهمات إقليمية ودولية غير معلنة لا تدفع باتجاه تغيير جذري في سورية، يطاول رأس الأسد على الأقل في المرحلة الانتقالية.
ولكن مصادر أخرى حضرت اجتماعات الرياض نفت لـ "العربي الجديد" وجود خلافات "جوهرية" بين مكونات الهيئة العليا، مضيفة "ولكن هناك اختلاف بالرأي حيال العديد من القضايا، منها الترتيبات المتعلقة بمؤتمر المعارضة الموسع المتوقع عقده خلال الشهر الجاري".
وأشار مصدر في الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري إلى أنه "لا يوجد حماس أميركي لعقد مؤتمر الرياض 2"، معرباً عن اعتقاده بأن الدعوة الروسية لعقد مؤتمر لجهات محسوبة على المعارضة السورية في قاعدة حميميم على الساحل السوري أواخر الشهر الجاري "جاءت للتشويش على الرياض 2 في حال انعقاده، وخلق أزمات تمثيل جديدة للمعارضة السورية لفرض رؤية روسية في أي حل سياسي قادم"، وفق المصدر.
وتحاول موسكو خلق مسار جديد في القضية بديلاً لمسار جنيف، من خلال تكريس مخرجات مفاوضات أستانة في المعادلة السياسية، والدفع باتجاه تشكيل هيئة تفاوضية بديلة عن الهيئة العليا للمفاوضات التي تعتبر روسيا "قوة احتلال" لا يحق لها تحديد مستقبل سورية.
وأوضح المصدر أن مؤتمر الرياض القادم سيكون على رأس أولوياته "إدخال منصتي "القاهرة"، و"موسكو" في الهيئة العليا للمفاوضات"، و"إعادة النظر في بيان الرياض 1 الذي صدر أواخر عام 2015، حيث تتحفظ عليه بعض الأطراف".
ورداً على ما أوردته وسائل إعلام روسية عن تداول أسماء شخصيات معارضة لخلافة المنسق العام للهيئة الحالي رياض حجاب، ومنها رئيس تيار "الغد السوري" أحمد الجربا، ورجل الأعمال خالد محاميد، أكد المصدر أن محاولات فرض هذين الاسمين على الهيئة العليا للمفاوضات "ستؤدي إلى انسحابات كبيرة، ربما تهدد وجود الهيئة بالكامل". وأشار إلى أن الفصائل العسكرية "لن تقبل بوجود شخصيات على رأس الهيئة تتماهى تماماً مع الرؤية الروسية في سورية"، مضيفاً "ومن ثم لن يتم قبول الجربا والمحاميد على رأس الهيئة العليا للمفاوضات، رغم وجود دعم سعودي وإماراتي ومصري لهما".
وأكد المصدر أنه في حال تخلي حجاب عن منصبه لـ "أسباب صحية" سيتم اختيار شخصية وطنية تتبنى خطاب الثورة السورية بشكل واضح، وتدفع باتجاه الخوض في مفاوضات تفضي إلى تطبيق قرارات الشرعية التي تدعو إلى انتقال سياسي في البلاد يقوم على تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات من دون الأسد.
وتدفع روسيا باتجاه استبعاد حجاب عن رئاسة الهيئة العليا للمفاوضات كونه يقود التيار الرافض لأي حلول "وسط" في سورية تسهم في إعادة إنتاج النظام، وتكرس الوجود الروسي الدائم في سورية.
ويصر هذا التيار الذي يضم ممثلي الائتلاف الوطني السوري في الهيئة، على استبعاد الأسد عن أي حل سياسي في البلاد، بل يذهب إلى الدعوة لتقديم الأسد وأركان حكمه إلى محاكم دولية جراء ما اقترفوه من جرائم بحق السوريين منذ عام 2011.
ويعوّل الشارع السوري المعارض على مؤتمر الرياض 2 في إنهاء حالة التشظي والفرقة التي تعد السمة الواضحة لقوى الثورة والمعارضة، وتشكيل هيئة متوازنة للتفاوض تكون قادرة على الوقوف أمام المخططات التي تدفع باتجاه تقسيم البلاد تحت ذرائع مختلفة منها الفيدرالية، واللامركزية، وهو ما يبدو واضحاً في التحركات الروسية التي من المنتظر أن تُتوج في مؤتمر "حميميم" القادم.
وفقدت المعارضة الكثير من تأثيرها بسبب تفرقها إلى تيارات وهيئات مرتبطة بشكل أو بآخر بجهات إقليمية ودولية اتخذت من سورية مسرح صراع إرادات، دفع ثمنه السوريون.
وأمام المعارضة السورية الاستحقاق الأكبر منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، وهو مؤتمر الرياض 2 في حال انعقاده أواخر الشهر الجاري والذي من شأنه إما تكريس الانقسام، أو انتشال المعارضة من حال الاختلاف والظهور أمام المجتمع الدولي بمظهر متماسك يساعد في تنفيذ قرارات الشرعية، الداعية إلى تشكيل هيئة حكم تتولى الإشراف على مرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات وفق دستور جديد يكتبه السوريون أنفسهم.
وفي حين لم يحدد الموفد الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، موعداً محددا للجولة القادمة من مفاوضات جنيف بين المعارضة السورية والنظام، إلا أنه أشار في تصريحات صحافية إلى أن تشكيل وفد واحد للمعارضة قد يكون شرطاً لانعقاد هذه الجولة.
وتتفاوض المعارضة السورية في جنيف من خلال ثلاثة وفود هي وفد الهيئة العليا للمفاوضات، ووفد يمثل منصة "موسكو"، وآخر يمثل منصة "القاهرة"، حيث تتباين بل تتناقض الرؤى بين هذه الوفود حول عدة قضايا أبرزها مصير الأسد.
ولا تملك منصتا موسكو والقاهرة أي حضور في الشارع السوري المعارض والذي يرى في الهيئة ممثلاً له في هذه المفاوضات، وهو ما يكسبها قوة تأثير تحاول روسيا تشتيتها من خلال خلق منصات ومسارات غايتها تثبيت النظام ورأسه في السلطة.